الصادق الرزيقي

سوق المزايدات..


ما من خطل وخبال تتصف به الحركة الشعبية قطاع الشمال أكبر من إصرارها على مواقفها في مسألة المساعدات الإنسانية. فبعد أن تسببت في عرقلة المفاوضات وفشل الجولة السابقة في تحقيق النتائج المرجوة برغم التوقيع على خارطة الطريق، فها هي اليوم تريد التمسك بأية قشة تنقذها من المأزق السياسي الذي هي فيه لتجنب الضغوط والانكشاف أمام الرأي العام في قضية مرور المساعدات الإنسانية، فمن بين كل الأفكار المطروحة في الساحة التفاوضية والجولات التي يقوم بها المبعوث الأمريكي دونالد بوث هذه الأيام، ومجهودات الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة ثامبو أمبيكي، لتقريب وجهات النظر وإيجاد حل للنقطة العالقة في التفاوض، تصدر تصريحات من رئيس وفد الحركة يرحب فيها بمقترحات قدمها ناشط سوداني ظن في نفسه أنه يملك الحل في مسألة عبور المساعدات عبر مدينة أصوصا الإثيوبية، وهل فات الحركة ولا الأخ الدكتور فتح الرحمن القاضي أن مثل هذه الأفكار طُرحت ونوقشت ولم تفضِ نقاشاتها إلى نتيجة حاسمة.. فالحكومة لديها موقف واضح من مرور ودخول المساعدات الإنسانية عبر أية دولة خارجية سواء أكانت دولة صديقة أم شقيقة، وموقف الخرطوم يتسق مع المعايير الدولية والنظم والبنود التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن عبور المساعدات الإنسانية التي يجب أن تراعي سيادة الدولة المعنية وموافقتها ولها الحق في رفض الكيفية التي تدخل بها المساعدات، فالقضية لدى الحكومة قبل أن تكون هناك ضوابط في أصوصا أو فرق تفتيش من الأمن والجمارك والمواصفات والمقاييس السودانية، هو موقف مبدئي وواضح فلا يعقل أن تمر إغاثة لمواطنين سودانيين من دولة أجنبية دون أن تكون حكومة السودان مطلعة عليها وموافقة على نوعيتها وعلى ما في الشحنات المرسلة، فهذه مسؤولية الدولة قبل أن تكون مسؤولية أية جهة أخرى. > الأمر الثاني إن السودان لا يمكن أن يُلدغ من حجر مرتين، فعندما وافقت الحكومة الحزبية في النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي على عملية (شريان الحياة) لإيصال الإغاثة للمتضررين من الحرب في جنوب السودان، استغلت المنظمات ومنها وكالات الأمم المتحدة تلك العملية لمد الحركة الشعبية والجيش الشعبي باحتياجاته من مستلزمات الحرب وذخائر السلاح وأجهزة الاتصالات المتطورة وأدوات الرصد والتوجيه وغيرها من المواد التشوينية للجيش الشعبي، وباعتراف قرنق نفسه في وقت سابق قبيل توقيع اتفاقية نيفاشا، أن عملية شريان الحياة أنقذت الحركة الشعبية من موت محتوم، فقد كانت الحركة تلفظ أنفاسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي ولم تعد الروح الى جسدها المنهك يومئذ، إلا عبر عملية شريان الحياة. > فهل ستكرر حكومة السودان ذات الخطأ الفادح الذي دفعت البلاد ثمنه الباهظ وتدفعه حتى اليوم، أم تتخذ كل ما يلزم من احتياطات وتدابير لمنع استنساخ شريان الحياة واستغلال مرور المساعدات الإنسانية من نقاط خارجية لدعم وتمويل وتسليح وتشوين قطاع الشمال في الحركة الشعبية؟. > تلك لعبة قد انتهت ولا مجال للعبث مرة أخرى، فما يُدفع من مقترحات من أفراد أو مجموعات أو جهات مستقلة أو غير رسمية، يجب التعامل معه بحذر بالغ وتدقيق في أغراضه وما وراءه، وقد لا يكون الدكتور فتح الرحمن القاضي يعلم أنه إذا قبلت الحكومة بانتهاك سيادتها ووافقت على مرور الإغاثة وفق التصورات التي اقترحها ووافقت عليها الحركة، فإن تجاوزاً خطيراً آخر يحدث الآن ستتم شرعنته، وهو تجارة الذهب ومعادن أخرى مهمة مستخرجة بواسطة التعدين التقليدي في مناطق جنوب كردفان سيتم نقلها إلى الخارج مباشرة عبر الطائرات التي تحمل الإغاثة إلى مناطق الحركة الشعبية..؟ وقد يعلم الدكتور القاضي أن مسألة إشراف الحركة على توزيع الإغاثة في حد ذاته يمثل تجاوزاً غير مقبول مهما كانت المبررات ويقتضي ألا يتم تشجيع الحركة الشعبية قطاع الشمال على تمرير أجندتها التي تنتقص من سيادة البلاد وتشجع على خلق سيادة للحركة الشعبية على أراضٍ ومناطق تتبع للدولة السودانية وتحت حرزها.

الانتباهة