عمر الشريف

الطفل الذى ولد قبل موعده


نال السودان إستقلالة قبل بعض الدول العربية والإفريقية ومر الآن على الإستقلال ستون عاما كانت حافلة بالانجازات العلمية والصحية والإقتصادية والسلمية والسياسية والمحافظة على البنية التى تركها الإستعمار حتى عهد قريب . لكن المتابع للوضع السودانى اليوم يتمنى عهد الإستعمار للأسباب كثيرة ومنها خاصة العدالة والتنمية والصحة والتعليم .

يعتبر السودان الطفل الذى ولد قبل موعده وذلك بنيل إستقلاله قبل إكتمال بنيته التحتية وحيث لم يحافظ على ما تركه له الإستعمار من بنيات تحتية وإقتصاد متين وإرث تعليمى وصحى متطور. الناظر اليوم الى الدول التى نالت استقلالها بعد السودان تطورت ما تركه لها الإستعمار وأضافت عليه الكثير. يعانى السودان اليوم من إقتصاد منهار وفوضى أمنية فى كثير من حدوده الدولية وفساد مدعوم وحصار دولى وإنهيار العملة وتدنى فى خدمات الصحة والتعليم وغلاء وندره فى السلع والدواء وضائقة معيشية وهجرة جماعية وأحزاب وحركات مسلحة من غير هدف وحكومات محلية ووظائف حكومية كثيرة من غير إنتاج وتطوير.

يعانى السودان من التهريب والنازحين والمغتربين من الدول الأخرى حيث تزداد الأعداد بكثرة رغم تلك الظروف الصعبة التى يعانى منها المواطن ليتحمل السودان أعباء خارجية وأعداد هائلة من دول الجوار . أعداد الجنوبين التى إختارت الإنفصال تعود اليوم بنفس المستوى السابق وأكثر وتزدحم المدن التى تفقد مقومات الحياة اليومية لمواطنيها ولم يقدم العالم أى مساعدة لهؤلاء أو إعفاء ديون السودان أو فك الحظر عنه حتى يتعافى ويساعد جيرانه . كذلك التدفق الأثيوبى الآن لا يقل عن تدفق الجنوب وفوق ذلك الأرتيرى والتشادى بحجة التصاهر والتواصل والجيرة وهناك هجرة جديدة مع تدفق البترول الذى لم نذوق طعمه ولا جزء من قيمته نجد بعض الشعوب من مصر وبنجلاديش والهند بحجة العمل ثم الشعب السورى لظروف الربيع العربى المزيف .

السودان الذى لم يستطيع أن يحافظ على مكانة عملته ولا عن البنيات التى تركها له الإستعمار مثل مشروع الجزيرة و خزان سنار و كبرى أم درمان والسكك الحديدية وبعض المستشفيات التى مازالت تقاوم العوامل البشرية والطبيعية وغيرها من المبانى والمؤسسات والكبارى التى كانت لها قيمة إقتصادية وتنموية طوال الستين عاما ، فكيف يستطيع أن يكافح الباعوض الذى قضى على الكثيرون وهو لا يستطيع أن يحل مشكلة السيول والأمطار فى زمن الخريف طوال هذه المدة . إذا كيف له أن يتحمل هذه الأعداد التى تهاجر له وشعبه يهاجر الى دول أخرى . الدول التى نالت إستقلالها بعد السودان وشعوبها اليوم تتدفق علينا إذا نظرنا الى عواصمها نجدها أفضل من عاصمتنا من ناحية النظافة والتخطيط والبناء وتوفر الخدمات وكذلك طرقها القومية الواسعة . بينما نحن نحتفل بإفتتاح كبرى صغير أو مدرسة تفتقد الأثاث وأجهزة المعامل والكتب والمعلمين .

كل يرجع ذلك الى الحظر وإرتفاع الدولار وينسى الأسباب الرئيسية وهى إهمال التنمية والتعليم والصحة وعدم تشجيع المواطن للإنتاج وزيادة الصادرات ومحاربة الفساد وإحتكار السلطة وعدم الوطنية الفوضى السياسية بكثرة الاحزاب والحركات والمناصب . ليس بضخ الأموال من بعض الدول أياما ليهبط سعر الدولار ويعود مرة أخرى ولا بالسجن والإعدام ولا المؤتمرات التصالحيه والترضية مع الأحزاب والحركات تحل مشكلة الدولار ومشكلة السودان فقط بالعدالة والتنمية ومحاربة الفساد وإهتمام بالتعليم والصحة والصادر .