مزمل ابو القاسم

هل يحق للأطباء أن يضربوا


* لا يوجد عاقل حصيف يتردد في إدانة السلوك الهمجي الذي تعرض له الأطباء في الآونة الأخيرة، بعد أن تعددت الاعتداءات عليهم، وتحولت إلى ظاهرة مقيتة، تستوجب وقفة تقصٍ وتحقيق لتحديد مسبباتها، واقتلاعها من جذورها.
* الاعتداء على الأطباء وتحطيم أجهزة وأثاثات أقسام الطوارئ فعل قبيح، وجريمة نكراء، ينبغي التعامل معها بصرامة، لكن النظر إليها من الجانب الأمني، وقصر المعالجات على المطالبة بتكثيف الإجراءات الأمنية في المستشفيات لا يحوي حلاً ناجعاً لها.
* طالعت كل البيانات الصادرة من الأطباء المضربين عن العمل في مستشفيات العاصمة، فوجدتها تتحدث جميعها عن عدم توافر أبسط المتطلبات التي تساعد الأطباء على أداء مهمتهم الإنسانية.
* نتساءل: لماذا لا يتم الاعتداء على أطباء أقسام الطوارئ التابعة لمستشفيات الشرطة وساهرون والأمل والسلاح الطبي؟
* هناك لا توجد إجراءات أمنية استثنائية، ولا حماية زائدة عن التي يحصل عليها الأطباء العاملون في مستشفيات أم درمان وبحري وحاج الصافي وإبراهيم مالك وبقية المستشفيات الحكومية في العاصمة، الفارق الوحيد يكمن في توفر معينات العمل من أجهزة طبية وسيارات إسعاف وأوكسجين واختصاصيين وما إلى ذلك في المستشفيات التابعة للقوات النظامية، بخلاف ما يحدث في المستشفيات المتهالكة التي تديرها وزارة الصحة بالولاية.
* ذلك هو السبب الأول في كل ما يحدث للأطباء العاملين في المستشفيات التابعة للوزارة، لأنهم يعملون مغلولي الأيدي، فاقدين للقدرة على أداء واجباتهم وتقديم ما يلزم من عون وعلاج للمرضى.
* حماية الأطباء من الاعتداء تتم بإعانتهم على أداء واجباتهم، وبتوفير الأجهزة والمعدات الطبية وكل مستلزمات العمل لهم، وليس بتكثيف الحماية الأمنية وحدها.
* ذوو المرضى يمكن أن يتقبلوا ما يحدث لمرضاهم إذا أيقنوا بأن المستشفى الذي استعانوا به وفر لهم أقصى درجات الرعاية، وأحسوا بأن الأطباء أدوا ما عليهم، وكانت الأقدار أقوى منهم، لكن إجراءات الأمن لن تمنعهم من التعدي على الأطباء، إذا استمر الوضع المزري الذي تعاني منه المستشفيات الحكومية حالياً.
* مع ذلك كله نناشد الأطباء أن لا يتعاملوا مع ما يحدث لهم بلغة الإضراب وحدها.
* إذا كان الاعتداء على الأطباء (وهم في كامل صحتهم) يمثل جريمة شنعاء تستوجب الشجب والاستنكار، فإن إضراب الأطباء عن العمل يمثل اعتداءً سافراً على المرضى، وهم في قمة ضعفهم وحاجتهم للعون والمساعدة.
* مطلوب من الأطباء أن يبرعوا في ابتكار أساليب ووسائل جديدة يعبرون بها عن استيائهم، ويطالبون عبرها بحقوقهم، من دون أن يتوقفوا عن أداء مهمتهم الإنسانية، لأن الطبيب تحديداً لا يوجد له بديل، يقوم مقامه، ويؤدي مهامه، وتوقّفه عن العمل (لأي سبب) يهدد حياة المرضى، ويمكن أن يؤدي إلى وفاتهم.
* أما الحل الجذري فيكمن في الكف عن التشدق الفارغ بتحسن مستوى الخدمات الصحية في مستشفيات العاصمة، وبتوفير معينات العمل للأطباء، وقبل ذلك الإقرار بالواقع المزري لتلك المستشفيات، لأن الاعتراف بالمشكلة يمثل أولى خطوات الحل

اليوم التالي