تحقيقات وتقارير

من المسؤول؟ الإذاعات الخاصة.. برامج فطيرة وكوادر ضعيفة


فوضى الإذاعات الخاصة أصبحت على كل لسان في الشارع السوداني، وتزايدت الشكاوى من مضمون أغلبها ومستوى مذيعيها في وقت سيطرت فيه على موجات الأثير وفرضت ما تقدم على آذان الجمهور عنوة في داخل المنزل وخارجه عن طريق المركبات العامة، وكذلك بالتشويش على التجارب الإذاعية الناضجة والقليلة.
قضية هذه الإذاعات دفعت بنفسها إلى المقدمة وأصبحت مثار جدل بين خبراء في مختلف المجالات لا سيما خبراء الإعلام لتأثيراتها الخطيرة على الأجيال القادمة، وبالتالي ملامح المستقبل الآتي.

معاناة واضحة
في السياق أوضح د. صلاح الدين الفاضل أن لكل إذاعة خصوصيتها وطبيعتها التي قامت على أساسها، لكنه عاد ليؤكد أن جميع الإذعات تعاني في مضمونها وذلك لخلوها من مدير برامج يعمل على وضع الخطط والبرامج للقناة، ووجوده أساسي ومهم في كل القنوات، وقال: لا بد من وجود خبرات كافية حتى تراعي المهنية في عملها “مذيع، مخرج ومحرر” عملوا في المجال فترة لا تقل عن “5” أو “7” سنوات لهم دراية بفئات المجتمع “صحفيين، أدباء، فنانين، أطباء ودبلوماسيين” حتى يتمكن من تنفيذ أهداف القناة ووضع المحتوى والبرمجة المناسبة التي تعاني منها أغلب القنوات.

جني الأرباح
وبحسب د. صلاح الدين تشابه محتوى الإذاعات يرجع إلى تركيز هذه الإذاعات على نسخ البرنامج العام للإذاعة السودانية ليكون أساسا لبرمجتها الإذاعية، ومن الملاحظ أن كل البرامج تعتمد على الاتصال المباشر من الجمهور من أجل جني الربح فقط، مؤكدا أن الخروج من هذه المشكلة يتطلب من إدارات هذه الإذاعات إشراك أهل الأمر من الصحفيين المهتمين والعلماء حتى تخرج كل قناة بشخصية خاصة بها، مضيفاً أن من يقومون على أمر البرمجة الإذاعية بشكل صحيح متخصصون في هذا المجال، لذلك يضعون الإعداد المناسب ثم تأتي من بعد ذلك أركان العمل الإذاعي الناجح من كتابة سليمة وموسيقى ملائمة وأداء معقول وإخراج جيد، ولأن هذه المعادلة غائبة عن المشهد الإذاعي الآن فهناك 6 إذاعات فقط تقدم مستوى مقبول من مجموع 40 إذاعة عاملة، لذلك رهن د. صلاح إصلاح حال الإذاعات الخاصة “بمنح العيش لخبازه”، وعدم الاستهانة بالموضوع، وقال: “أي زول ما بعرف وما متخصص في الشيء عليه عدم الاستهانة بالمهن الأخرى”، وتابع: الأمور باظت من ساعة ما أي زول عندو قروش عمل قناة ولم يراع وجود الخبرات والمختصين وفعل ما يريد”.

كوادر مؤهلة
اتفق نائب مدير الإذاعة السابق عبد العظيم عوض مع د. صلاح، وأضاف: أن ما تقدمه هذه الإذاعات يؤثر بشكل كبير على المستمع لذلك الموضوع مقلق للغاية، لا سيما أنها تعاني من عدم وجود أسس وقواعد وتدريب وخارطة ومحتوى برامجي تقوم عليه، وأكد على ضرورة إخضاع هذه الإذاعات لنظام إداري يتولى أمر متابعتها لضمان تقديم خدمة جيدة للمستمعين، وقال من واجب الدولة حماية مواطنيها من أي تغول إعلامي عليهم، وذلك بتقديم رسائل إعلامية تتوافق مع عادات وتقاليد مواطنيها، لذلك أوصى مؤتمر الإعلام بإنشاء جسم يقوم على متابعة هذه الإذاعات، رغم أنني أرى أنها وطنية وتضطلع بدور وطني لذلك عليها الالتزام بالأسس والقواعد وتأكيد ثقة الدولة من قدرة القائمين على عمل إذاعة محترمة ورصينة باستيعاب عاملين أكفاء وتابع “عشان ما يحوجوا الناس لمتابعة أو رقابة”.

إذاعات أسرية
من جهته حمل الإذاعي إبراهيم البزعي الدولة مسؤولية الفوضى الناتجة عن الإذاعات الخاصة، لأنها قد درجت على منح تراخيص الإذاعات لكل من يطلب ذلك دون التقيد بالمعايير المرعية، حتى خلق ذلك أوضاعا غريبة داخلها، مشيراً إلى تحول بعضها إلى إذاعات أسرية يشغل أفرادها مهما كانت خبراتهم مناصبها العليا، وخلت من الكفاءات الإذاعية والإعلامية والفنية المطلوبة لإنجاز العمل الإذاعي بشكل سليم.

مخالفات واضحة
وأكد بالقول إن هذه الإذاعات والقائمين عليها أساءوا استغلال الحرية التي منحتها لهم الدولة في هذا الإطار، مما يتطلب مراجعة كيفية منح هذه التصاديق وربطها بالمعايير المطلوبة، أسوة بالتصاديق التي تمنح لإصدار الصحف على سبيل المثال، وأضاف: أن كثيراً من الإذاعات بدأت متخصصة في الرياضة أو الاقتصاد لكنها اعتمدت بنسبة أكبر من برامجها على المنوعات وغيرها في مخالفة واضحة لتخصصها، وأشاد الإذاعي المخضرم بتجربة إذاعات قليلة، وقال:”إنها قد نجحت في تقديم عمل إذاعي متميز وهادف لأنها اعتمدت في كادرها على خبرات إذاعية معروفة قدمت إضافة كبيرة، وطالب في المقابل بالرجوع إلى الموجة المتوسطة التي تمكن الإذاعات المتميزة والناجحة من الوصول إلى الأرياف المستهدفة بدلاً عن الموجة القصيرة التي لا تتيح للإذاعات غير الوصول إلى سكان المدن.

ربط الأرياف بالمدن
وفي السياق عد أستاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين د. خليل المدني الإذاعات من أهم وسائل نشر الثقافات المتعددة، وتشكيل الهوية الوجدان الموحد في المجتمعات، لأنها تصل الناس في أماكنهم أسهل من وسائط إعلامية أخرى، لسهولة تشغيله وزهد ثمنه، وقال: نجح الراديو في السودان في ربط الأرياف البعيدة والرحل بمختلف الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية داخل البلاد وخارجها لفترات بعيدة جداً في تاريخ السودان، فيما برزت بقية وسائل الاتصال الحديثة مثل التلفزيون والصحف في مراحل متأخرة، ولكنها ارتبطت بسكان المدن فيما ظل سكان الأرياف على رباطهم الوثيق مع الراديو، وعدد المدني القضايا التي يمكن أن يسهم الراديو في معالجتها بشكل مباشر، وفي مقدمتها مسألة الهوية وتقبل الآخر بكل لهجاته وسحناته وثقافته المختلفة، مؤكداً أن التعامل مع الرسالة الإذاعية بصورة تعي قضايا المجتمع السوداني سيشكل فارقاً كبيراً.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي