الطيب مصطفى

الحوار الوطني.. والتحديات الجديدة


الآن وقد وافق المؤتمر العام على توصياته التي عكفت عليها اللجان المختصة على مدى شهور طويلة يجدر بي أن أقول إننا دخلنا في مرحلة جديدة تقتضي منا استكمال ما تبقى من مهام ما انعقد المؤتمر إلا لإنجازها بغرض الانتقال ببلادنا إلى بر الأمان من خلال تحقيق سلام ينهي الحرب ويوفر الحكم الراشد عبر مسار ديمقراطي يفصل بين السلطات ويتيح الحريات ويحقق العيش الكريم لهذا الشعب الصابر المحتسب.

المخرجات التي تم إقرارها كفيلة ، إذا وضعت موضع التنفيذ ، بإحداث تحول كبير في مستقبل السودان السياسي، ويكفي أنها ضمت بين دفتيها كل مطلوبات تهيئة المناخ التي تم إقرارها لإحداث التحول عبر فترة انتقالية يفترض أن يبدأ التوافق حولها قريباً من خلال آليات يتفق عليها.

تم الاتفاق ، على سبيل المثال لا الحصر ، على تعيين رئيس للوزراء لإدارة الجهاز التنفيذي وعلى إحدث تغيير في البرلمان الحالي بحيث يتيح تمثيلاً أكبر للمعارضة الأمر الذي يمنح البرلمان ، ربما لأول مرة ، سلطة رقابية حقيقية على السلطة التنفيذية بل على رئيس الوزراء الذي يفترض أن يحاسب ومجلس وزرائه حساباً عسيراً عن أي تقصير في أداء الجهاز التنفيذي.

على أن ما ينبغي أن يسبق تلك الترتيبات أن تسعى الآليات التي تنفذ مخرجات المؤتمر العام أو الآلية التنسيقية لضم الممانعين الذين لم ينخرطوا في الحوار حتى الآن وأخص بالذكر الإمام الصادق المهدي وحركتي جبريل ومناوي ولا أقول الحركة الشعبية (قطاع الشمال) التي يعلم القاصي والداني أنها ليست حريصة على السلام رغم أن محاولات ضم الممانعين ينبغي ألا تستثنيها حتى لو كانت شيطاناً رجيماً.

الخطاب الذي أرسله الإمام الصادق المهدي قبل بدء جلسة الأمس الإجرائية وتلاه أمين عام الحوار الوطني بروف هاشم علي سالم كان مؤشراً ايجابياً يدعو إلى التفاؤل بإمكانية عودة المهدي وانخراطه في مسيرة الانتقال نحو الحكم الديمقراطي المتراضى عليه، بل أن الرئيس كشف للمؤتمرين أنه اتصل قبل بدء الجلسة بالمهدي وتحاور معه مما يشي بأن أمر مشاركة المهدي لا تحتاج إلا إلى (دفرة) صغيرة لا أراها صعبة لو توافرت الإرادة والقرار السياسي الملائم.

إن أول خطوة ينبغي أن تعقب انفضاض المؤتمر العام أن يصار إلى إشراك القوى السياسية التي انضمت إلى الحوار في آلياته التنفيذية وفقاً للاتفاق الذي أبرم مؤخراً في قاعة الصداقة بين مساعد رئيس الجمهورية المهندس إبراهيم محمود وقوى المستقبل للتغيير، وأخص بالذكر الاشتراك في عضوية الآلية التنسيقية سيما أن رئيس قوى المستقبل للتغيير د.غازي صلاح الدين صاحب مبادرات وطنية معلومة ومن بينها اتفاق أديس أبابا الذي أبرم بين آلية (7+7) والإمام الصادق المهدي والجبهة الثورية في حضور الوسيط الأفريقي ثابو امبيكي في 2015 كما أن للرجل علاقاته الممتدة مع الأحزاب السياسية والحركات المسلحة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي بل والمجتمع الدولي.

كذلك فإن الآلية التنسيقية ينبغي أن تُفوّض للوصول إلى اتفاق مع الممانعين لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تحقيق شمولية الحوار من خلال ضم الإمام المهدي والحركات المسلحة وتوقيع اتفاق يُنهي الحرب ويحقق السلام.

قبل ذلك يصعب أن نمضي في إنفاذ مخرجات الحوار خاصة تعيين رئيس الوزراء وإعادة تشكيل البرلمان من خلال إضافة ممثلين للقوى السياسية المشاركة في الحوار ومن بينها الذين لا يزالون في الخارج.

في اجتماع المؤتمر بالأمس ذكّرت المؤتمرين بأن على جميع القوى السياسية أن تعلم أننا أمام خيارين رأيناهما أمامنا رأي العين ..خيار الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا الذي صنع لنفسه ولبلاده مجداً حين تسامى على جراحاته وتغاضى عن (27) عاما قضاها في سجون جلّاديه ليصنع سلاماً وأمناً لجنوب افريقيا بعيداً عن استدعاء المرارات والثأرات، كما ذكرتهم بالمثال المحمدي في إعمال قيمة العفو والصفح وهو يقول مقولته الخالدة على مر التاريخ لمشركي مكة الذين آذوه وأصحابه وطردوهم من ديارهم : (اذهبوا فأنتم الطلقاء.

الخيار الآخر هو الحروب التي تفتك بدول كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فأبت إلا الخصام والشجار والحرب التي فتكت بها فتكاً وألقت بها في مهاوي الموت الزؤام والدمار والخراب والتشرد .

بربكم أي الخيارين علينا أن نختار لتجنيب بلادنا ما حدث في محيطنا الإقليمي؟

الصيحة