الطيب مصطفى

قيمة العفو بين الدقير وإشراقة


عزيزي د. أحمد بلال
تابعت الخلاف العاصف الذي احتدم بينكم والعزيزة إشراقة والذي أدى تطاوله إلى تحويله إلى عراك شخصي عمق الغبائن والسخائم والمرارات وأثار شيطان الثأرات وهو أمر مؤسف لم ينج منه حزب أو قبيلة أو جماعة بل أنه بات سلوكاً شائعاً في حياتنا السياسية المتطاحنة التي يتمترس كل حزب فيها خلف رأيه رافضاً التنازل لمنطقة وسطى تقرب الشقة وتؤلف بين القلوب.
نعم .. لقد اشتعلت روح التشاحن والتباين في السودان بصورة مريعة في غياب كامل للدين وقيمه العليا والتي تدعو إلى العفو الذي يرفع فاعله مكاناً علياً عند الله وعند الناس وينزل بركة وتوفيقاً على المتشاحنين وأخشى ما أخشاه أن تحيل هذه الروح الشيطانية النزقة وطننا (الحنين) إلى ساحة معركة تقضي على الأخضر واليابس كالتي نراها في دول كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال وهو للأسف أكثر عرضة للتمزق والاحتراب من كل هذه الدول بسبب هشاشة نسيجه الوطني وضعف ممسكات الوحدة الوطنية بين مكوناته سيما وبلادنا حديثة التكوين ولا توجد هوية وطنية تجمع شتاتها المتناثر .
عزيزي أحمد ..رأيت أن أخاطبك أنت لا الحبيب الخلوق جلال الدقير بالنظر إلى أن المشكلة ما قامت في الأساس إلا بين الدقير وإشراقة مما يقلل المشاعر السالبة بينك وبين إشراقة سيما وأن جلالاً قد خرج مغاضباً بعد أن أحس أن كرامته قد جرحت وأهينت.
لم أكتب لك إلا لأننا في منبر السلام العادل مررنا بتجربة مماثلة نزغ الشيطان فيها بيننا بصورة مدهشة بلغت مرحلة السباب والشتائم والكتابة الموجعة في بعض الصحف التي (يعجبك) تهافتها في مثل هذه المواطن بحثاً عن الإثارة التي (تبيع) لا رتقاً للفتوق التي تشفي الجروح وتعافي الجسد العليل.
لقد بلغ الخصام بيننا درجة محزنة وسعى الطرفان المتصارعان إلى إطفاء شرعية بعضهما البعض من داخل المؤسسات الحزبية بل أنهما استعانا بمجلس شؤون الأحزاب الذي انحط دوره حتى عن القيام بدور النوافل ناهيك عن الفرائض التي يتيحها قانونه المعطل وتلك قصة أخرى تحكي عن ضعف البناء السياسي بكل مكوناته في السودان.
صدقني أخي أحمد أنّي وجدت بعد تجارب مريرة أنه ما من شيء أيسر من التسامي على الجراح وإعلاء قيمة العفو التي لو أخذ المجتمع بشيء من مثالات الدين الحاضة عليها لتعافى وأصبح أكثر تماسكاً ولسد منافذ الشيطان الذي يجيد اللعب على التناقضات والتباينات الصغيرة .
أقول أخي أحمد قفزاً على تفاصيل كثيرة إننا استخدمنا هذا السلاح الفعال ولا أقول الفتاك لإطفاء الأزمة وعاد أكبر من نشب الخلاف معهم واحتدم وتصاعد حتى بلغ درجة اللاعودة .. عاد إلى حضن الحزب بل ودخل أعلى مؤسساته ولا شيء يحول دون أن يحتل مقام الرجل الأول فيه وهو المؤهل لذلك.
أخي أحمد ..لو كان الشيخ الترابي قد أعمل قيمة العفو التي دخل بها إلى الحوار في ذلك اليوم الكالح (الرابع من رمضان) لكان السودان كله ، والله العظيم ، مختلفاً عن سودان اليوم الذي ساقته المفاصلة إلى شر وبيل لا نزال نتجرع من كأسه المر.
لو كان الأربعة الذين رفضوا التوقيع على خارطة طريق الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي في مارس الماضي قد منحوا موافقتهم التي بذلوها اليوم بعد تأخير امتد لأربعة أشهر لكنا قد وفرنا تلك المدة من عمر وطننا المأزوم وأفدنا منها كثيراً في رتق فتوقنا الوطنية المتزايدة.
لو ولو ولو تترى في مسيرتنا الوطنية لو تعاملنا معها بقيمة العفو والصفح لكان حالنا غير الحال.
يحضرني موقف للعاهل الأردني السابق الملك الحسين بن طلال هزني بعنف .. فقد قام بزيارة خصمه ليث شبيلات في السجن وأخذه معه في سيارته ورجع به إلى منزله ..تلك الزيارة الكريمة كانت بمثابة البلسم الشافي الذي أنهى الخصومة وأبكى ليث شبيلات ونزع ما في صدره من غل على عدوه السابق وأعمل مضامين الآية الكريمة : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
تذكر أخي كيف عفى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بل وكرم أبا سفيان بن حرب حين دخل مكة وهو الذي لطالما قاد قريش ضد الرسول الخاتم.
تذكر كيف عفى عن زوجة أبي سفيان هند آكلة الأكباد بالرغم مما فعلته بعم الرسول الكريم أسد الله حمزة بن عبدالمطلب بل تذكر كيف عفا عن وحشي قاتل حمزة بعد اعتناقه الإسلام.
ليس وحدك من يفعلها أخي أحمد إنما قياداتكم الحزبية ومنها إشراقة التي يلزمها أن تسهم بالكثير في سبيل إنهاء الخصام الذي خاضته بالطول والعرض فهي امراة والنساء أشد عاطفة وأكثر رقة.
إما أن تفعلها أخي أحمد وإما أن تسمح للوسطاء أن يتدخلوا لإنهاء الأزمة وإعادة الصفاء ..فهلا فعلتها أخي الكريم؟


تعليق واحد

  1. لو كان مشيت لأحمد ده في البيت وقلت ليهو الكلام ده بدل ما تكتبوا في عمود قد يقراهو وقد ما يقرأهو لكان أفضل وأحسن وأمضى أثرا …ز