مزمل ابو القاسم

نكاح المُكره


* ما الجديد في ما يحدث بأديس أبابا هذه الأيام بخلاف التوقيع على خارطة الطريق؟
* تفاءل كثيرون بتلك الخارطة، واعتبروا توقيعها فتحاً يستوجب تهنئة السودانيين عليه، وبارقة أمل يمكن أن تؤدي إلى إبرام تسوية شاملة واتفاق دائم، يوقف الحرب، وينهي معاناة المكتوين بنيران الصراع الذي أهلك الحرث وقضى على النسل في المنطقتين ودارفور.
* ولكن.. ما أن ابتعدت الجهات التي ضغطت على الطرفين للتوقيع حتى عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه، وبدأت المماحكات والمكايدات السياسية، وتكتيكات التفاوض، والتراشق اللفظي، داخل وخارج القاعات.
* عدنا إلى ذات ما ظل يحدث في جولات التفاوض العديدة التي جرت بين الحكومة والحركة الشعبية في أديس.
* لا جديد يذكر ولا قديم يعاد حتى اللحظة.
* بعد ساعات من لحظة بداية التفاوض أصدرت الحركة الشعبية بياناً اتهمت فيه وفد الحكومة بالانسحاب من المفاوضات، والتراجع عما تم الاتفاق عليه سابقاً، وسرعان ما جاء الرد بلسان حسن حامد المتحدث باسم الوفد الحكومي نافياً ما ذكره مبارك أردول.
* لا جديد في تلك النقطة، لأنها حدثت من قبل عشرات المرات باتهامات متبادلة بين الطرفين في كل جولة.
* حتى على المسار الإنساني (غلوطية الدجاجة أولاً أم البيضة) مستمرة!
* هل يتم نقل المساعدات عبر الأراضي السودانية كما تصر الحكومة، أم تنقل عبر ممرات عبر حدود الدول المجاورة كما تطالب الحركة الشعبية؟
* ما الجديد في ذلك أيضاً؟
* ظلت تلك النقطة مثار خلاف تكرر في كل جولات التفاوض العديدة التي جرت في أديس، ولم يصل فيها الطرفان إلى شيء، على الرغم من أنهما وقعا حولها اتفاقاً إطارياً، رعته الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، ولم ير النور حتى اللحظة.
* المنطق نفسه يستخدم من الطرفين، بنفس المفردات وذات المبررات.. الحكومة ترى أن سيادتها لا تقبل الانتهاك، وأن الوضع في المنطقتين لم يبلغ درجة الأزمة، والحركة الشعبية تتمترس خلف موقفها القديم، وتطالب بفتح ممرات آمنة عبر حدود الدول المجاورة.
* الخلاف مشتجر حول مسارات التفاوض.. لأن الحكومة تصر على توقيع اتفاق دائم يوقف الحرب نهائياً، وتصر الحركة على وقف مؤقت للعدائيات.. الحكومة ترغب في أن يتزامن الاتفاق السياسي مع الترتيبات الأمنية، وترفض تكرار تجربة نيفاشا، والحركة تصر على أن تنال الترتيبات الأمنية أولوية، وترغب في المحافظة على جيشها وسلاحها إلى حين اكتمال الاتفاق السياسي.. ما الجديد في ذلك؟
* ما يحدث حالياً لا يبشر بخير، علماً أن الطرفين لم يدخلا بعد في تفاصيل أكثر تعقيداً، وملفات أشد وعورة.
* الخلاصة مفادها أن ترك المفاوضات لآلية أمبيكي لن يؤدي إلا لإعادة إنتاج العجلة، في ما يتعلق بمسار التفاوض الخاص بالمنطقتين على أقل تقدير.
* لو كانت الآلية الأفريقية قادرة على تحريك جمود المفاوضات، ومؤهلة لإحداث أي اختراق فيها لما بلغت الجولات التي أشرفت عليها أكثر من إحدى عشرة جولة سابقاً، ولما اضطر المبعوث الأمريكي وأطراف دولية أخرى إلى الضغط على الطرفين للتوقيع على خارطة الطريق بما يشبه (نكاح المُكره).
* ترك المفاوضات لآلية أمبيكي وحدها يعني الدخول إليها من باب الخروج.


تعليق واحد