تحقيقات وتقارير

منصب رئيس الوزراء.. هل بدأت لعبة الكراسي؟


هل أصبح منصب رئيس مجلس الوزراء بمثابة قنبلة موقوتة لنسف ما تم التوافق عليه خلال عامين من عمر الحوار الوطني؟.. أم أن إثارة الغبار الكثيف حول هذا المنصب لإعلاء قيمته وبالتالي استخدامه ضمن كروت التسوية في مرحلة اقتسام السلطة؟.. أم بدأت لعبة الكراسي الفارغة والمصارعة حول السلطة رغم تأكيدات المتحاورين بأن الوطن أولاً؟.. وهل بات في حكم المؤكد أن يستأثر المؤتمر الوطني بالمنصب؟.. أم سيتم التنازل عنه لإبداء حسن النية وتأكيد التزامه بتننفيذ مخرجات الحوار؟.. وهل سيتم إدراج المنصب ضمن حكومة الوفاق الوطني؟.. أم سينتظر التعديلات الدستورية المرتقبة ضمن مهام الحكومة الجديدة؟.. وهل سيكون المنصب الجديد خصماً على صلاحيات نواب رئيس الجمهورية؟.. وما هي جدوى وجود منصب نائبي الرئيس في ظل تقاسم السلطة بين الرئيس ورئيس مجلس الوزراء؟
هذه الأسئلة وأسئلة كثيرة ربما تدور في أذهان المراقبين لمجريات الأحداث في الأيام القليلة الماضية بعد أن احتدم الصراع لا سيما بين المؤتمرين ـ الوطني والشعبي ـ حول تولي المنصب بعد أن انحصر التنافس بين الحزبين في صمت المتحاورين من أحزاب وحركات.

فلاش باك
لم يكن المنصب محل الجدل من البدعة بمكان في السودان، بل شهدت فترات الحكم الديمقراطي من العهد الوطني عقب الاستعمار تجربة متقطعة من نظام الحكم البرلماني لا سيما في ظل حكومتي الزعيم إسماعيل الأزهري والإمام الصادق المهدي، وقد شغل كل من الأزهري والمهدي منصب رئيس مجلس الوزراء وكان الإمام المهدي من شغل المنصب منذ العام 1986 وحتى صبيحة 30 يونيو 1989 قبل انقلاب الإنقاذ واستيلائها على السلطة، بيد أن مخرجات الحوار الوطني أعادت المنصب إلى السطح من جديد لكن بشكل مختلف، حيث لم يغير المتحاورون من طبيعة نظام الحكم الرئاسي في السودان، ومع ذلك استحدث منصب رئاسة مجلس الوزراء في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد.

نظام مختلط
لكن الأمر عند القيادي بالمؤتمر الوطني والنائب البرلماني محمد الحسن الأمين لا يعدو كون أن البلاد ستشهد في الفترة المقبلة نظاماً جديداً يسمى بالنظام المختلط وهو نظام يخلط بين نظامي الحكم ـ الرئاسي والبرلماني ـ وبالتالي فإن هذا النظام يقبل فكرة استحداث منصب رئيس مجلس وزراء بصلاحيات محددة على أن يتم تعيين من يتولى حقيبته من قبل رئيس الجمهورية، وكذلك يتولى أمر عزله الرئيس وتتم محاسبته من قبل البرلمان. لكن ما هي قيمة هذا المنصب في ظل نظام الحكم الغريب؟ الإجابة كانت حاضرة عند الرجل رغم أنه قال إن المنصب لا يعدو كونه يتحمل من يتولى أمره بعض الأعباء عن رئيس الجمهورية، إلا أنه يرى أن رئيس الوزراء له سلطات تنفيذية كبيرة تتمثل في إدارة مجلس الوزراء وإصدار بعض القرارات الخاصة وهو المسؤول الأول عن أداء الوزارات وفي بعض الدول يسمى بـ(الوزير الأول)، ونوه الأمين إلى أن رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب لا يخضع للمحاسبة والمساءلة من البرلمان لجهة أنه على درجة واحدة مع النواب، بيد أن رئيس الوزراء يخضع للمحاسبة والمساءلة والمطالبة بعزله من قبل نواب البرلمان.

حديث بدعة
المنصب بصورته الحالية كان محل نقد واسع من قبل أساتذة علوم سياسية وخبراء في القانون الدستوري، حيث قدم الخبير القانوني الطيّب العباسي مرافعة قوية وضعت الذين مرروا التوصية في قفص الاتهام لا سيما فيما يتعلق بسلطة التعيين والعزل لمن يتولى المنصب، وقال العباسي إن إطلاق يد رئيس الجمهورية وإعطاءه سلطتي التعيين والعزل جعلت المنصب بلا قيمة، وأضاف أن الوضع في الحكومات السابقة كان أكثر جدوى وطبق نظام الحكم تطبيقاً سليماً وكانت للمنصب قوة إرادة في اتخاذ القرارات وتفرض عليه رقابة واحدة فقط من قبل الهيئة التشريعية، لكن وضعيته الحالية تجعله كما الوزير العادي، وحذّر من السجال الحالي حول المنصب بين المؤتمر الوطني وأحزاب الحوار، في وقت استهجن فيه تصريحات نافع وإبراهيم محمود حول أحقية المؤتمر الوطني بالمنصب، واعتبر العباسي أن تصريحاتهما خرجت عن القيم الوطنية المطلوبة في ظل الحوار وحديثهما بمثابة بدعة لأنه حديث يصب في احتكار منصب لجهة سياسية وهو انتهاك واضح لما تم الاتفاق عليه داخل قاعة الصداقة واستعجال لنتائج، ودفع بمقترحات عن الشخصية التي تتولى المنصب، ورأى أن تكون غير طاعنة في السن وذات كفاءة علمية.

حديث مزاجي
القيادي بالمؤتر الشعبي عمار السجاد تمسك بموقفه السابق حول إلغاء منصبي نائب الرئيس، واستبعد أن يكون حديثه مزاجياً وإنما بناءً على توصيات الحوار التي تم التوافق عليها والتي تنص على أن الرئيس سيختار نائباً واحداً مما يعني أن النواب الموجودين الآن سيتم إبعادهم، وتساءل عن جدوى وجود نائبين للرئيس بعد استحداث منصب رئيس وزراء خصوصاً وأن المنصب الهدف منه تقاسم الصلاحيات والسلطة بينه وبين الرئيس.
وحول ما يثار عن رغبة الشعبي في أن يكون المنصب الجديد من نصيبه، قال السجاد إن الشعبي لا يرغب المشاركة في حكومة الوفاق المقبلة، وبالتالي لا يمكن اتهامنا بالمحاصصة، وأبدى السجاد امتعاضه من ما يصدر من تصريحات من قيادات المؤتمر الوطني، وقال حديثهم يتنافى تماماً مع ما يردده رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عن إصلاح حقيقي ينشده من الحوار، ووصف تمسك الوطني بالمنصب بغير الصحيح، داعياً لتعظيم الحوار لا تجريحه.

إضفاء قيمة
فيما وصف المحلل السياسي راشد التيجاني سليمان المساجلات بين الوطني والشعبي بالمتوقعة بعد الانتقال من معركة التوصيات للتنفيذ على أرض الواقع، ويرى أن المنصب لا يمنع وجود نائب للرئيس وإنما سيؤثر في صلاحياته وسيتحول ترتيب نائب الرئيس للرجل رقم ثلاثة في الدولة بدلاً عن الثاني، قبل أن يعود ويقول إن الحديث عن المنصب ومن يشغله حديث سابق لأوانه، لارتباطه بتغيير الدستور لأن الدستور الحالي لا ينص على وجود المنصب، ومن المعروف أن الدستور مخول بتعديله حكومة الوفاق، وبالتالي حسبما يرى راشد، فإن الحكومة الجديدة لن تتضمن في حقائبها المنصب المذكور، واستبعد أن يذهب المنصب للوطني لإبعاد تهمة الهيمنة على مخرجات الحوار من قبل الوطني، وعزا راشد في حديث لـ(آخر لحظة)، الحديث الكثيف عن المنصب لإضفاء سقف قيمة المنصب في سوق الانتقالات السياسية، ولتأكيد أن المنصب ليس بالسهل للتنازل عنه بكل بساطة، وتوقع أن يستخدم كالجزرة من قبل الحكومة في أي مفاوضات يمكن أن تتم مع حزب الأمة في الفترة المقبلة.
واختتم التيجاني حديثه للصحيفة بالقول إن شيطان التفاصيل دخل في مخرجات الحوار التي تم التوافق عليها بعد عامين من التحاور.

الخرطوم: علي الدالي- عمر دمباي
صحيفة آخر لحظة