حوارات ولقاءات

د. عائشة الغبشاوي (2- 2) : بعض المسؤولين تحوّلوا من خدمة الشعب إلى منافعهم الذاتية


بعض المسؤولين تحوّلوا من خدمة الشعب إلى منافعهم الذاتية
الحوار وإصلاح الحزب والدولة مولود شرعي لمذكرة غازي

بعض قادة “الوطني” لا يعترفون بالأخطاء ويعتبرون كشفها إحباطاً للهمم
لا نقول المشروع الاسلامي فشل ولكن

أنا ضد أن يكون الإنسان ناقماً على أي جماعة وهذا ليس من الدين

دعت القيادية الإسلامية البارزة والنائبة البرلمانية عن المؤتمر الوطني د. عائشة الغبشاوي، إلى إعادة إحياء وتنشيط القيم الإسلامية في الحكم، بإعلاء الشورى والحرية والمساواة ورفع راية العدل والظلم عن الناس، ورأت أن الشعب السوداني ما يزال مستعداً لقبول تجربة الحكم الإسلامي إذا شعر بتفاني وإخلاص القادة في العمل للمصلحة العامة.

وقالت الغبشاوي في حلقة ثانية من مقابلة مع (الصيحة) إن بعض “جينات الشيطان” تسللت إلى تجربة حكم الحركة الإسلامية، وإن بعض المسؤولين حولوا الملك من خدمة الشعب إلى منفعتهم الشخصية، وأعربت عن أمانيها بأن تقود مخرجات الحوار الوطني إلى وحدة صف الإسلاميين من جديد.

وعبرت الغبشاوي عن استيائها من سياسة الشراكات مع الأحزاب التي ينتهجها الوطني، وقالت: “مشروع الحركة الإسلامية لا يؤمن به إلا أبناؤها لأنه منوط بهم رفع شعاراتها وإنزالها إلى حيز التنفيذ، أما الآخرون فلهم مآربهم وطموحاتهم والأسباب التي تجعلهم يلتحقون بهذه المشاركة”.

وانتقدت الغبشاوي، انشقاق الأحزاب السياسية، وقالت إن الانشقاقات تحدث لمآرب شخصية. وقالت: “حزب الأمة انقسم إلى خمسة أحزاب والاتحادي أيضاً ما يعني أن من يقومون بالانشقاقات يقدمون المصلحة الخاصة على العامة وإلا لما خرجوا من كيانهم الأصلي”، لكنها استبعدت الإسلاميين من هذا الرأي، وقالت إنها تجد العذر لخروج مجموعة القيادي الإسلامي الدكتور غازي صلاح الدين وتأسيسه “حركة الإصلاح الآن”، وأضافت أن الحوار وإصلاح الحزب والدولة كانت جميعها مولوداً شرعياً للمذكرة التي تقدم بها غازي للمؤتمر الوطني قبيل خروجه منه.

ـ هل صحيح أن الإصلاح خلق خلافات داخل الحزب؟
شوف.. دي شهادة لله والتاريخ والحقيقة، عندما كنت عضواً بالمكتب القيادي، كان المكتب يحلل الوضع الذي عليه البلد، ويضع الحلول المناسبة له وقد تحدث بعض الاختلافات في وجهات النظر والبعض كان لا يقبل إطلاقاً توضيح الأخطاء والحديث عن السلبيات ويعتبره نوعاً من الأحباط.. أذكر أن أحد الإخوة في مركز قيادي بالوطني تحدثنا عن بعض الأشياء وقال :”دا حديث محبط ولو انتي حاسة أن هذا الوضع لا يناسبك بهذه الصورة تفضلي أمشي”.

أعتقد أن مذكرة الأخ غازي صلاح الدين والأشخاص الذين وقعوها معه كانت هي خميرة الإصلاح، وقبل ذلك لم تكن هناك مناداة بالإصلاح إطلاقاً، ولم تكن نبرات الإصلاح بهذه الصورة.. أفتكر أن كل الذي حدث بعد المذكرة من حوار ورفع راية الإصلاح في الحزب والدولة كان مولوداً شرعياً للمذكرة التي كانت ضافية واحتوت الكثير من الآراء والأفكار التي من خلالها يمكن أن ينصلح حال الحكومة والمجتمع.

ـ هل يمكن أن نقول إنك ناقمة على المؤتمر الوطني؟
أنا ضد أن يكون الإنسان ناقماً على أي جماعة، وهذا ليس من الدين، وأمراض القلوب هذه أوضحها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين وشرح كيفية التخلص منها, أنا لا أحمل حقداً على أحد ولست ناقمةً على أحد.. ولكن ما يغضبني هو أننا نتحدث باسم الإسلام ولكن أفعالنا بعيدة كل البعد عن حديثنا.. ممارساتنا وسياساتنا تحزنني جداً.. وأتمنى أن يكون القول كالفعل، وأن ينعم الشعب بقواعد الإسلام من شورى وشفافية وحرية ومساواة وعدل ورفع للظلم، وأن نرى أمراض القلوب والمحسوبية والرشوة والجهوية تُقبَر في قبر واحد.

ـ ما حقيقة أن الخلافات تعصف بحزبكم؟
لا أرى إلا ما تنقله الصحف، في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة.. لكن هنا في العاصمة لا أعتقد بوجود خلاف واضح بين قادة المؤتمر الوطني.

ـ كيف تنظرين للخارجين عن حزبكم وفيهم شخصيات ذات وزن سياسي كبير؟
بالنسبة للقيادات التي خرجت.. فقد كانت الأهداف واحدة والهدف الأسمى في تقديري هو خدمة السودان وتنقية السياسة من الشوائب والأمراض التي أقعدت البلاد.. ولابد كذلك من المراجعة.. المؤتمر الوطني يجب أن يمد يده بيضاء لكل هؤلاء القيادات التي خرجت لأنه يعلم أنهم المخلصون وأنهم المكتوون بالنار والذين يريدون الخير لهذا البلد والإسلام، وأنا آمل في نهاية الحوار الوطني ومخرجاته أن يلتئم الشمل.. والدعوة مفتوحة.

ـ لكن هناك مآخذ على التجربة القديمة نفسها قبل هذه الانقسامات؟
التجربة في بداية الأمر كانت راشدة.. كان هناك التزام بالمبادئ والقيم وحظ النفس كان ضعيفاً.. لكن للأسف بعض جينات الشيطان الذي أُخرج بها أبونا آدم من الجنة تسللت.. وذلك جزء من الارتباط بهذه الحياة، “الملك الذي لا يبلى جارٍ في دم الناس”، وقد تحول الملك عند بعضهم من خدمة شعبية إلى منفعة ذاتية، وأصبح بدل خدمة الشعب أصبحت الحكاية بالعكس، وهناك انحراف كثير.

ـ ألم تضعف تجربة المشروع الإسلامي بخروج العديد من المؤثرين؟
الإسلام لم تضعف شوكته إلا بعد ظهور الأحزاب بعد موقعة صفين سنة 40 هـ وانتحى سيدنا (علي بن أبي طالب) بجانب، وسيدنا (معاوية بن أبي سفيان)، وظهر الخوارج والمعتزلة وأهل السنة والجماعة.. كل هذا أضعف جسد الأمة الإسلامية، لذلك كثرة الأحزاب ليس مبشرة، وإنما هي طامة كبرى، ونحن في حاجة ماسة إلى جمعهم في بوتقة واحدة خاصة وأننا نشهد كلنا: أن لا إله إلا الله، وجميعنا مؤمنون بمبادئ الإسلام.. وبالنسبة لغيرنا من المسيحيين وغيرهم ننفذ فيهم ما قام به الرسول في دولة المدينة حيث كان أول دستور عالمي، وقال لهم قوله المشور” لهم مالنا وعليهم ما علينا” لذلك كلنا أمام القانون سواسية المسلم والمسيحي والقبطي والوثني.. وأظن أن التعايش ممكن خاصة أنه تجمعنا العديد من الأواصر .. وليكن شعارنا السودان أولاً.

ـ من سيُنفذ هذا المشروع الإسلامي الذي تتحدثين عنه؟
مشروع الحركة الإسلامية لا يؤمن به إلا أبناؤها وهؤلاء هم المنوط بهم حمل هذه المسؤولية ويرفعون الشعارات وينزلونها حيز الواقع، أما الآخرون هؤلاء فلهم مآربهم وطموحاتهم والأسباب التي تجعلهم يلتحقون بالحكومة.. أفتكر أن الذي ينشطر عن حزبه مثلاً (الأمة انقسم إلى خمسة والاتحادي أيضاً)..هذا يعني أنهم يقدمون المصلحة الخاصة وإلا لما خرجوا من كيانهم الأصلي.. رغم ذلك أجد العذر لغازي صلاح الدين والذين خرجوا من الوطني.

ـ ألا يساعد الكيان الحزبي (المؤتمر الوطني) في هذا المشروع؟
المؤتمر الوطني أصبح حزباً ووعاءً جامعاً شاملاً (ماعون كبير) ممكن يجمع كل الناس.. أتمنى أن يستطيع تنزيلها لهؤلاء الملتفين حوله.. صراحة مسألة التربية السياسية الأخلاقية مهمة.. والوطني كونه يرفع المبادئ يجب أن يقف بشدة وبقوة ضد الفساد والمحسوبية والجهوية والقبلية وضد الأشياء التي أقعدت البلد.. فهذه أوجب واجباته.. مشكلتنا أننا نفصل في الدين مفاصلة كبيرة، حيث نتصور أن الدين هو فقط الأركان الخمسة ولا نلتفت إلى سلوكنا ولا نعتقده نوعاً من الدين، في حين أن الدين دقيق جداً.. والله سيسألنا عن كل كبيرة وصغيرة حدثت بالبلد.. والآن انتشر مرض عدم مخافة الله في كافة البلد ولو وضعنا هذه القيم نصب أعيننا لانتفت السلبيات كافة.

ـ ثم ماذا؟
لقد خبا ضوء هذه المبادئ السامية وهذا أدى إلى الفشل، ولكن الآن يجب أن نلملم أطرافنا ونتواثق على ضرورة إحياء القيم الإسلامية في الحكم مرة أخرى.. الشعب مستعد متى ما شعر بالإخلاص وبالتفاني وشعر بأن القادة يعملون لمصلحته سيحدث الخير، لأن به كوامن الخير، فقط نحتاج إلى أن تُبعث وتقوى من جديد.. ولننظر إلى تجربة شبابنا في شارع الحوادث، فهي أعظم تجربة يمكن أن تكون مقياساً نفسياً واجتماعياً لمدى تفاعل الشعب هذا مع أي مجموعة جادة.. والسودان بخير وربنا يصلح المسيرة ويقوّم مسارها لنرى السودان في أفضل الأوضاع.

ـ إذن أنتِ ممن يعتقدون بعدم فشل تجربة حكم الإسلاميين في السودان؟
دعني أقول لك: لو أن هنالك مهندساً أخطأ في تقديرات إنشاء عمارة وسقطت فهل نحكم على كافة المهندسين بالفشل؟ التعميم ليس بالحكم العلمي.. نعم حدثت بعض الإخفاقات إذا انتُبه لها, وطريق الإصلاح لايزال، والأمل موجود فقط يحتاج تعبيداً وتعضيداً من القائمين على الأمر.

ـ بعد كل هذه التجربة؛ ألا يمكن القول بأن الحركة الإسلامية فشلت في إقامة حكم راشد؟
لا نقول كل المشروع الإسلامي فشل، ولكي يكون الحكم عادلاً لابد أن تكون هناك موازنة بين الإيجابيات والسلبيات.. لقد كانت هناك خطوات إيجابية في الفترات الطيبة من عمر الإنقاذ، لكن لا شك حدث انحراف في المسيرة .. ولا ننسى كذلك هذا الشعب قد ابتُلي بحروب كداحس والغبراء والحروب تنهش جسد البلد من كل جانب، وهذه معوقات.. المشروع الإسلامي كان من الممكن أن يكون رائداً ونموذجاً يحتذى به في كل العالم، لكن التقاعس عن إعلاء المبادئ الإسلامية من حيث الشورى والحرية العدل والمساواة التي أرسى قواعدها الإسلام السياسي.

ـ هل ما تزالين تثقين في إمكانية الإصلاح؟
أشعر بصدق دعاة الإصلاح والمنتقدين.. فهم حادبون على المسيرة، وينطبق فيهم المثل (أسمع كلام من يبكِّيك ولا تسمع كلام من يضحِّكَك)، أتمنى من القائمين على الأمر أن يستمعوا بأذُنٍ صاغية لهؤلاء المنتقدين والمحللين، وأن يأخذوا حديث الصحف التي تنشر بعض المفاسد بالوثائق مأخذ الجد.

ـ من هو خليفة البشير؟
لا أعلم الغيب. لكني إقول اللهم ولِّ من يصلح.

ـ ما المتوقع من مسيرة الحوار الوطني؟
أن تكون الحلقة الأخيرة من حلقات الحوار الوطني هي الحلقة القوية، وأدعو المتحاورين كافة أن يقدموا التنازلات . وأن تكون جميع القوى السياسية همها السودان وإنقاذ كامل السودان، واستتباب الأمن والسلم والاقتصاد والسياسة وأن يتواثقوا على أن السودان أولاً وثانياً وأخيراً.. فلو قدمنا العام على الخاص سنجد أننا في الطريق الصحيح.

ـ إذن ترين ضوءاً في آخر النفق؟
وحدة الصف هي مخرج السودان. كفانا تنافراً وتناحراً .. جينات التقارب قوية جداً في السودانيين وعلى قادة الأحزاب أن يأخذوا بها ويطوروها ويخرجوها للوجود.

ـ كيف سيتم ذلك؟
بتقارب وجهات النظر وعدم الإصرار على الآراء المخالفه بقدر الإمكان حتى بيننا وبين الحركة الشعبية نفسها. وأحسب أن الجميع يدرك أن السودان على حافة الانهيار، وأن السودان الآن في موقف أن يكون أو لا يكون.

الخرطوم: ناجي الكرشابي
صحيفة الصيحة