تحقيقات وتقارير

تلاحقهن نظرة المجتمع السالبة طالبات الداخليات.. الشر يعم والخير يخص


أمين صندوق الطلاب بالخرطوم: نعمل جاهدين لمحاصرة الظواهر السالبة

مالك داخلية خاصة: الداخليات العشوائية تشكل خطرًا داهماً

طالبات: المجتمع يظلمنا بتعميمه المخل

لم تجد الطالبة الجامعية التي أوقفتها شرطة النظام العام بالكلاكلة في شقة مفروشة بحي جبرة مع مجموعة من الشباب تمارس أعمالاً فاضحة، غير دموعها للحيلولة دون إيقاع القاضي عقوبة رادعة عليها، وتوسلت إليه بأن يطلق سراحها بدعوى أن حياتها ستتعرض للخطر إذا وصل نبأ فعلها إلى أسرتها، ولأن تقدير الأمر يعود إليه فقد أصدر القاضي حكماً مخففاً عليها وتمثل في الغرامة والجلد عوضاً عن السجن، تلك الحادثة التي تصدرت بعض عناوين الصحف بالخرطوم في النصف الأول من هذا العام لم تكن الأولى أو الأخيرة، ومثل هذه الحوادث الأخلاقية كثيراً ما تلصق بثوب طالبات الداخليات، وهنا نسأل لماذا تطالهن الاتهامات دوماً، وهل يتعامل معهن المجتمع بمبدأ الخير يخص والشر يعم، وهل توجد طالبات بالداخليات خرجن عن جادة الطريق، وما هو دور صندوق رعاية الطلاب المسؤول عنهن؟

نظرة عن قرب
للاستيثاق أكثر عن حقيقة هذه الاتهامات فقد توجهت “الصيحة” الى عدد من داخليات البنات التابعة لصندوق رعاية الطلاب وأخرى خاصة يشرف عليها أيضاً، وسألن عددا منهن عن الاتهامات التي توجه نحوهن، وكذلك طرحنا الاستفسار على عدد من المشرفات وأمين صندوق رعاية الطلاب بولاية الخرطوم التي تحتضن أحد عشر مجمعاً سكنياً للطلاب والطالبات يقطنه 37 ألفاً من البنين والبنات، والشاهد أن تفاعل كل من طرحنا عليه تساؤلنا كان كبيراً خاصة الطالبات اللواتي لم يتهربن منه أو يستنكرنه، فقد شعرنا برغبة ملحة منهن للحديث عن هذه القضية، وأيضاً فإن علامات الاستياء التي ارتسمت على وجوه الكثير منهن استنتجنا منها ضيقهن بالاتهامات التي يوجهها نحوهن المجتمع، واللافت في الأمر اتصافهن بالشجاعة، وهن يتحدثن عن هذه القضية باعترافهن بوجود الصالحات والطالحات في كل مجتمع.

شهادة مشرفة
بثينة محمد الحسن مشرفة مناشط بداخلية الزهراء بالبركس المخصص لطالبات جامعات الخرطوم، سألتها عن الاتهام الموجه نحو طالبات الداخليات فبدا على ملامحها الرفض، وطلبت أن توضح أشياء ترى أنها ذات صلة بالموضوع ومهمة قبل التعليق على الاتهام، وقالت إن صندوق رعاية الطلاب يفرد اهتماماً كبيراً لمناشط الطالبات اللواتي يسكن في الداخليات وذلك لتحقيق الكثير من الفوائد الاجتماعية والثقافية والرياضية والقيمية، وتضرب مثلاً بمجمع الزهراء وتقول إنه يضم تسع جمعيات متنوعة تمارس عبرها الطالبات مختلف المناشط التي لا تقل أهمية عن الجانب الأكاديمي، وتلفت إلى أن الطالبات بالداخلية يحرصن على المشاركة في الأنشطة بل ويفردن اهتماما كبيراً بنظافة وإصحاح بيئة سكنهن بالإضافة إلى تواجدهن بالمسجد في الصلوات الخمس، وقالت إن المحاضرات الدينية والأنشطة الثقافية والرياضية برامج راتبة لا تغيب عن الداخلية وترى أنها بمثابة المتنفس للطالبة والوعاء الذي يساعدهن على التجانس وتفجير مواهبهن، أما فيما يتعلق بالاتهام الموجه نحو قاطني الداخليات، فقد أكدت بثينة محمد الحسن أنها وطوال عملها في الإشراف لم تلاحظ سلوكيات مخالفة في طالبة، وتعتبر انضباطهن في الحضور قبل الزمن المحدد وحرص معظمهن على التواجد في الداخلية عقب نهاية اليوم الدراسي دليلاً علا أنهن يصرفن اهتمامهن صوب التحصيل الأكاديمي فقط، وترى أن المجتمع يوقع ظلماً فادحًا عليهن وذلك بحكم انطباعي غير مسنود بأدلة تعضده.

انطباع خاطئ
من ناحيتها، تجزم المشرفة التربوية بصندوق رعاية الطلاب بالخرطوم هالة عمر بأن انطباع المجتمع عن طالبات الداخليات خاطئ ولا أساس له من الصحة، وتبدي تعجبها من إصرار البعض على إلصاق مثل هذه الاتهامات بثوب الطالبات اللائي تصفهن بالمنضبات أخلاقياً، وتقول لـ(الصيحة) إن حديثها هذا ليس عاطفياً ولا مجاملة بل يأتي من واقع عملها مشرفة تربوية بالداخليات، وتؤكد أنها ومن خلال تعاملها معهن فإنهن يتمتعن بأخلاق رفيعة وحرص على الابتعاد عن الشبهات بحضورهن المبكر والمباشر إلى الداخليات عقب نهاية اليوم الدراسي، وقالت حتى اللواتي يتأخرن فإنهن يحرصن على التواجد في الداخلية قبل موعد صلاة المغرب.

اختلاف وتباين
كان ذلك رأي اثنتين من المشرفات، ماذا عن الطالبات وكيف ينظرن إلى هذا الاتهام.

تقول الطالبة بجامعة الخرطوم والتي تقيم بداخلية الزهراء، مهجة عبد الرحيم عمر إن إطلاق مثل هذه الاتهامات سهل ولكن إثباته يبدو عسيراً على مردده، وتشير في حديثها لـ(الصيحة) الى أن التعميم في هكذا قضايا يعتبر ظالماً يوقع اضراراً نفسية على أبرياء يتصفون بحسن الخلق، وتضيف: لابد من التأكيد على حقيقة بالغة الأهمية وهي أن الناس تختلف في ثقافاتها وسلوكياتها وتربيتها، نعم بعض الطالبات عندما يدخلن الجامعات ويسكن بالداخليات يحدث لبعضهن انفتاح وهذا ربما يعود إلى أنهن كن يعشن حياة مغلقة، وربما يحدث لهن تغيير في السلوك، ولكن لا يمكن الجزم بحدوثه، وتقول مهجة إن الكثير من الطالبات ومن خلال تجربتها بالداخلية، فإنهن يحرصن على الابتعاد تماماً عن الشبهات، وتؤكد أن سلوكهن الذي اتصفن به قبل دخول الجامعة يحافظن عليه حتى التخرج، وطالبت المجتمع باتقاء الله فيهن.

سمع وشوف
أما زميلتها بذات الداخلية مناهل إدريس، فقد أكدت أنها تسمع أحاديث عن إنحراف سلوك طالبات الداخليات، ولكنها بعد أن أقسمت بالله لم يسبق لها ان رأت طالبات يقدمن علي الاتيان بأفعال فاحشة، وتتفق مع زميلتها مهجة عبد الرحيم مع حدوث تغيير طفيف في سلوك بعض الطالبات بأن ينفتحن، ولكن أيضاً تؤكد أن هذا يحدث في حدود لا يمكن تجاوزها.

الصالح والطالح
في داخلية الشهيد الزبير محمد صالح ببحري للطالبات، فإن أكثر ما لفت نظرنا يوم زيارتنا بروز المظهر السوداني على الطالبات حيث صادفت جولتنا يوم السبت الذي يعتبر عطلة في معظم الجامعات، فاللواتي وجدناهن كن يراجعن دروسهن تحت ظلال الأشجار والمظلات وأولئك اللاتي يقبعن في المسجد الذي يتوسط المبنى الأنيق ذي الطوابق الأربعة، أو المتواجدات في الغرف والردهات فكن جميعًا يرتدين الثوب السوداني في مشهد يثير الإعجاب، ويؤكد مدى التمسك بالموروث رغم رياح التغيير العاتية التي ضربت المجتمعات بمختلف الدول الإسلامية والعربية ولم يكن السودان استثناء، وأكثر ما نال إعجابنا مساعدة الطالبات للعاملات المسؤولات عن النظافة فكن يعملن معهن بمهمة ونشاط وتولين أمر “مسح السراميك”، وعلمنا أن الطالبات يحرصن عليها وأنهن لا يكتفين بنظافة غرفهن، في هذه الداخلية التي توجد بها كل السحنات السودانية، التقيت طالبتين إحداهن تحدثت في موضوع مختلف، والأخرى طلبت حجب اسمها ولم ترفض الإدلاء بوجهة نظرها حول الاتهامات التي توجه صوب طالبات الداخليات، وقالت: يجب في البدء التأكيد على أن كل مجتمع يوجد به الصالح والطالح، وأن المدينة الفاضلة التي ينشدها الجميع ويتمناها واقعاً معاشاً لا يمكن تحققها لأنها لم تتجسد حتى في أعظم عهود الدولة الإسلامية على مر الحقب والفترات، وترى أنه واستنادًا على هذه الحقيقة فإن وجود طالبات منحرفات سلوكياً بالداخليات ليس مستبعداً، وهو أمر وارد الحدوث، إلا أن الطالبة بجامعة الزعيم الأزهري فتعتقد بأن الحديث في هكذا مواضيع يجب أن يكون عبر إيراد نسب وإحصاءات، وتضيف: ما أستطيع تأكيده أنه حتى ولو افترضنا جدلاً صحة وجود طالبات خرجن عن الخلق القويم فإن نسبتهن في أسوأ الاحتمالات لن تتجاوز الـ1% من جملة قاطنات الداخليات، وتقول إن حديثها هذا يأتي استنادًا على معايشتها للطالبات بالداخليات لثلاث سنوات، وأن معظمهن إن لم يكن جلهن يدركن أن المجتمع ينظر إليهن نظرة سالبة، لذا فإنهن حريصات على سمعتهن والابتعاد عن كل ما يلوثها، وتطالب المجتمع عوضاً عن إطلاق الاتهامات بالغوص في هذه القضية بعمق وإجراء دراسة حقيقية وصادقة لتوضيح الصورة كاملة والعمل على معالجة السلبيات “إن وجدت”.

شر عم وخير يخص
طالبة بداخلية على عبد الفتاح رأت أهمية عدم إيراد اسمها، وقالت وهي تحدثني إن أبرز سلبيات المجتمع السوداني تتمثل في إطلاق الأحكام وتعميمها، معتبره أن هذا أمراً مخلاً، وتضيف: أنت صحفي فهل ترضى حينما يقول أحدهم إن كل الصحفيين مرتشون أو تابعين لجهاز الأمن والمؤتمر الوطني، وواصلت حديثها دون انتظار إجابة مني وضربت مثلاً آخر باتهام كل أعضاء المؤتمر الوطني بالفساد والمعارضة بالعمالة الخارجية، ورأت أنه في كلا الاتهامين ظلم يقع على أبرياء بالحزب الحاكم والقوى السياسية بالمعارضة، وقالت إن الأمثلة كثيرة، وإن كل مجتمع يوجد به الصالح والطالح وأن هذه سنة الله في الكون، ولا تستبعد وجود طالبات منحرفات في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إلا أنها تشدد على ضعف نسبتهن، وتجزم بأن أصل كل فتاة سودانية مشبع بالقيم والأخلاق وأن الظروف هي التي تتحكم في التمسك بها.

وماذا عنها
تلك إفادات تتعلق بالداخليات الحكومية التي يديرها الصندوق القومي لرعاية الطلاب، فماذا عن تلك التي تسمى بالخاصة التي يديرها مواطنون وفقاً لاشتراطات الصندوق، هل ينطبق على قاطناتها ذات انطباع المجتمع واتهامه، يجيب صاحب داخلية الصفا والمروة بأركويت، أحمد عثمان محمد عبد الرحيم، ويقول في حديث لـ(الصيحة) إن هذا الاتهام ومن خلال عمله في مجال الداخليات الخاصة يبدو غير واقعي، ولا أساس له من الصحة، ويبدي أسفه على إطلاقه بحق أخوات اليوم وأمهات الغد، وقال إن ترديد مثل هذه الاتهامات من شأنه التأثير سلبًا حتى على موافقة أولياء الأمور على إلحاق البنات بالتعليم الجامعي، غير أن أحمد عثمان يلفت إلى أمر يعتبره في غاية الأهمية، ويشير إلى أن انضباط الطالبات بالداخليات الخاصة يتوقف على حزم الإدارة وعدم مجاملتها في تطبيق اللوائح التي يضعها صندوق رعاية الطلاب، ويقول إنه لا يتوانى في إبعاد كل من تخالفها، ويضيف: هنا لابد من الإشارة إلى أن بعض الطالبات يضقن ذرعًا بالقيود التي نفرضها ونتشدد فيها فيلجأن الى ممارسة الابتزاز من أجل تخفيفها وذلك بالتهديد بترك الداخلية، وهذا السلوك الخاطئ لا يجد استجابة منا وهن لا يقدمن عليه إلا حينما يعلمن أن صاحب الداخلية يمر بظروف مادية صعبة، ويقول إن الكثير من أصحاب الداخليات خاصة الرجال يرفضون الابتزاز ويعتبرون اللوائح خطاً أحمر لأن الطالبات أمانة يجب المحافظة عليها حتى وإن تمردن، ويلفت أحمد إلى أن صندوق رعاية الطلاب وهو الجهة التي تشرف على الداخليات الخاصة يظهر حرصاً واضحاً على تطبيق اللوائح، ويشدد عليها من خلال زياراته الرقابية والتفتيشية، غير أن أحمد يرى أن الخطر يكمن في الداخليات العشوائية التي أكد انتشارها، وعرفها بأنها مساكن غير مصدق بها من قبل صندوق رعاية الطلاب واللجان الشعبية، تستضيف الطالبات بأسعار زهيدة ولا تطبق فيها اللوائح، ورأى ضرورة خضوعها للتفتيش وإيقافها إلى حين ترتيب أوضاعها حتى لا تصبح ثغرة تسهم في انحراف طالبات، ويقول: الانضباط وتطبيق اللوائح بتشدد وحزم هو الإجراء الوحيد بيد الصندوق وأصحاب الداخليات الخاصة فيجب الحفاظ عليه.

إقرار ومعالجات
إذن تلك إفادات متنوعة، وهنا نسأل صندوق رعاية الطلاب عن الاتهامات التي توجه صوب طالبات الداخليات وهل توجد انحرافات، وماذا يفعلون حيال هذه القضية، يجيب أمين الصندوق بولاية الخرطوم، معاوية عبد الله عبد الماجد، مبيناً وجود 343 ألف طالب وطالبة يدرسون بجامعات الخرطوم، وقال إن الصندوق يوفر السكن لعدد 37 ألفاً، وقال إن الصندوق ومن أجل مساعدة الطلاب أصحاب الإمكانيات المادية الضعيفة عمل على تنفيذ مشروع التسليف، بالإضافة إلى تقديم دعم مادي شهري لعدد يقترب من المائة ألف طالب، ويؤكد أن الصندوق يبذل مجهودات مقدرة وجبارة في محور سلوكيات من يقطنون الداخليات خاصة الفتيات، ويشير إلى أن هذه القضية تستحوذ على اهتمام الكثير من الجهات الحكومية التي تعمل معهم في هذا الصدد، ويضيف: لا يمكن أن نقول إن سلوكيات من يقطنون الداخليات وصلت نسبة 100% من الانضباط والالتزام، ولكن ما نستطيع تأكيده أن الكثير من الجهات الحكومية تبذل مع الصندوق مجهودات مقدرة للحفاظ على جيل الغد بعيداً عن كل المؤثرات التي من شأنها الإضرار بالسلوكيات، ويعترف أمين الصندوق بولاية الخرطوم بفصل طالبات وطلاب لفرض الانضباط، ويقول إنهم يركزون على محور العمل الدعوي الذي يسهم في ترقية السلوك والحفاظ على الخلق القويم بالإضافة إلى المعالجات الاقتصادية، مؤكداً أن الجانب السلوكي من المحاور التي تحظى باهتمام بالغ من الصندوق لجهة أن من يقطن الداخليات أمانة في أعانقهم حسبما يؤكدـ.

تحقيق: صديق رمضان
صحيفة الصيحة