منى ابوزيد

صَه يا كنَار ..!


«السكوت هو خلاف منقول بوسائل أخرى» .. تشي جيفارا ..!
لا يُنسب إلى ساكتٍ قول، لكن السكوت في معرِض الحاجة إلى بيانٍ يُعتبر بياناً «، هي قاعدة فقهية شهيرة، درج الناس على الاحتكام إليها في معاملاتهم السياسية والاقتصادية، كما اعتادوا على استحضارها ـ أحياناً ـ في ردود أفعالهم الاجتماعية ..!
من أشهر الصور الشرعية ـ البائدة – التي يعوّل الناس فيها على تلك القاعدة، سكوت العروس (إصابتها بالخرس المفاجيء عند السؤال عن رأيها في اللحاق بركب المستورات المباركات)، وهي صورة فلكلورية مزّقتها عوامل الانفتاح الوجداني، والبسالة العاطفية، والجرأة اللفظية التي أصبحت ماركة مسجلة عند إناث هذا الزمان ..!
نستثني من ذلك بعض المشاهد المتشددة ـ المتأخرة عن ركب الحداثة ـ في الدراما المصرية، حيث ما يزال قبول العروس يأتينا متسربلاً بالصمت المتعمد (ترمش بارتباك في وجه محدثها ثم تشيح بحياء ديناصور منقرض) ..!
وللسكوت في معرض الحاجة إلى بيان، صور فقهية وقانونية خطيرة، فالسكوت في بعض الحوادث قد يأخذ صورة الاشتراك الجنائي، إذا اعتبر الكلام سبباً مانعاً أو معطلاً لوقوع الجريمة (والتستر على المجرمين الطلقاء إحدى صور سكوت في معرض الحاجة إلى افتضاح)، وقد يأخذ إطباق الشفتين عمداً عن الكلام إحدى صور التدليس، في حال سكوت البائع عن عيب أصيل في السلعة محل العقد ..!
والإمساك عن إحقاق الحق في معرض الحاجة إلى تمحيصه جنحة أخلاقية يشجبها الضمير والوجدان السليم، والسكوت في معرض «القطيعة» في غيبة صديق أو جار أو قريب هو عند أهل العلم صورة من صور التواطؤ مع «القاطع»، لذا فهو يأخذ حكم الجريمة التي يعاقب عليها «المقطوع فيه» الاثنين ـ غالباً ـ بسلاح المقاطعة ..!
أما سكوت الزوجات الطائعات المختارات عن نزوات الأزواج فيتكيء على فلسفة أنثوية عميقة، مفادها أن «طيارة العين» أو حتى تجاوزات الحواس الخمس المرتجلة هي ـ عند معظم النساء ـ من أوهى أنواع الخيانة، لانتفاء شرط الإصرار وغياب عامل الترصد، الذي يسبق طقوس «التدبيل» أي الزواج من أخرى، ولأنّ أغلب النزوات ينقصها الإصرار والترصد، تلوذ معظم الزوجات بالسكوت والغفران ..!
ومن عجبٍ أن السكوت الذي يكون علامة رضا قبل الزواج، يتحول في الغالب (بعد حلول الاعتياد ورفع الكلفة) إلى علامة كبيرة ـ وخطيرة ـ من علامات انعدام الرضا! .. فسكوت زوجتك المفاجئ عن طقوس الثرثرة المعتادة هو المعادل الموضوعي للسكون الذي يسبق العاصفة .. والعاصفة بطبيعة الحال هي غضبة أنثى سكتت فأوجزت، ثم تكلمت فأسهبت ..!
إذا وجدت نفسك في مواجهة مباشرة مع هذا النوع من السكوت، ثم هبت العاصفة إياها، فالأفضل أن تأخذ بأهم نصائح خبراء الكدر العاطفي والنكد الزواجي .. النصيحة تقول باختصار: صه يا كنار .. واسكت ساكت ..!