تحقيقات وتقارير

إعلانات المواد الغذائية.. تأثيرات سلبية على الأطفال.. طلبات متزايدة


على غير العادة عزم ناصر أن يرافقه ابنه ذو السبع أعوام إلى السوبر ماركت لشراء مستلزمات المنزل، وما إن ولجا ركض الابن صوب ثلاجة العرض، وتأمل صوابع الشكولاته والعصائر المعلبة، ثم بدأت قائمة الطلبات التي لم تكن في الحسبان، طنطن ناصر قليلاً، وبعدها انهال على ابنه بأكثر من سؤال، ما هذا وكيف يبدو وما طعمه؟ ولم يجد إجابة سوى (يابابا شفتو في التلفزيون) امتعض وبصوت عال وبخه، وفي نهاية الأمر ابتاع له قطعة شوكولاته بعد أن أخذ منه وعداً بألا يكرر هذا مرة خرى.

المتابع لقنوات الأطفال يجد أن إعلانات المواد الغذائية تسيطر عليها بصورة متواصلة، حتى أثرت على المستوى المعيشي بشكل واضح عندما صار الصرف فوق الاحتمال، إذا قسمنا المجتمع إلى غني وفقير في ظل ذوبان الطبقة الوسطى، الأمر الذي أحدث خللاً في معدل صرف الأسر التي تعيش على مصادر دخل ثابت أو محدود بعد ارتفاع نسبة المتطلبات المنزلية.

عواقب وخيمة
نبهت خبيرة التغذية تسنيم حمد إلى أن إعلانات المواد الغذائية بمختلف أنواعها الموجهة خصيصاً للأطفال، ترسخ سلوكا استهلاكيا غير صحي في سن مبكرة، وقالت: “معظم المعروض مجهول المذاق والجودة، بالرغم من شكله الجميل”، وأضافت: لذلك ربما تسبب حساسية الأطعمة لدى بعضهم، فضلاً عن أن بعض الأغذية الموجهة للأطفال تحتوي على نسب عالية من السكر مع قيمة غذائية متدنية، مشيرة إلى أنه يؤهل الطفل للاستجابة في وقت لاحق من حياته للمؤثرات التجارية من خلال شراء المنتجات التي لا داعي لها دون النظر إلى العواقب المالية على المدى الطويل، ونصحت تسنيم بعدم شراء تلك المنتجات المعلن عنها خاصة الحلويات والنشويات، وطالبت الأسر والجهات المختصة بتنظيم أغذية الأطفال وتوجيههم بصورة جيدة ومنطقية بالابتعاد عنها حفاظاً على الصحة وتنظيماً للإنفاق.

عديمة الفائدة
أشار الخبير الاقتصادي والأستاذ المشارك بجامعة المغتربين محمد الناير إلى أن الإعلانات تعالج الكثير من المشاكل لكنها في ذات الوقت تتسم بعدم الوضوح وتنقصها بعض المعلومات المهمة التي تجبر المشاهد على الشراء، ودلل على ذلك قائلاً: “في إعلانات السيارات بالتقسيط، يعلن عن قيمة السيارة دون توضيح كيفية الشراء أو قيمة القسط، كذلك السلع الاستهلاكية يجب أن تكون موضوعية وذات مصداقية وأمانة ووضوح”، وتابع: من جهة أخرى تؤثر إعلانات المواد الغذائية لاسيما تلك التي تبث عبر قنوات الأطفال على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للأسر، خاصة وأن هناك تفاوتا بين مستوى دخل الأسرة والحد الأدنى للمعيشة فيحدث خلل في ميزانيتها، ويظهر ذلك جلياً في الشرائح الضعيفة.

على عجل
ولفت د. الناير إلى أن أغلب الأسر لا تضع جدولا أو ترتيبا للصرف سواء كان شهريا أو أسبوعيا أو يوميا فتأتي المتطلبات على عجل، فيظهر تأثير الإعلان في المنتصف يجذب المشاهد ويؤدي إلى خلل فوق الخلل العام، وقال: “تعتمد الشركات بصورة أساسية على التسويق وفنونه، لذلك نجد أن الرسائل التجارية الموضوعية تؤثر تأثيراً كبيراً في تشكيل السلوك المالي للأطفال بصفة خاصة والأشخاص عامة سواء كان على المدى الطويل أو القصير، ويؤثر على صرف الآباء وبالتالي يؤثر على ميزانية الأسرة التي تحسب على الاحتياجات الأساسية دون فائدة تربوية.

تحذيرات الخبراء
حث خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالديون الخارجية وحقوق الإنسان خوان بابلو بوهوسلافسكي، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية داينيوس بوراس، الحكومات في جميع أنحاء العالم على تنظيم الإعلانات الموجهة للأطفال، محذرين من تأثير الإعلانات التجارية التي تستهدف الأطفال وتغرس في سن مبكرة ثقافة الاستهلاك المفرط والمديونية، وأكدا بحسب صحيفة العرب على أهمية التفكير في الأبعاد النفسية للاستدانة والاستهلاك المفرط المرتبطين بالرغبة في مواكبة مستويات معيشة يتمتع بها أشخاص آخرون، مشيرين إلى دراسة لليونيسف مؤخرا، تبين أن سعادة الأطفال لا ترتبط بالحصول على المزيد من السلع.

الخرطوم – درية منير
صحيفة اليوم التالي