منوعات

ما عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها القادة والسياسيون؟


غالباً ما يتوجب على القادة السياسيين أن يديروا أمورهم مع قلة ساعات النوم. فكيف يستطيعون أداء مهامهم وأنشطتهم المتعددة دون أخذ قسط كافٍ من الراحة؟

تؤثر المتطلبات التي يحتاج إليها من يريد أن يكون مرشحا للرئاسة في بلد ما سلباً على عدد ساعات النوم، ولا يبدو أن تلك المتطلبات ستقلّ بالنسبة لمن يُنتخب فيما بعد لتولي ذلك المنصب المهم.

يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يضع في جدوله اليومي ست ساعات فقط للنوم ليلاً، مع أن ذلك غير ممكن على الدوام، بينما قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إنه كان ينام ما بين خمس إلى ست ساعات.

فما هو عدد الساعات الكافي للنوم بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين كالرؤساء لكي يتمكنوا من أداء مهامهم على أفضل وجه ممكن؟

وهذا سؤال مهم ينبغي طرحه أيضا عندما ينتقل مرشحا الرئاسة في الولايات المتحدة على سبيل المثال إلى المرحلة الحافلة بالأنشطة والفعاليات الخاصة بالحملة الرئاسية. فهل يؤثر النوم على أدائهما؟ وكيف يواكبان بالضبط برامج مواعيدهما المرهقة؟ وهل يساهم الحرمان من النوم في وقوع الناس في أخطاء وهفوات؟

وبصفتي إخصائياً في أمراض الجهاز العصبي، ممن بحثوا ودرسوا النوم لعدة سنين، أعلم أن النوم يؤثر على أدائنا وصحتنا. وبينما تستطيع نسبة ضئيلة جداً من الناس أن تؤدي مهامها مع النوم لأربع أو خمس ساعات فقط كل ليلة، فإن معظمنا يحتاج إلى ساعات نوم أكثر.

لا تزال الأبحاث العلمية بحاجة إلى الاتفاق على “نظرية شاملة” تفسر وظيفة النوم، وهدفه في تكوين الإنسان، مع أن الأبحاث أظهرت عدة وظائف مهمة للنوم وتأثيراته على أجسامنا وعقولنا.

واستناداً إلى تحليل لمصادر الأبحاث الطبية، أصدرت “جمعية أبحاث النوم” و”الأكاديمية الأمريكية لطب النوم”، بياناً مشتركاً العام الماضي أوصيا فيه البالغين بالنوم لما لا يقل عن سبع ساعات في الليل للحفاظ على وضع صحة جيد.

واستندت هذه التوصية على مراجعة وتنقيح شاملين للدراسات والأبحاث السابقة. كما أشار البيان إلى أن النوم لفترة تقل عن ست ساعات ليلياً، وبشكل منتظم، “لن يكفي للحفاظ على الصحة”.
مراحل النوم

يمر النوم بدورات من عدة مراحل تشمل “حركة العين السريعة”، و”حركة العين غير السريعة”. وخلال مرحلة حركة العين السريعة نحلم أكثر أحلامنا بلقطاتها الواضحة.

يقول المرشح الرئاسي في الولايات المتحدة دونالد ترامب إنه ينام نحو ست ساعات كل ليلة

وتسمى مرحلة حركة العين غير السريعة أيضاً بمرحلة النوم الخفيف (المرحلتان الأولى والثانية)، كما توجد مرحلة النوم العميق بالموجات البطيئة (وهي المرحلة الثالثة).

ويُعتقد أن مرحلة نوم الموجات البطيئة ذات أهمية خاصة للانتعاش البدني والصحة، نظراً لدورها الوظيفي في صيانة الخلايا والحفاظ على صحتها.

ولضمان أداء جيد للذاكرة، نحتاج إلى دورة نوم طبيعية من مرحلتي حركة العين السريعة وغير السريعة. وتعد مرحلة حركة العين السريعة مرحلة مهمة من مراحل النوم من أجل قوة وتماسك الذاكرة، وخاصة ذاكرة العمليات الإجرائية والمكانية.

أما مرحلة حركة العين غير السريعة والموجات البطيئة فتمكّننا من معالجة المعلومات وتماسك الذاكرة، وخاصة الذاكرة الجلية، وهي تلك التي تكمن وظيفتها في استعادة الحقائق والأحداث.

وتتواصل خلايا الدماغ فيما بينها عبر “المشبك العصبي”، وهي نقاط وصل تربط تلك الخلايا ببعضها عن طريق مواد كيمياوية تسمى أيضاً النواقل العصبية.

وتعد مرحلة نوم الموجات البطيئة ضرورية لتنظيف وتصفية المشابك والنواقل العصبية. وتعد عملية التصفية هذه ضرورية جدا للحفاظ على الروابط القوية في الدماغ، ولإزالة الروابط الهزيلة، كجزء من عملية تماسك المعلومات في الذاكرة.

وظهرت خلال السنوات العديدة المنصرمة دلائل تبين أهمية النوم في التقليل من فقدان الذاكرة المتعلق بالتقدم في العمر، ليصبح حالة بسيطة من حالات الاختلال المعرفي أو حالات الخرف.

وأظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن النوم يتيح التخلص من الفضلات الدماغية، مثل مادة الأميلويد. ويعتبر تجمع مادة الأميلويد هذه أحد العلامات المرضية لحالة الزهايمر.

وهناك اهتمام واسع بوظيفة “تنظيف الدماغ” المتعلقة بالنوم، والتي عُرفت مؤخراً، والتي يجري خلالها التخلص من الفضلات السامة الموجودة في خلايا الدماغ خلال النوم.

وهناك أبحاث لا حصر لها تبين ضعف الأداء على مستويات متنوعة من الوظائف المعرفية للدماغ نتيجة للحرمان من النوم. وتشمل هذه مستويات الانتباه وضبط المشاعر والتعلم والذاكرة و”المهام التنفيذية”.

وتشير المهام التنفيذية، في هذه الدراسات، إلى القدرات المرتبطة بتنفيذ مهام متعددة في آن واحد، وترتيب أمور متسلسلة معقدة. كما تدل أيضاً على قدرات ضبط النفس، وتهذيب سلوكياتنا وكلامنا لنتجنب تصرفات وتعليقات غير لائقة.

ومن بين تلك الوظائف، تتأثر المستويات المعرفية للانتباه أكثر من غيرها بالحرمان من النوم، حيث يمكن رؤية تأثيرات خفيفة على عمليات الانتباه المعقدة والذاكرة العاملة. ولحسن الحظ، أظهرت الأبحاث أن قدرة التعليل البسيطة تظل سليمة مع الحرمان من النوم.

أما انقطاع النفس الانسدادي النومي، وهو أكثر الاضطرابات شيوعاً أثناء النوم، فقد تبين أنه يؤثر على جزء الدماغ المسؤول بشكل أكثر عن الحفاظ على المهمات التنفيذية.

وبما أننا تعلمنا أكثر فيما يخص أهمية النوم ودوره في أداء العمليات المعرفية، فقد تغيرت قواعد وأنظمة الواجبات والمسؤوليات في العمل لتضع حداً لعدد الساعات التي يمكن أن يقضيها أي شخص في أداء عمل ما.

كما وُضعت توجيهات لمراقبة ومنع الأخطاء الناجمة عن الحرمان من النوم لدى أصحاب عدد من المهن، مثل الأطباء المقيمين، والطيارين.

وقد جرى تدوين عدة تأثيرات بدنية ناجمة عن نقص النوم، أو النقص المزمن للنوم، بما في ذلك زيادة الوزن والسمنة، ومرض السكري، ومرض ارتفاع ضغط الدم، والكآبة، وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والجلطة الدماغية، إضافة إلى زيادة مخاطر الموت.

كما جرى التوصل إلى وجود صلات عديدة بين عدم كفاية النوم ونقص المناعة، وزيادة الشعور بالألم.

وتجري “مؤسسة النوم الأمريكية” بشكل دوري استطلاعا للرأي تطلق عليه اسم “النوم في أمريكا”. وهناك معطيات تبين أن 40 في المئة من المشاركين في ذلك الاستطلاع ذكروا أنهم ينامون أقل من سبع ساعات أثناء الليل.

أما وزارة الصحة والخدمات الصحية الأمريكية فقد أطلقت مبادرة سمتها “الأشخاص الأصحاء 2020” تهدف إلى تحسين صحة الأمة كلها. ووضعت هذه المبادرة هدفاً لها يتلخص في “زيادة نسبة البالغين الذين يحصلون على نومٍ كافٍ.”

كما أُجريت أيضاً دراسات عديدة أظهرت زيادة ارتكاب الأخطاء وزيادة حوادث المرور المرتبطة بالحرمان من النوم. ومع أخذ العلاقة التي تربط ما بين النوم والأداء في الاعتبار، أجريت فعلاً دراسات أظهرت تحسناً في أداء صفوة الرياضيين عن طريق زيادة ساعات النوم أثناء الليل.

وهناك العديد من الفِرق الرياضية المحترفة التي توظف لديها خبيراً في النوم ليساعدها في تعزيز أداء رياضييها ليصل إلى حدوده القصوى.

وغالباً ما يكون لدى أي مدير تنفيذي موظفون يساعدونه في ترتيب مهامه التي لا حصر لها، واتصالاته الضرورية لعمل منظم، إضافة إلى حل المعضلات أو الأزمات التي قد تظهر في أي وقت.

ويؤكد هذا على دور وأهمية وجود كادر عمل ضخم العدد وبمؤهلات لازمة (لا يكون بعضهم محروماً من النوم بالطبع) ممن يقدرون على العمل كـ”عقل مدبّر”.

ونظرياً، يمكن لرئيس دولة أن يتدبر مسألة الحرمان من النوم بالاستفادة من خليط من هذه الاستراتيجيات. ولعل من يرشح نفسه لانتخابات رئاسية أيضا يتبع نفس المنحى في سبيل البقاء.

وهناك بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في محاربة الحرمان من النوم، ومنها ما يلي:

الاستفادة من غفوة الظهيرة: هناك دلائل تشير إلى أن إغفاءة قصيرة (يقصد بها، بشكل مثالي، فترة لا تزيد عن 20 دقيقة بعد الظهيرة) تعزز الانتباه والأداء.

ونشهد ميلاً لدى بعض المديرين التنفيذيين للاستفادة مما يطلقون عليه اسم “غفوات الطاقة”. ويمكن لتحديد قسم من أماكن العمل يخلو من أي إزعاج لأخذ غفوة قصيرة أن يفيد في اللحظات التي تسبق الاجتماعات.

واستناداً إلى “المؤسسة الوطنية للنوم” في أمريكا، حاول العديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة بشكل منتظم من غفوات بعد الظهيرة، بمن فيهم جون كينيدي، ورونالد ريغان، وجورج دبليو بوش.

الكافيين: كلما طالت فترة استيقاظنا، زاد تجمع مادة كيمياوية في الفص الأمامي من الدماغ تعرف باسم أدينوسين، والتي ترتبط بدفعنا إلى النوم. ويضع الكافيين حاجزاً بين هذه المادة ومُستقبِلاتها الخلوية مما يؤدي إلى منع مؤقت لتجمع مادة الأدينوسين، وبالتالي يقلل ذلك من الدافع للنوم.

الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة: يزداد الاعتماد في مجتمعاتنا على الهواتف الذكية والأجهزة الالكترونية لاستعمالها في ترتيب مواعيدنا، وتزويدنا بأدوات مهمة تساعدنا على تذكر الأنشطة والأحداث المختلفة، إضافة إلى إمكانية الحصول على معلومات مهمة عند الحاجة.

وكان البعض يطلق عليها في السابق اسم “عقول ثانوية”، والتي يمكن أن تساعدنا بالفعل في تنظيم أوقاتنا للحصول على عدد كاف من ساعات النوم.

BBC