جعفر عباس

المليونير قد يكون من البعير أو الحمير


طبعا كان هناك لصوص كثيرون في الاتحاد السوفييتي قبل تفككه، ولكنهم كانوا لصوصا «غلابة» ويسرقون بالآلاف أو –في غالب الأحوال– يضعون أيديهم على بعض أراضي الدولة أو مبانيها، وجاءت جمهورية روسيا الاتحادية محل الاتحاد السوفييتي، وصارت واحدة من أكبر قلاع الفساد في العالم، فالبلد الذي لم يكن فيه مليونير واحد قبل عام 1990 صار فيه اليوم مائة ألف مليونير (بالدولار الأمريكي وليس بالروبل الروسي)، وفي العاصمة الروسية موسكو وحدها يوجد 52 مليارديرا، ولا يوجد منطق على وجه الأرض يمكن أن يقنعني بأن التحول إلى اقتصاد السوق هو الذي أوجد هؤلاء المليارديرات، فليس من السهل أن يصبحوا مفرطي الثراء خلال فترة قصيرة إلا بنهب المال العام.
شهدت موسكو مؤخرا معرضا مخصصا للمليونيرات، وتبارى مستجدو النعمة والحرامية لشراء طائرات الهليكوبتر والخيول والزوارق الطوربيدية، وكان أقل المعروضات ثمنًا هناك، بانيو للاستحمام يتسع سبعة أشخاص بقيمة 40 ألف دولار (بانيو يتسع أكثر من شخص واحد لا يناسب إلا شغل الهشك بشك الذي يناسب الفيديو كليبات التي تنتجها الكلبات ومفردها كلبة)، وكان هناك جاكيت نسائي وآخر رجالي مصنوعان بالكامل من دولارات حقيقية، واشترى أحد مليونيرات روسيا قارورة ويسكي بخمسين (50) ألف دولار!! ولا شك في أن هذه الحكاية ستضعف موقف أنصار نظرية داروين التي تقول إن أصل الإنسان قرد، وأن دورة النشوء والارتقاء اكتملت Nula species nova وهو التعبير اللاتيني الذي يؤكد به أنصار داروين أنه لن تنشأ كائنات جديدة! هل يخامرك أدنى شك أن من اشترى زجاجة ويسكي واحدة بخمسين ألف دولار لا بد أن يكون وليد علاقة غير شرعية بين قرد وحمار؟
وكلما بدأت الترشيحات لجائزة نوبل في مختلف المجالات فإنني أعجب لماذا لا يتم ترشيحي لنيل الجائزة رغم أنه سبق لي أن أثبت خطأ نظرية داروين وقدمت الدليل على أن الإنسان قد يتحول إلى قرد، وليس العكس كما قال داروين.. وكل من تابع مسيرة المغني الأمريكي مايكل جاكسون يعرف كيف كان شابا أسود بأنف جعفري، ثم شيئا فشيئا صار «أبيض» واختفى أنفه الأفطس وحل محله منقار بومة، ولعل ما حرمني من جائزة نوبل هو قولي أن جاكسون هذا تجسيد حي على أن الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم قادر على أن يرده إلى أسفل سافلين.
قبل أيام دخل رجل حسن الهندام خمارة افيفا في كنسنتغون في لندن، وطلب 851 كأس كوكتيل (مركبة من عدة أنواع من الخمور)، ولم يشرب منها سوى نحو ثلاثة كؤوس، ووزع بقية الكؤوس على من كانوا حوله (من دون سابق معرفة بينهم)، وكانت هناك جرسونة حسناء تقوم على خدمته فقدم لها بقشيشا متواضعا: ثلاثة آلاف دولار بس!! ويقال إنه ارتكب تلك الحماقات لترك «انطباع حميد» في نفس الممثلة الحسناء جاسمين لينارد التي كانت في المطعم. وكانت فاتورته النهائية 45 ألف دولار. ويبدو أن الممثلة تلك عاقلة ومحترمة لأنها وصفته بالغباء والبلاهة.
عربي غبي عرض على ممثلة بريطانية نكرة من أصل هندي مليوني دولار نظير تناول العشاء معه؟ ورفضت الممثلة العرض. ومين يعرف كم كان سيعطيها لو رضيت أن تكون «التحلية» بعد العشاء! وأنت تقرأ عن هؤلاء الأغبياء قد تكون مشغولا بكيفية توفير ملابس عيد الأضحى للعيال، ولكنك ستدبر حالك وفي النهاية ستسعد بإنفاق ما تيسر، أضعاف سعادة أولئك السفهاء بإنفاق ملايينهم في ما لا نفع فيه.
أنا وأنت سعداء وأمامنا طبق فول وفلافل وحمص، والواحد منهم ينفق دخلي ودخلك في سنة كاملة على وجبة واحدة ومع هذا فهم تعساء وملايينهم لا تشتري السعادة والقناعة وغنى النفس. الله يسد نفوسهم كمان وكمان.