عالمية

كشف تفاصيل مثيرة عن “أمهات الموت”


تبنت التنظيمات المتطرفة استراتيجية توصف بأنها “إرهاب عائلي” تبنتها “القاعدة” وبرع بها تنظيم “داعش” بين أوساط خلاياه سواء أكان لغرض التجنيد، أو بهدف التصفية الداخلية لأفراد في إطار الأسرة، إلا أن اللافت في ذلك أن يكن “أمهات” بصفة “انتحاريات”، يتولين تجنيد وتحفيز أبنائهن على ارتداء الأحزمة الناسفة.
فبعد أن أعلنت أجهزة الأمن الكويتية عن اعتقال الداعشية الكويتية السبعينية حصة عبد الله محمد لتجنيدها أبناءها للقتال في صفوف داعش، بعد انضمامها إلى التنظيم في سوريا، وبتحريض منها دفعت الأم بابنها الأصغر (25 عاماً) أولاً إلى صفوف التنظيم حتى قتل في إحدى المعارك في العراق، لتبادر بحث ابنها الآخر على قطع بعثته في بريطانيا للتوجه برفقتها إلى مدينة الرقة السورية.
وكشفت الداخلية السعودية مؤخراً عن سيناريو مشابه لأم داعشية سعودية، خلود الركيبي، والتي بادرت عقب إعلانها عن تأييد “داعش” إلى تجهيز ابنيها لتنفيذ عملية انتحارية والمشاركة في نقل المتفجرات بمشاركة شقيق لها. وقبضت عليهم جميعا أجهزة الأمن السعودية بعد إحباط مخططاتهم ضمن شبكة إرهابية مكونة من 17 شخصا.ً
استغلال العاطفة
تكمن خطورة “الخلية العائلية” في قوة الرابطة العاطفية من جهة القرابة، ومن جانب آخر فيما توفّره من مرونة انتقال العقائد الإيديولوجية، لتمنح الخلية العائلية وسط ذلك المزيد من السرية والثقة والتمويه، ومضاعفة كوادر عائلية تفرخ لاحقاً مجندين جدداً من خارج دائرة الأسرة.
دور “أمهات الموت” في عملية التجنيد تتنقل بين مسارات مختلفة قبل الوصول إلى مرحلة خياطتها ربما الأحزمة الناسفة وتوجيه أبنائها على القيام بمهمتهم الانتحارية، وقبل وصف هذا التطور أكثر تستعرض “العربية.نت” معلومات خاصة عن بعض ما توفر من معلومات عن الأم الداعشية خلود الركيبي ومهامها في الخلية الإرهابية والأدوار المناطة بأبنائها وشقيقها من قبل الإدارة المركزية لـ”داعش” في سوريا والعراق.
من هي الداعشية الركيبي؟
خلود الركيبي، يلقبها تنظيم “داعش” بأم محمد، هي في نهاية الأربعينيات من عمرها مستواها التعليمي ابتدائي. وهي متزوجة وما توفر عن الزوج أنه ذو شخصية ضعيفة مهمل في أسرته، كما أن لها ست أبناء (أربع ذكور وابنتين).
ومما توفر لـ”العربية.نت” من حسابات متطرفة على الإنترنت، فإن أحد أبناء، خلود، متواجد حالياً في سوريا يشارك في القتال إلى جانب صفوف التنظيم هناك، وأن اثنين آخرين هما حمد الموسى ونصار الموسى في العشرينيات من عمرهما، تم تجنيدهما للقيام بعمليات داخل السعودية.
وبحسب ما كشفته وزارة الداخلية السعودية، لم يقتصر دور الأم خلود ضمن الخلايا العنقودية على الدعم اللوجستي لتنظيم “داعش”، وإنما جهزت ابنها لتنفيذ عملية انتحارية، والمشاركة في نقل المتفجرات والأحزمة الناسفة بلعب دور التمويه لرجال الأمن، وكذلك توفير الخرائط اللازمة لتنفيذ العمليات الإرهابية، عبر رصد المواقع المستهدفة، والتواصل مع القيادات في الخارج.
وفي تصريح خاص لـ”العربية.نت”، أفاد اللواء مهندس بسام عطية، من مركز الاستراتيجيات الأمنية بوزارة الداخلية، أن “الأم خلود الركيبي قامت بتركيز دورها على أبنائها بلومهم ومعاتبتهم حيناً وتوبيخهم حينا آخر”، وهو أشبه ما يكون بدور التوجيه والتربية السلوكية من قبل أم طبيعية لأبنائها، إلا أنه في حالة خلود عبارة عن إخضاع الأبناء وتربيتهم على “الإرهاب والأحزمة الناسفة”، وهي صورة “البر” التي اختارت الداعشية نيلها من أبنائها.
وكان ذلك كله خلال تنقلها مع ابنيها عند نقل الأحزمة الناسفة للتغطية من موقع لآخر، حيث كانت تؤيد وتبارك وتحث وتوبخ إن كان هناك قصور أو تساهل في أعمال التنفيذ.
مهمة الخلية العائلية
تولت الأم الداعشية مهامها ضمن الخلية الأولى، وهي مكونة من 6 أفراد (أحمد عسيري، ونصار الموسى، وحمد الموسى، وسلطان العتيبي، وناصر الركيبي، وخلود الركيبي). والمهمة الموكلة إليهم بعد توزيع للأدوار بين أعضاء الخلية من قبل وسيط العمليات في سوريا – وهو على الأرجح ابنها المتواجد في سوريا – تكمن بتفجير أحد المواقع الدينية، وموقع للحرس الوطني في مدينة الأحساء.
وبحسب ما جاء في توزيع الأدوار، يتولى الداعشي سلطان العتيبي نقل الأسلحة، والابن حمد الموسى مكلف برصد ومسح الطريق، الابن الآخر نصار الموسى (الانتحاري المفترض) يحمل الأحزمة الناسفة إلى الأحساء، ويعد – بحسب وزارة الداخلية – أحد كبار الداعمين اللوجستيين للتنظيم. كما تتنوع أنشطته بين نقل السلاح، والأموال والإيواء، واستئجار العربات، أما الأم الداعشية خلود الركيبي فتساند أبناءها في عملية الدعم اللوجستي. والأخ ناصر الركيبي، مؤيد وداعم معنوي كبير، وقد قبض عليهم جميعاً خلال تحركهم وبرفقتهم الحزام الناسف.
أحمد عسيري المحرض الرئيسي في الخلية كلف بعدة مهام من بينها استلام الأحزمة الناسفة والانتحاريين، والتوجه بهما إلى استراحة شرق مدينة الرياض التي كانت تعد مركزاً للتدريب على استخدام الأحزمة الناسفة، وكيفية التحرك بالحزام والتعبئة النفسية، وتسجيل الوصايا.
أما الابن نصار الموسى فيتم ربطه مع الداعشي أحمد عسيري ليكلف بعدة مهام منها رصد مسجد الرضا بالأحساء، حي المحاسن، وتصويره ونقل الانتحاريين (طلحة عبده مصري الجنسية وعبد الرحمن التويجري سعودي الجنسية) من الرياض إلى الأحساء وإيوائهما ونقلهما لتنفيذ الجريمة. شارك نصار في تنفيذ المهمة شقيقه حمد الموسى، ونتج عن العملية الانتحارية عقب تفجير المسجد 5 شهداء وإصابة 32 مصلياً و4 رجال أمن.
تطور دور “أمهات الموت”
أدركت التنظيمات المتطرفة منذ وقت مبكر أهدافها من تجنيد الأمهات فعين على “نسوة” وعين أخرى على ما تلده الأمهات، لينشأ كل مولود لها كادراً طيعاً وقرباناً مستقبلياً “لخليفته”.
تبدأ الأمهات بإغراق أطفالهن بإيديولوجيا “الموت”، فهي لم تعد أماً وإنما قصة تاريخية تجسدنها زوراً بمسميات وألقاب مختلفة كـ”الخنساء” أو “أم الشهداء” وهي الشاعرة العربية والصحابية التي ازدادت شهرتها بوصيتها لأبنائها الأربعة أثناء مشاركتهم في قتال الفرس واستشهادهم جميعا بعدها أو”نسيبة”، وهي صحابية من الخزرج شاركت في عدد من الغزوات مع النبي.
قصص مختلفة حاولت الجماعات المتطرفة بناء مرجعية تاريخية تخدم أغراضها عبر استلهام رمزيات نسوية مختلفة، تتحول بعدها كمصدر إلهام واقتداء، ولمحاولة إضفاء الشرعية على حركة المرأة واستثناءات من خصوصية تتمتع بها المرأة القاعدية والداعشية، وذلك بحسب تنظيرات الجماعات الإرهابية لدور المرأة باستثمار الأسماء التاريخية النسوية الموقرة وكان أشهر من استخدم اسم “الخنساء” هو تنظيم القاعدة في نشرته النسائية قبل أن يتبناه تنظيم داعش بإطلاقه على إحدى أشهر كتائبه النسوية.
كيف يبدأ الإغراق العقائدي؟
لا يختلف الإغراق العقائدي من قبل أمهات “داعش” كثيراً عن ما هو لدى باقي الجماعات المتطرفة، حيث يبدأ بتبديل زي الأطفال المعتاد لمن هم دون الـ 7 من عمرهم إلى ثوب قندهاري باللون الأسود وتعلو رأس الطفل الصغير قبعة دائرية سوداء، تخاط من الصوف يطلق عليها “باكول”، ويحتضن الطفل ألعابه من مسدسات بلاستيكية وقنابل مزيفة إلى جانب “راية” تنظيم “داعش”. ويبدأ أيضاً ضخ عشرات المقاطع المسجلة لعمليات مسلحة في مناطق نزاع مختلفة وتلقينهم الأناشيد الحماسية.
من هنا تبدأ مرحلة فصل الأبناء عن واقعهم وحاضرهم إلى مكان وزمن مغاير وعبر تلويث سمعي وبصري، وما إن تظهر بوادر علامات البلوغ يبدأ معه إدراكه لدوره الحركي في التنظيم استعداداً “لإرهاب الأحزمة الناسفة”، دون تغيير خارجي ملحوظ ما عدا لقب أو كنية مستلهم من التاريخ مع إطالة اللحية والشعر الذي قد يصل إلى الكتفين أو أقصر من ذلك بقليل.
خطورة التطرف النسوي شدد عليه اللواء بسام عطية في مؤتمر صحافي مشترك مع اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية في مقر نادي الضباط بالعاصمة الرياض مساء يوم الاثنين الماضي قائلاً: “لا أفضل وضع مبررات للمرأة بشأن تطرفها بتوجيه اللوم إلى ضغوط خارجية، فالمرأة في حالات تحمل فكراً أكثر رسوخاً من الرجل، لذلك لا يمكن القياس أنها تحت وطأة تأثير خارجي”، مؤكداً في الوقت ذاته من أن المستوى التعليمي لا يعد مقياساً في تبني الفكر المتطرف ولا قيمة له.
خلود أو أم محمد لم تكن بدعاً من أمهات الموت لداعش ومن كشفت عنهن وزارة الداخلية السعودية، فسبقنها عدد آخر، من بينهن من تلقب بـ”أم عاتكة” كانت من بين خلية مكونة من 65 شخصاً أعلنت عن اعتقالهم الأجهزة الأمنية السعودية في 29 نيسان/أبريل 2015م، وسعت “أم عاتكة” إلى استغلال المعرفات الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمحاولة استدراج أحد العسكريين لاغتياله.
وفي 13 آذار/مارس 2016 أعلن مقتل الداعشية السعودية بنان عيسى هلال، بعد محاولتها مباغتتة رجال الأمن خلال عملية توقيف سويلم الرويلي عبر إطلاق النار على رجال الأمن بسلاح رشاش كان بيدها، ما عرضها لإصابة توفيت على إثرها. وبنان هلال هي ابنة أحد المطلوبين لدى الجهات الأمنية الأردنية والملقب بـ”أبو حمزة التبوكي”.
في حزيران/يونيو 2016 وبعد إعلان وزارة الداخلية عن المتورطين في العملية الانتحارية التي طالت مسجد طوارئ عسير، كشفت عن تورط امرأة وهي زوجة أحد الإرهابيين بنقل الحزام الناسف المستخدم فى التفجير، بعد أن قامت بوضعه بين قدميها داخل السيارة لنقله من الرياض وصولاً إلى عسير.

العربية نت