صلاح الدين عووضة

المصحة (نفر) !!!


*بدافع من الفضول وقفت أنظر إليه..

*كان مشغولاً بالنظر إلى عمارة أنيقة أمامه..

*عمارة (تحت التشطيب) كادت أن تلامس أقطار السماء..

*أو تلامس خيوط سحاب كان (تحت التجميع)..

*كل شيء فيه كان طبيعياً عدا نظراته..

*فالتجربة علمتني أن نظرات كهذه توحي باضطراب نفسي (تحت التكوين)..

*وصدق توقعي – بالفعل- حين صاح فجأة (أبوكِ بلد)..

*ثم أردفها بصيحة أشد (ما قادرين ناكل وناس تبني العمارات)..

*ثم ختمها بدندنة هي التي شككتني في سلامة عقله..

*أو في سلامته النفسية وهو الظن الأرجح..

*فغالب السودانيين الآن يرزحون تحت وطأة ضغوط معيشية شديدة..

*وهذه الضغوط تتمخض عنها ضغوط نفسية أشد..

*وبما أن عامة الناس لا يميزون بين المريضين فهم يقولون (مجنون)..

*ودلالة ذلك المقطع الغنائي الذي دندن به صاحبنا..

*فقد طفق يغني بصوت أجش (أنحنا هل جنينا أم عقولنا نصاح)..

*والمجنون لا يعي (مفارقات) ما يفعل..

*أما هو فقد انتبه إلى أنه يحادث نفسه بصوت مسموع..

*وربما شعر بشيء من الخجل- أيضاً- حين رآني أحدق فيه دهِشاً..

*وكثيرون أضحوا ذوي نفسيات في زماننا هذا..

*بل الغالبية العظمى من أفراد الشعب السوداني (الحتل)، وليس (البطل)..

*فقد (حتلوا) مقابل فئة قليلة (صعدت) إلى أعلى..

*وصعدت بصعودهم عمارات مثل التي كان يتأملها صاحب (أبوكِ بلد)..

*ولكن المصيبة أن يصير مثله أبناؤنا كذلك..

*وهذا ما قالته وزارة الصحة- بالخرطوم- في إفادة لها يوم الأول من أمس..

*قالت إن (27%) من الطلاب مضطربون نفسياً..

*طلاب العاصمة المثلثة فقط..

*وعلى قرائنا في الولايات الأخرى مراعاة فروق (الضغط)..

*ثم انتقلت الإفادة إلى كبار السن بالولاية..

*وأوضحت أن نحو (17) ألف منهم يترددون على العيادات النفسية..

*وحوالي (900) منهم يستقبلهم مشفى التيجاني الماحي..

*يستقبلهم – كل شهر- بعد أن (وصلوا الحد)..

*طيب كم واحد من هؤلاء كان يقف أمام عمارة جديدة ليصيح (أبوك بلد)؟..

*وكم واحد منهم كان يردد عبارة (ما قادرين نعيش)؟..

*وكم واحد منهم كان يترنم بمقطع (أنحنا هل جنينا أم عقولنا نصاح)؟..

*إنه ليس حقداً طبقياً بقدر ما هي (مفارقات معيشية)..

*مفارقات تولد ضغوطاً نفسية جبارة عنوانها (نجوع نحن ويشبعون)..

*لا يشبعون وحسب ، وإنما (يترفهون)..

*ويأبى ترفهم هذا إلا أن يطل برأسه عمارات (مستفزة)..

*وتطل برأسها – عما قريب- لافتات لابد منها..

*لافتات توضح مواقف مواصلات المشافي النفسية بالعاصمة..

*ثم نسمع صياح (التيجاني الماحي نفر!!!).