مقالات متنوعة

شمائل النور : رتابة..!!


الصورة أصبحت شبه ثابتة، ومكررة، دعوات من الوساطة الأفريقية لمفاوضات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أطراف توافق وأخرى تتردد، ثم يهاجر الجميع إلى أديس أبابا، تبدأ المفاوضات، وفد ينسحب، الوساطة تعيد الوفد المنسحب إلى قاعة التفاوض، ثم تبدأ الاتهامات، الحكومة تتهم الوساطة بتبني أجندة الحركات المسلحة، الحركات المسلحة تتهم الوساطة بتبني أجندة الحكومة، الأطراف تسابق نفسها للإدلاء بالتصريحات التي تتهم الآخر بعدم الجدية، ثم تتعثر المفاوضات، ثم تتدخل الوساطة لإنقاذها وتبدأ الأخبار تحمل بشارات سارة، الطرفان على وشك توقيع اتفاق ثم تبدأ الأخبار تتحول إلى المسار الآخر، المفاوضات تتعثر، المفاوضات على وشك الانهيار، طرف يتهم آخر بتبديد الوقت والآخر يتهم، الطرفان يغادران؛ ثم تبدأ الردود العسكرية. هذا هو المشهد بات محفوظاً على نحو لا يسقط فيه حرفاً واحداً.

لم تعد المفاوضات مثيرة للاهتمام ولا متابعة أخبارها؛ لأن نهاياتها أصبحت معلومة للجميع؛ بل تفاصيلها ذاتها باتت محفوظة، والمهم في نهاية الأمر أن الوقت يضيع وتتضاعف معه تكلفة الحل، ولا أحد ممن نصّبوا أنفسهم مقررين لمصير الأوطان والشعوب؛ مهتماً إلا بالموعد القادم للمفاوضات…السؤال الأكثر إلحاحاً، هل من يفاوضون ويتفاوضون يعون حجم الأزمة الحقيقية التي تحيط بالبلاد، أم أن ما يشغلهم هو عدد الأهداف التي يحرزها كل طرف في مرمى الآخر.

التاريخ القريب والبعيد يحدثنا عن كلفة تبديد الوقت، على مدى السنوات الماضية القريبة لو عددنا الاتفاقيات التي تم توقيعها لاكتشفنا أنها في حد ذاتها تمثل أزمة، وهذا ليس لشيء سوى أن قادتنا السياسيين امتلكوا خبرة متراكمة في تبديد الوقت والرجوع كل مرة إلى نقطة البداية وأحياناً إلى ما قبل البداية.
متى يفيق من نصّبوا أنفسهم مقررين لمصير البلاد، متى يضعون في الاعتبار حجم الموت والتشريد والتضحيات الثقيلة التي يتكفل بدفعها من لم يختر الحرب، ولم يستفتوه، للأسف. على سبيل المثال، الآن المفاوضات تجري في أديس؛ بينما الآلاف تُشردهم السيول والفيضانات وتحصد منهم الأرواح.
رغم كل ذلك، لا تزال هناك فرصة لإنقاذ البلاد، لكن يبدو أن تضييعها يجري الآن، فلا تزال الأطراف المعنية تقف عند محطاتها التي اختارت أن لا تتحرك منها إلا باتجاه الخلف…وفوق ذلك يتحدثون عن أنهم الأشد حرصاً على الوصول إلى الحل، بينما الواقع ليس كذلك، ليت هؤلاء يخلعون منظار القيادة ويبدلونه بمنظار الشعب؛ الذي يرى الأشياء كما هي، مرة واحدة، مرة واحدة فقط ضعوا أنفسكم مكان الشعب الذي تتحدثون باسمه، وأعيدوا النظر.