زاهر بخيت الفكي

طيب ما تمُرقوا..؟


ياخي حيلنا إتهدّ وغلبنا البنسوي ..
أها ورأيك..؟
ماعندى رأي نصبر بس يعني نسوي شنو..؟
والصبر ده حدو متين..؟
ذهب الكُمساري يتكئ على باب الحافلة يُرتب حصيلة فردته ويُعيد لمن
لديه باقي قُروش عنده قُروشه ، أعاد حسابها مرة واتنين وتطلّع في
الرُكاب للمرة الأخيرة وبدأ يُدندن بمقطع واحد من رائعة هاشم صديق
أبكي النهاية ويُعيد ويمط في نفس المقطع ، إنكفى بعضهم لتصفُح
موبايلاتهم لا يعنيهم ما يدور من همس بين بعض رُكابها عن المعاناة
وضيق المعاش ، يحملون هماً يشغلهم عن التصفح يُفضفضون لبعضهم
وفي حديثهم سلوى لهم ، بدأت أصواتهم ترتفع وجدالهم يزداد بعضهم
ينسُبها لحالة الاقتصاد العامة والعزلة التى يُعاني منها السودان وبعضهم
ينسبها للصراعات والحروب والتى بدورها أوقفت عجلة الانتاج فى
بلادنا مع اتفاقهم على إتهام النظام وحصول أصحاب الولاء فيه على
كامل الغنيمة وترك الفتات للغير..
إنتبه من بداخل الحافلة والتفتوا لمُتابعة الموضوع الساخن ..
طيب قاعدين ليه ما تمرقوا ..؟
فجاءة صاح أحدهم بعد أن هبّ واقفاً من مقعده وبأعلى صوته ..
رد عليه أحدهم يرتدي لبسة رمادية (سفاري) ..
يمرقوا يمشوا وين يا عمنا..؟
يمرقوا يمشوا السعودية أو أي دولة تانية يمشوا ليبيا إن شاء لله
بالصحراء فيها شنو ، بلاد لله واسعة الناس تهاجر ياخي تشاد القريبة
دي فيها قروش اليمرقوا يمشوا الدهب أحسن ليهم من القعدة هنا لا
شغل ولا مشغلة..
ولا رأيك شنو يا ود أخوي فى كلامي ده..؟
ضجت الحافلة بالضحك من هضربة عمك وكبكبته ومن ظاهر حديثه
يحُضهم على المروق للشارع ضد النظام وقد بدأ مُنفعلاً وقتها ..
استمرت الرحلة وعاد الهمس وعادت الأصابع تبحث من جديد عن
الجديد فى عالم الانترنت وعن الأصدقاء والدردشة معهم..
نزل صاحبكم يكتُم غيظه فى أول محطة ، داعبه الكمساري قائلاً بعد أن
تحركت الحافلة ، نمرق وين قلت يا عمك..
تمرق روحك إنشاءلله ما فيكم فائدة ومضى إلى حاله..
لقد مرقت حقاً من أرضنا كفاءات حقيقية لا تُعوض استقطبتهم بُلدان
أخرى أحسنت استقبالهم وأجزلت لهم العطاء ..
الفقر الأن يُحاصر بعضاً من الذين استطاعوا مراوغته هُنا والهروب منه
من قبل ، توقفت عجلة الانتاج فى دولة تتوافر فيها كل مُعيناته ، دولة
مكتملة الأركان فيها ما يكفٮي أهلها ويُفيض إن استطعنا وضع الرجُل
المُناسب فى مكانه التى تُناسبه بعيداً عن الولاءات والعلاقات الشخصية
والترضيات الحزبية والقبلية..
نمرق نمش وين ياعمك ومن يحتمل من ضاقت به أرضه ..؟
ونزيدك كمان يا عمك..
الدولار في صعوده لا يُبالي ولم يُعير توقيعاتنا على خُرط الطريق هذه
إلتفاتة لم يرحم ضعفنا وضائقتنا والخريف يُحاصرنا وأمراضه تتأهب
للقضاء على مُدخراتنا إن كان هُناك من مُدخر..
ولله هو المُستعان..