مقالات متنوعة

وإن طال الزمن..!


قبل نحو ثلاثة أشهر، تم دفن رفات 127 من ضحايا مذبحة (سربرنيتسا) التي وقعت خلال حرب البوسنة والهرسك، حيث تم التعرف على هويات بعض الضحايا ومن بينهم أطفال، في مشهد عصي على متابعته. تروي إحدى السيدات لـ (بي بي سي) “بعد سبع سنوات من المذبحة، قيل لنا إنه تم العثور على عظمين فقط من الرفات، لكن في الآونة الأخيرة عُثِر على عظام أخرى. ولهذا، قررنا أن ندفن الرفات التي عثرنا عليها”.

قبل نحو عامين، وفي أكتوبر 2014م، كان الزعيم الصربي السابق رادوفان كارديتش يقضي عشر ساعات أمام محكمة الجنايات الخاصة، مدافعاً عن نفسه من خلال مذكرة مكونة من 800 صفحة، استعرض فيها الطبيب النفسي تاريخه السياسي. مثل كارديتش أمام المحكمة لتوضيح موقفه في هذه المذبحة، وبعد توقيفه منذ العام 2008م الذي أنهى ملاحقة استمرت 13 عاماً، حوكم الرجل في 11 اتهاماً تتصل جميعها بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، انتهت المرافعة الطويلة بقبوله تحمل المسؤولية الأخلاقية لكل هذه الجرائم التي أقر بها لكنه أنكر إصدار أوامر بالقتل، مارس الماضي صدر حكم المحكمة بالسجن 40 عاماً، ثم تقدم كاراديتش بطلب استئناف في يوليو الماضي، لكن أصوات الضحايا لم تتوقف من الطالبة بالمزيد من العقاب.

حرب البوسنة التي امتدت من العام 1992 حتى العام 1995 والتي أُعتبرت من أكبر المجازر والمذابح بعد الحرب العالمية الثانية، في أوروبا طبعاً، والتي لا تزال صورتها عالقة في الأذهان لم تغلق صفحتها فالحرب الدامية التي شردت نحو 270000، وقُتل فيها نحو 100.000 شخص، حسب الإحصاءات المنشورة واجهوا سياسات تطهيرية من جميع أطراف القتال.

رغم أن المسافة الزمنية تبدو طويلة بين وقوع الجرائم التي ارتكبها نظام كارديتش ووقت محاكمته، خاصة بالنسبة للضحايا، حيث أنها تمتد لنحو 20 عاماً إلا أنه مثل أمام القضاء وأقر وتحمل المسؤولية الأخلاقية وهي المسؤولية الأعلى على الإطلاق.. العدالة تتحقق وإن تأخرت كثيراً، محاكمة كارديتش تُعيد رسم الصورة الدموية التي هي في الأصل حاضرة وخالدة في أذهان كل الذين عاصروا تلك الحرب التي لم تقد إلا إلى المزيد من التفكك وفقدان الآلاف من الأرواح التي لم تختار هذا المصير، هل يستشعر أمثال كاراديتش إزاء هذه الجرائم أية مسؤولية أخلاقية؟، هل تؤلمهم الآلاف المؤلفة من البشر الذين يموتون في البحر بحثاً عن وطن بديل، هل يستشعرون ندماً إزاء كل هذا الضياع والدمار الذي تسببوا فيه، وهل يستشعرون ولو مرةً أنهم تسببوا في تعطيل حياة ومصير الآلاف وأوقفوا نبض أوطان بأكملها؟!.

شمائل النور

التيار