تحقيقات وتقارير

أسواق البيع المخفض.. من يضمن جودة السلع؟


ألقى عضو بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم بقنبلة موقوتة في وجه الجهاز التنفيذي لولاية الخرطوم حين أكد عدم ثقته في صلاحية وجودة السلع المعروضة بأسواق البيع المخفض ومراكزه، ولم يخفِ إعجابه بتجربة الاتحادات التعاونية التي وفقاً لقوله يفضلون شراء سلعهم منها كمجلس.. حديث عضو المجلس تدعمه اتهامات مواطنين وجهت لأسواق البيع المخفض وسلعها، فيما تبذل وزارة المالية بالولاية جهوداً خارقة لنفي تلك التهم تتحدى فيها كل الاتهامات وفي المقابل تدور لتصوب أسهم اتهامها نحو ما أطلقت عليه المعارضة الاقتصادية..
وهاجم رئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك حسين القوني مراكز البيع المخفض وقال إنها لم تحقق الغرض الذي أنشئت من أجله وذلك أن أسعار السلع فيها لا تختلف كثيراًعن السلع في السوق وفي المحالات التجارية والبقالات، كما أن السلع التي تعرض فيها تكون متدنية الجودة وأحياناً منتهية الصلاحية، واعتبر في حديثه لـ(آخر لحظة) أن إنشاء هذه الأسواق ليس شاملاَ لكل المناطق وليس عادلاً مع حرمان المناطق الطرفية والسكن الشعبي من هذه الأسواق التي ينبغي أن توجه إلى الفئات الضعيفة أصحاب الدخل المحدود، لافتاً إلى ضعف التفتيش والرقابة على الأسواق بشكل دوري للتأكد من صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات، موضحاً أن الجمعية سبق وأن أوصت بوضع ديباجة على السلع توضح الصلاحية والمكونات والسعر للسلع المعروضة.

ضعف الرقابة
عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم محمود داؤود يرى أنه يضمن أسعار وجودة السلع في الاتحادات التعاونية لأنه تدعمها قوانين وتحكمها ضوابط تمكن من محاسبتها. ويقول: (نحن كمجلس نضمن جودة السلع من الاتحادات التعاونية)، مدللاً بذلك اتجاه وزارة المالية لتنشيط الاتحادات التعاونية. ويبدي داؤود استغرابه من اختفاء كميات من السلع كانت من ضمن التدابير التي اتخذتها وزارة المالية وديوان الزكاة في رمضان الماضي، حيث دخلت أسواق البيع المخفض كميات قليلة من السلع وكان ذلك محل استغرابنا، ويبقى سؤالنا حول مصير الكميات المفقودة قائماً، وأقر بضعف الرقابة والتفتيش الدوري على أسواق البيع المخفض.

تحدي
تحدت وزارة المالية وشؤون المستهلك ولاية الخرطوم اتهام جمعية حماية المستهلك بأن سلع مراكز البيع المخفض معظمها متدنية الجودة وأحياناً فاسدة، وقال مديرأسواق البيع المخفض بالوزارة مجدي الأمين في تصريح لـ(آخر لحظة) إن جميع السلع بأسواق البيع المخفض جميعها مطابقة للمواصفات والاشتراطات الصحية والبيئية، موضحاً أنه حتى الآن لم يسجل بلاغاً أو ضبط سلعة منتهية الصلاحية، واتهم الأمين بعض تاجر السوق الأسود بإطلاق شائعات بأن أسواق البيع المخفض تبيع سلعاً فاسدة ومنتهية الصلاحية وغيرها من الأساليب، وقال إن هناك ما يسمى المعارضة الاقتصادية، مقراً بوجود مشكلة تواجه أسواق البيع المخفض وهي أنها محاربة من تجار السوق الأسود بجانب عدم تعاون المنتجين في حالة زيادة أسعار الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى اختفاء بعض السلع، وعدم وجود مبانٍ ثابتة يعرض الأسواق لأخطار بيئية وصحية. ويشير الأمين إلى أن أسواق البيع المخفض بلغ عددها (34) سوقاً في جميع محليات الولاية تعمل على تخفيف أعباء المعيشة ويتم البيع من المنتج إلى المستهلك والبيع داخل الأسواق بأقل من سلع السوق بنسبة تتراوح بين (20ـ25%)، وهنالك أسواق متحركة أسبوعية يومياً، ويتم توزيعها بكل عدالة على المراكز عبر قنوات رسمية، في كل محلية يوجد مديرسوق للبيع المخفض هنالك تعاون مع المحلية حتى تصل المواد استهلاكية إلى المواطن بكل سهولة ويسر، موضحاً أن مراكز البيع المخفض هي مسؤولية المحليات، مؤكداً خضوع كل العاملين فيها للفحص الطبي وأنهم يحملون كروتاً صحية، بالإضافة إلى فحص أماكن البيع من قبل ضباط الصحة بالمحليات، ويقول إن أسواق البيع المخفض نجحت بنسبة «200%».

تخوف
تخوف المواطن حامد حمدان من سكان الفتيحاب من دخول سلع فاسدة لهذه الأسواق مع غياب الرقابة الواضح عليها ويقول لقد تم افتتاح مركز لتوزيع السلع التموينية بتلك المنطقة لكن لم يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها، ودائماً المركز مغلق ولم يستفد منه المواطن، وطالب حمدان في حديثه للصحيفة الحكومة بالمزيد من المراكز المخفضة لمحاربة تجار السوق الأسود، مناشداً الجهات الرسمية بوضع سياسة للبيع في تلك المراكز تحوطاً من تفشي بعض الممارسات التي تزيد من جشع التجار.
ويبدي تاجر فضّل حجب اسمه بسوق (أبوحمامة)، حيرته من ركود السوق، وقال إن الزيادة التي اجتاحت السلع سوف تؤثر سلباً على عمليتي العرض والطلب، وأضاف: (لدينا التزامات كثيرة مثل الرسوم الدراسية، مصروفات الأسرة بجانب ضعف القوة الشرائية )، ويشير إلى مساعدة السلطات لبعض التجار في شراء السلع الاستهلاكية والتي ارتفعت من تجار آخرين وتمويل مراكز البيع المخفض بأسعار زهيدة ولا يخفي تشكيكه في وجود مضاربات تتم في هذه العملية، ما يؤدي إلى خسارة صغار التجار (مثلي لا ذنب لهم في هذه المضاربات)، موضحاً وفقاً لملاحظاته من خلال وجوده داخل السوق، أن أسعار السلع بمراكز البيع المخفض لا تختلف كثيراً عن السوق، إلا أنه أعرب عن أمنيته أن تساهم هذه المراكز فى مساعدة المواطن البسيط وأن يدوم استمرارها.
ويقول وكيل الشركة الكويتية للدواجن بسوق (أبوجنزير)، تم تحديد سعر الربح بواحد جنيه على الكيلو الواحد من قبل آلية تخفيف أعباء المعيشة، مشيراً إلى أن تذبذباً في الأسعار أوقف العمل في السوق مما أدى إلى شح في كميات الدواجن المحددة للسوق، وأبدى الوكيل استياءه من ضعف الأرباح وأنها لا تكفي نثريات العمل ومنصرفات الأسرة والمستلزمات الأخرى، ويمضي بقوله: (نحن في خدمة المواطنين رغم قلة الأرباح).
فيما ترى السيدة الثلاثينية وأم لثلاث أطفال هادية حسن، أن فكرة مراكز البيع المخفض ممتازة ولكن هنالك قصوراً في المتابعة، لأن أغلبية هذه المراكز تعاني من ضعف الرقابة بجانب عدم تناسب الحصص من المواد الاستهلاكية مع الكثافة السكانية بمناطق توزيعها، ولا بد من وجود سقف إستراتيجي للسلع الاستهلاكية والضرورية، ومضت هادية قائلة: هنالك قصور في بعض المراكز حيث يتم تسريب بعض السلع من المراكز إلى تجار السوق الأسود.

جرورة
ويرى التاجر دفع الله المريود أن الأهداف الأساسية لمراكزالبيع المخفض هو تقديم خدمة إلى المواطنين أصحاب الدخل المحدود، هي تكافل وتراحم بين الناس وتم تحديد سعر لبعض السلع بربح واحد جنيه على كل سلعة، لافتاً إلى فتح حساب لأصحاب الدخل المحدود من الموظفين ما يطلق عليه بـ(الجرورة)، إلى حين صرف المرتبات، منوهاً إلى أن خدمات الكهرباء والمياه داخل الأسواق مجانية، بالإضافة إلى النظافة، بجانب عدم تحمل السوق لأي ضرائب ورسوم وجبايات بمختلف أنواعها.
ويروي التاجر توفيق إبراهيم (أم درمان)، قصته ويقول: (دخلت أسواق البيع المخفض ليس لديّ رأس مال ولكن السوق وفر لنا العيش الكريم، ونحن أفضل من الباعة المتجولين وهنا يوجد استقرار تجاري ونفسي ملموس رغم الرقابة على السوق، هذا ما يميزناعن غيرنا من التجار).

ضياع زمن
قال الخبير الاقتصادي بروفيسور الكندي يوسف إن مراكز البيع المخفض واحدة من المحاولات التي تبذلها وزارة المالية وشؤون المستهلك ولاية الخرطوم لتخفيف العبء على المواطنين بينما يرى محدودية إثرها على اعتبار أنها تعمل في مجال السلع الضروية مقابل ارتفاع أسعار الخدمات الأخرى مثل مواد البناء وغيرها، فضلاً عن أن المراكز ليست وحدات إنتاجية فقط، هي آلية توزيع ويتم شراء السلع من بعض المستوردين والوسطاء، ويرى الكندي أن مراكز البيع المخفض تتعارض مع سياسات التحرير الاقتصادي التي أقرتها الدولة منذ (1993)م وعلى الحكومة الخروج من السوق بنسبة (80%)وترك السوق للقطاع الخاص وتتدخل الدولة تدخلاً غير مباشر في السوق.
ويتفق الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي مع الكندي فيما رمى إليه، ويضيف هنالك بعض الجهود المبذولة من قبل الجهات المنظمة ولكن لم تحقق الهدف المطلوب ولن يحقق أي هدف في المستقبل، وأضاف في تقديري هو (ضياع زمن)، لأن السلطات لا تعالج المشكلة من مصادر أو جذورها، واعتبر هذه معالجات قشرية فقط .
وشبه الرمادي مشكلة مراكز البيع المخفض (بجمع الماء من الأرض المسطحة وترك المنبع)، وأضاف تكمن المشكلة في قنوات التوزيع التي أهملتها الجهات الرسمية وغيابها من الساحة الاقتصادية غياباً تاماً، فبرزت في الساحة عصابات المافيا المنظمة وهي السبب الرئيسي في غلاء أسعار الفواكه والخضروات والمواد الغذائية الضرورية، واتهم الرمادي جهة لم يسمها، بالسيطرة على الأسواق.

تحقيق: عماد حسن
صحيفة آخر لحظة