تحقيقات وتقارير

كثيرون اعتبروها بمثابة عسكرة لمنشآت مدنية الشرطة الطبية.. المستشفيات في حماية “الكاكي”


أطباء: اعتداءات كثيرة من النظاميين على منسوبي الحقل الطبي
مصدر شرطي: منذ أن أبعدوا الشرطة (الرماد كال حماد)

دكتور معز حسن بخيت: عاوزين البوليس (الحنين)
شرطة تأمين المنشآت: ليس من المنطق توفير شرطي مقابل كل طبيب

عثمان ميرغني:الخطوة استسهال للحل ويجب النظر لسبب المشكلة الذي أفرز الظاهرة حتى لا تحدث المشاكل

الاعتداءات المتكررة على الأطباء داخل المستشفيات بالأيدي والسلاح الأبيض من قبل نظاميين ومواطنين وآخرها ما وقع بمستشفى أمدرمان قبل أيام أفرزت مطالبات من قبل بعض الأطباء بتوفير قوات شرطية إضافية ذات صلاحيات أوسع لحماية الأطباء من الاعتداء عليهم من قبل المواطنين رغم أن بعض الاعتداءات السابقة تمت من نظاميين حتى وإن لم يكونوا بصفتهم الرسمية.

الدعوة أو المطلب أثار جدلاً واسعاً في كافة الأوساط ما بين مؤيد للفكرة بشدة وما بين رافض لها بشدة كذلك ولكل مبرراته التي تجدونها داخل التحقيق أدناه:-

ربما نلتمس العذر لأصحاب المطالبة الذين يدفعهم خوفهم على حياتهم إلى طلب مزيد من الحماية إذا اعتبروا تلك الموجودة بالمستشفيات غير كافية بدليل الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها بعضهم ولكن دعونا نضع المطلب على طاولة النقاش مع أطراف القضية لنرى مدى مشروعيته أو منطقيته على الأقل

*ليس حلاً
اختصاصي الجراحة محمد الحسن قال لـ(الصيحة) إن النظاميين يستغلون الحصانة التي يمتلكونها لذلك يتبارون في الاعتداء على الأطباء والبعض يؤازر زميله في شن الهجوم على طبيب وهنالك أكثر من حادثة تدل على مؤازرة النظاميين بعضهم لبعض في هذا الأمر لأن بعض النظاميين للأسف الشديد يستغلون السلطة بطريقة خاطئة لذلك نتوقع من بضعهم أي عمل منفعل وكذلك يمكن أن يستغل السلطة المخولة له ويتهم الإعلام بالإسهام بصورة خاطئة في نقل الأحداث بطريقة بها تشويه للحقائق وقال إن جهل المواطنين من أكبر المسببات للاعتداء على الأطباء لأن المواطن تحركه فقط العواطف تجاه المريض دون علم بأن ما قام من عمل مقصده إنقاذ المريض أما في الجانب الآخر من سوء الخدمات بالمستشفيات فقد فاقم من حجم المشكلة وضيق الإمكانيات كعامل أساسي في اتساع نطاق الاعتداءات على الأطباء لذلك لا أرى – والحديث لاختصاصي الجراحة محمد الحسن – أن الحل لا يكمن في عمل شرطة متخصصة لحماية الأطباء وحتى إن منح أي طبيب سلاحاً لحماية نفسه ليس حلاً جزرياً والأفضل هو نشر التوعية بين المواطنين وعدم منح السلطة المطلقة لفرد ولابد أن تكون هنالك مواصفات لرجال الشرطة لأننا نحتاج لبناء مجتمع وجيل. وأكد في حديثه لـ(الصيحة) أن الخطأ الطبي يحاسب عليه المجلس الطبي أما الاعتداء من النظامي فلابد أن يكون العقاب فورياً ورادعاً وأن يحاسب النظامي على الملأ.

قانون محبوس
(أصدرت وزارة العدل قانون حماية الطبيب أثناء تأدية واجبه ولكن مازال هذا القانون حبيس الأدراج). هكذا واصل اختصاصي الجراحة محمد الحسن حديثه وقال إنهم لا يرون أي تنفيذ لبنود قانون حماية الأطباء وتساءل عن الجهات المناط بها تنفيذ هذا القانون ولماذا لم يُفعّل إلى الآن ولم يتم محاسبة مواطن أو نظامي تجرأ على الاعتداء على طبيب؟ وقال إن هذا يدل على أن القانون كان مجرد حديث مجالس ووصف ما حدث بمستشفى أم درمان بجريمة يعاقب عليها القانون والمحاسب هنا ليس أهل المتوفي فقط بل كل من شارك في التكسير وأكد أن هنالك كثيراً من الحالات لم يتم إسعافها بسبب الفوضى التي ضربت المستشفى مع وجود حالات أزمة أو ضيق في التنفس قد فارقت الحياة ومع وجود الحالة التي نزع عنها جهاز التنفس ما أدى لوفاتها. إذن فالمسوؤلية لا تقع على عاتق الثمانين شخصاً فقط وإنما على المسؤولين.

تتعدد الأسباب والاعتداء واحد
المدير الطبي السابق لمستشفى الخرطوم دكتورة تيسير أكدت حدوث اعتداء من النظاميين أنفسهم على الأطباء وقال إن ذلك يحدث أثناء ساعات العمل الرسمية وتبدأ المناوشات بين الطرفين وتنتهي بالنيابة وتعتقد أن الأمر هو سوء فهم لدور الآخر وكثير ما يقع الشجار لعدم مرونة النظامي تجاه الكادر الطبي حيث أكدت تيسير أن الأمر يعود لجهل النظامي في التعامل مع الأطباء أما من المواطن فالجهل هو السبب الحقيقي وراء الاعتداءات المتكررة من المواطنين تجاه الأطباء ويغفل المعتدي وجود القانون تماماً.

وضع غريب
رئيس تحرير الزميلة (التيار) الأستاذ عثمان ميرغني لجأ للشرطة لحمايته بعد الاعتداء عليه وعلى الصحيفة ومن ثم زرته في مكتبه وتجاذبت معه أطراف الحديث باعتباره صاحب تجربة وعلى عكس ما توقعت فقد كان رافضاً للفكرة التي أجبرته عليها الظروف فقال: (الشرطة أصلاً كانت موجودة في المستشفيات والبنوك وحتى في بعض المؤسسات الخاصة تتوفر الشرطة بالوضع الطبيعي إلا أن ما تتحدث عنه الأخبار بتوفير شرطة إضافية تتدخل إذا حدث نزاع بين مرافقي المرضى والأطباء فهذا وضع جديد تماماً وغير طبيعي لم يكن معهوداً”. وأضاف: “أعتقد أنه استسهال للحل ولكنه حل غير حكيم وبالتالي يجب النظر لسبب المشكلة الذي أفرز الظاهرة حتى لا تحدث المشاكل، منوهاً إلى أن الاتجاه للحلول الأمنية هو الحل الساهل ولكنه للأسف الحل الأسوأ لأنه دائماً يجعل الوضع غير طبيعي ويؤدي لتأجيج النزاعات العادية الموجودة في قطاعات المجتمع”. ومضى يقول: “أعتقد أن وجود شرطة بالمعنى الجديد يشبه قرار إيجاد شرطة بالجامعات وهذا في رأيي لم يكن قراراً حكيماً لأن هناك أكثر من 50 جامعة بالسودان بينما مشاكل العنف الطلابي في أقل من 5 جامعات”. وعن الشركات الأمنية يقول إنها للأسف الشديد شركات مظهرية ليس لديها صلاحيات كبيرة وأفرادها أنفسهم غير مدربين بصورة كبيرة بل معظمهم طلاب جامعات يعملون أثناء دراستهم بأجر زهيد وبعضها استثمار لأجهزة رسمية لكنها لا تملك الأهلية والقدرة على الحماية”.

قلت لميرغني: “إذا اعتبرت اللجوء للشرطة استسهالاً للحل فلماذا لجأت أنت لذات الحل الساهل حيث استجلبت شرطي لحراسة الصحيفة؟” فأجاب : “وضعنا مختلف حيث تعرضنا لتجربة مريرة وقاسية جداً وبعد ذلك توفرت لنا حماية كبيرة وكافية من الدولة استمرت لأشهر ثم توقفت وأحسسنا أنه ما زالت هناك درجة من المخاطر والتهديد فلجأنا لشركة أمنية فأحسسنا أن وجودهم رمزي فاستعنا بقسم خاص من الشرطة متوفر لأي جهة بمقابل مادي للعدد المطلوب وبمستوى تسليحهم، ولجأنا لهذا الحل فقط كإجراء احترازي لتعقيد محاولة الاعتداء مرة أخرى ولكن بالتأكيد ليس هو الحل الأمثل فالأمثل هو تأمين الأبواب والمداخل وأتمنى ألا نصل لهذا لأن الاعتداء قد يتم خارج الصحيفة وأنا أتحرك في محيط الصحف على قدمي”.

*البوليس الحنين
لا يمكن أن يكون وجود الشرطة في المستشفيات كصب الزيت على النار، لأنه عندما يدخل الطبيب المستشفى ويرى الشرطي يكون مطمئناً و”نحن نبحث عن البوليس الحنين ده يكون جنبنا عشان ما يدقونا ويجضمونا ويجرو لينا شعرنا”!!. هكذا كانت إفادة الناطق السابق باسم وزارة الصحة ولاية الخرطوم دكتور معز حسن بخيت الذي سألته: “ألا يمكن أن يكون وجود الشرطة سلاحاً ذا حدين؟ بمعنى أن السلاح يمكن إذا حدثت فوضى أن يصيب أهدافاً غير مقصودة بدلاً من تحقيق الحماية”؟ فنفى ذلك وقال” “إذا حدثت فوضى فالشرطة كحراسة خاصة تحمي المستشفى والأطباء من اعتداءات المرضى أو ذويهم”.

*بوليس بس
إذن هل يمكن أن يكون تأمين المستشفيات ضمن المرافق التي يجب تأمينها بقوات إضافية من الشرطة؟ يجيبنا مصدر شرطي فضل حجب إسمه قال لي: ” -من الله خلق الدنيا- الشرطة تؤمن المستشفيات والمؤسسات والآن االشرطة غير موجودة بالمستشفيات لأنهم استبدلوها بقوات أخرى ومنذ أن أبعدوا الشرطة عن المستشفيات -الرماد كال حماد- وأصبحت الفوضى ضاربة وأصبح كل من هب ودب يدخل حتى يصل العنابر فقد أوكلوا الأمر للشركات وهي مهما كانت لن تحل محل الشرطة وهي منزوعة السلطة وأصبح المواطن يأخذ حقه بيده لو لم تكن هناك اعتداءات سابقاً لأن الشرطة مؤسسة معروفة ولديها سلطة البلاغ والقبض وبالتالي الناس يخافون لكن الآن إذا وجدت فرداً من الشركات الأمنية بالشارع لن أناديه لينجدني (الشغل بوليس بس)”!.

*طلب غير منطقي
أما مدير الإدارة العامة لتأمين المرافق والمنشآت اللواء شرطة حقوقي فيصل خلف الله فقد ابتدر حديثه مع (الصيحة) بعرض للمرافق والمنشآت التي تضطلع الإدارة بتأمينها فيقول: (لدينا 9 مرافق كبيرة في السودان نؤمنها هي السكة حديد، الموانئ البحرية والسياحة وكل ما يتعلق بالتراث الوطني الفنادق والآثار في كل السودان ونؤمن السدود مثل سد مروي والسد نؤمنه قبل وأثناء عمله مثل عطبرة وستيت ونؤمن كذلك مصانع السكر كنانة والنيل الأبيض، المحكمة الدستورية، القضاء والجلسات إضافة إلى المنشآت الحكومية الموجودة هنا أو في الولايات والبعثات الدبلوماسية والسفارات ومنزل السفير نفسه، وهناك مرافق مثل بنك السودان والوزارات مثل الحكم الاتحادي والمالية وننسق دائماً مع شرطة الولايات ولدينا لوائح تنظيميية معهم). وبخصوص المطالبة بشرطة لحراسة المستشفيات قال اللواء فيصل إن الشرطة موجودة في كل المستشفيات الكبيرة في شكل نقطة حوادث تؤمن المنشأة ويمكن أن تكون هناك قوة إضافية ولكن ليس من المنطق أن يكون كل دكتور (قصادو) شرطي! ويضيف فيصل: (شرطتنا العامة موجودة لتؤدي واجب حفظ الأمن أو التحري واستخراج أرانيك 8 وتتواجد بالمستشفيات التي بها حوادث ومشرحة مثل مستشفى أم درمان وبحري، أما المستشفيات الخاصة فيحفظ أمنها بواسطة الشركات الأمنية الخاصة).

*نواة لمطالبات أخرى
إذا تحقق لوزارة الصحة ما أرادت وتمت حراسة المستشفيات بقوات إضافية من الشرطة هل يمكن أن يكون ذلك نواة لمطالبات مشابهة على غِرار (شرطة الجامعات)؟ -هنا يرفض دكتور معز حسن بخيت وصف الصحة بالمؤسسة وقال إنها إحدى الأفرع السبعة الأساسية لحياة الإنسان وهي الأمن والصحة والتعليم والمياه والزراعة والصناعة والدولة، ويجب ألا تختزل الصحة في مؤسسة. أما اللواء فيصل فقد أكد أن مطلب الجامعات كان مقبولاً لأن فيها مشاكل وهناك طلاب جاءوا ليدرسوا فما ذنبهم ليتعرضوا للعنف أو القتل. ومع أن هناك آراءً سلبية حول شرطة الجامعات إلا أن اللواء فيصل اعتبرها آراءً شخصية حتى يتم تقييم عملها بعد سنة أو سنتين لكن كونها توقف المشاكل والشغب فهذا مكسب.

قلت للواء: ألا يمكن أن تزيد صلاحيات الشرطة بالمستشفيات؟ فأجاب أن أي شرطي لديه صلاحيات ولكن أن يكون –قصاد- كل طبيب شرطي فهذا غير منطقي ولكن يمكن أن يحرسوا العيادة الخارجية وهذا العدد الكبير الذي دخل مستشفى حوادث أم درمان لم يكن ليفعل ما فعل لو دخل اثنان منهم فقط!

*موجودون بالمستشفيات
إذن هل المطالبات بحراسة الشرطة أفرزها فشل شركات الحراسة الخاصة والتي تسمى بالأمنية في تحقيق الأمن في المؤسسات أو المرافق التي تحرسها خاصة أنها لا تتمتع بصلاحيات كصلاحيات الشرطة؟

وحسب اللواء فيصل فهذه الشركات الخاصة تطلبها الجهة سواء مستشفى خاص أو حكومي ولديهم صلاحيات وإلا فماهو عملهم إذا لم يكن لديهم صلاحيات؟ إذا حدث شغب بالداخل هل سيتجاهلون الأمر؟ وهم معظمهم بوليس أو متقاعدون يعرفون كيف يفضون المشكلة وقد يلجأون لفتح بلاغ في مواجهة المتسببين في الشغب، المواطن انطباعه أنهم لا يستطيعون حفظ الأمن ولكن طبعاً للبوليس هيبته.

*ليسوا نظاميين
قد يصبح السلاح في يد الشرطة ذا حدين فإذا حدثت مشكلة قد يصيب السلاح أهدافاً غير مقصودة وفي بعض الحالات تم الاعتداء على أطباء بواسطة نظاميين، وما حادثة إطلاق النار على أطباء بحري من قبل نظامي تجري محاكمته حالياً ببعيدة عن الأذهان؟. هنا ينفي فيصل ذلك الاتهام ويبرر بأن الاعتداءات التي تمت لم تقع من نظاميين بصفتهم الرسمية ولم يكونوا في الحراسة بل جاءوا كزائرين أو مرافقين ويدخلون المستشفى بإحدى هاتين الصفتين وربما استغلوا وظيفتهم فهاجموا الطبيب الذي يعرف عمله جيداً وقد تكون الحالة باردة وذوو الحالة يريدون الطبيب أن يكون –قصاد- حالتهم فقط ويتهمونه بالتقصير إن انصرف عنها لحالة أخرى مستعجلة والروح في النهاية بيد رب العالمين.

وحسب اللواء فيصل فإن الاقتراح قد يناقش بواسطة لجنة أمن الولاية وأكد أن الشرطة موجودة بالمستشفيات وبعض المستشفيات الكبيرة لديها تأمين ذاتي مثل مستشفى الخرطوم وموجود في مستشفى أمدرمان وبحري ولكنها ليست بمسمى شرطة المستشفيات.

تحقيق: هويدا حمزة ـ بهجة معلا
صحيفة الصيحة