عالمية

هل ينقذ “رجال مبارك” اقتصاد “السيسي” من كبوته؟!


يواجه المواطن المصرى، تحديات كبيرة، فى الوقت الراهن، لعل أبرزها الارتفاع الكبير فى أسعار السلع والخدمات، والذى يأتى مع اتجاه الحكومة لفرض ضريبة القيمة المضافة، والتى سبقها رفع أسعار الكهرباء والمياه، مع وجود نية لرفع أسعار تذاكر المترو، واتجاه الحكومة الفترة المقبلة نحو تعويم الجنيه، الأمر الذى سيكون له الأثر الأكبر على ارتفاع الأسعار، مقارنة بما هو حالى.

ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فتنفيذًا لخطة صندوق النقد الدولى، من المفترض أن يتم رفع الدعم عن الوقود، والمفترض أن يستمر حتى ثلاث سنوات، كما صرحت وزارة البترول، وبين هذه التحديات تطلب الحكومة الحالية برئاسة شريف إسماعيل، من المواطنين أن يواجهوا هذه التكاليف فى ظل دخل محدود، لعملة تفقد قيمتها الشرائية كل يوم، فى ظل الفجوة الكبيرة بين الاستيراد والتصدير الذى تعيشه البلاد، ووجود عجز بالموازنة يصل إلى 31 مليار دولار، تتجه الحكومة إلى سده عن طريق اقتراض 12مليار دولار من صندوق النقد على 3 سنوات، والذى يشترطرفع الدعم، وتعويم الجنيه، وتخصيص شركات القطاع العام.

رجال مبارك

وفى الفترة الأخيرة، مع بدأ الحكومة الخطوات الفعلية لتنفيذ شروط صندوق النقد، نجد صعودًا لنجم ثلاثة من رجال مبارك، الذين شكلوا منعطفًا خطيرًا للاقتصاد فى السنوات الآخيرة من عهد مبارك، ولعل أبرزهم أحمد عز، أمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى سابقًا ورئيس لجنة الخطة والموازنة الأسبق، ويوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، ومحمود محيى الدين، وزير الاستثمار الأسبق، والذى أصبح مؤخرًا النائب الأول لرئيس البنك الدولى.

وقد عرض رجال مبارك، تقديم استشارات اقتصادية لمصر للنهوض من كبوتها سواء بحكم خبراتهم الاقتصادية السابقة أو بحكم مناصبهم الدولية الحالية، إلا أن النظام الحاكم لم يصدر منه رد حاسم حتى الآن فى مدى مشاركة رجال مبارك من عدمه فى الإصلاح الاقتصادى الحالي.

وفى إطار ذلك رصدت دعوات رجال مبارك لإصلاح الاقتصاد المصرى حاليًا ومدى تجاوب نظام السيسى مع هذه الدعوات الاقتصادية.

“عز”.. دعوة للتفاؤل المخرج المثالى من الأزمة الاقتصادية

عاد المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل ورئيس لجنة الخطة والموازنة الأسبق، إلى الساحة السياسية من جديد، ليس من خلال حزب، ولكنه اختار أن يكون ظهوره من خلال مقال نشر بجريدة “المصرى اليوم” تحت عنوان “دعوة للتفاؤل”، وبدأها مبررًا لسبب كتابته للمقال، والذى قال بأنه دافع وطنى وليس العودة للظهور فى الحياة العامة من جديد بحسب زعمه، داعيًا المصريين لعدم التشاؤم من خلال “روشتة” وضعها لعلاج الاقتصاد المصرى من عثراته، مستندًا إلى نسبة النمو الاقتصادى التى تحققت منذ 2004وحتى 2011 والتى وصلت من 5-7%، والتى لم يوضح فى مقاله كيف تحقق هذا المعدل؟ وهل كان بزيادة حقيقية فى قدرة الاقتصاد على النهوض بصناعات حقيقية، وزيادة فى حجم الصادرات، أم من خلال الخصخصة، وتعويم سعر الجنيه، ورفع الدعم، وتناسى الرد على السؤال الأصعب، وهو لماذا لم يشعر المصريون بهذا المعدل فى النمو إذا كان حقيقيًا؟.

ويبدو عز، فى مقاله واثقًا بشكل مبالغ فيه من أطروحته، خاصة أنه يحاول أن يطمئن المصريين بعدما ذاقوا ويلات السياست الاحتكارية التى كان يمارسها، بأن الوضع ليس كما يصور لهم من خلال رصده بأن الحكومة المصرية مدينة لنفسها، بمعنى أنها اقترضت من المصريين بنسبة 80% من إجمالى الدين العام الذى تجاوز 100% من الناتج المحلى، فى ظل تشكيك الخبراء فى هذا الرقم لأن هناك ديونًا خارجية تناساها،إضافة إلى مدخرات المصريين فى قناة السويس الجديدة.

واعتبر عز، أن الاقتراض من صندوق النقد أمرًا طبيعيًا تلجأ إليه الدول، فى ظل كلامه عن قدرة مصر على تحمل ديون خارجية تصل إلى 30 مليار دولار وليس مجرد 3 مليارات دولار سنويًا على مدار 3 سنوات، متناسيًا أن التكلفة لهذا القرض سيتحملها فقراء الشعب فى ظل فوائد وشروط يضعها الصندوق من أجل الموافقة على القرض، يتضرر منها بشكل مباشر الطبقات المتوسطة ومحدودى الدخل.

وعاد عز، للتلويح فى مقاله بآليات رفع الدعم وتعويم سعر الجنيه لمعالجة الاقتصاد فى محاولة للتبرير بأن الشعب سيواجه صعوبة فى الأسعار فى بادئ الأمر، لكنها ستؤتى بثمارها على المدى الطويل مع اعتياد الشعب على ذلك الارتفاع، والذى يبدو أن الحكومة الحالية تسير على نفس الدرب فى هذه “الروشتة” بخطى حثيثة.

ديون وقروض

يقول الدكتور أحمد فرغلى الخبير الاقتصادى وعميد كلية التجارة بعين شمس سابقًا: إن الأطروحات التى يتم تداولها حاليًا من أجل مواجهة عجز الموازنة لا تجدى فى ظل وجود نسبة إنفاق كبيرة سواء فى القطاع العام أو الحكومى، والذى لا تعمل الحكومة على خفضه.

وأشار فرغلي، إلى أن الحديث عن تحقيق معدل نمو 8% من أجل سد عجز الموازنة لن يكون كافيًا، مشيرًا إلى ضرورة الاتجاه إلى الصناعات ذات العائد السريع والابتعاد عن المشروعات طويلة الأجل فى مردودها الاقتصادى، وتقليل الاستيراد على قدر الأمكان حتى يُعطى فرصة للصناعات المحلية أن تجود من نفسها وتنافس.

وعن تحقيق معدل نمو يصل إلى 7% فى أواخر عهد مبارك، قال فرغلى، إن هذا الرقم كان محدودًا على قطاعات معينة، وبالتالى لم يشعر به فقراء الشعب فى ظل عدم وجود عدالة فى توزيعه، مع وضع فى الاعتبار وجود السياحة وقتها والتى كان لها دور كبير فى الوصول إلى هذا الرقم.

وفيما يخص الديون الخارجية والداخلية، لفت فرغلى، إلى أن ما يتم طرحه من أن مصر مدينة لنفسها بـ80% رقم يحتاج إلى إعادة نظر، لأن الديون الداخلية كبيرة يدخل فيها مدخرات المصريين فى مشروع قناة السويس الجديدة، إضافة، إلى حجم الدين الخارجى الذى لايعد بسيطًا كما يريد أن يصوره البعض.

وأكد فرغلي، أن المشكلة ليست فى الاقتراض من صندوق النقد أو غيره، ولكن تكمن فى التعامل الحكومى مع هذه الأموال، وهل ستحسن استخدامها أم سيتم إنفاقها على المصروفات الحكومية، دون توجيها إلى مشروعات تعمل على تحقيق أرباح لأنه فى النهاية قرض يحتاج إلى أن يرد بجانب الفائدة، موضحًا ضرورة أن يكون العائد من استخدام القرض أكبر من تكلفة الحصول عليه.

وطالب فرغلى، الحكومة بإعادة فتح المصانع المغلقة، والاهتمام بالصناعات المختلفة مثل صناعة الغزل والنسيج، فى ظل وجود طاقة معطلة إذا تم استخدامها بشكل جيد ستعمل على سد عجز الموازنة، مشددًا فى الوقت نفسه على ضرورة الاهتمام بحجم التالف من الإنتاج الزراعى والذى يصل إلى 40%، والذى إذا أحسن استخدامه من خلال مصانع قريبة تعمل على تطوير التصنيع الزراعى ستحدث طفرة كبيرة فى مجال الصناعة.

“غالى ومحيى الدين” ينتظران المشاركة فى الإصلاح الاقتصادى

عاد وزير الاستثمار الأسبق محمود محيى الدين، ويوسف غالى وزير المالية الأسبق، إلى الظهور، وبالتحديد من خلال البنك الدولى، وصندوق النقد الدولي، فالأول تولى منصب نائب رئيس البنك الدولى، أما غالى فكان ظهوره من خلال التواجد فى اجتماعات صندوق النقد الدولى بواشنطن، للمشاركة فى وضع برنامج إصلاحى لدولتى نيجيريا وأنجولا، وما أثير عن عرضه تقديم استشارات اقتصادية لمصر للنهوض من كبوتها الاقتصادية، ليفتح ذلك الأمر الباب على مصراعيه حول إمكانية مساعدة رجال مبارك للاقتصاد المصرى فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعانيها البلاد، خاصة بعد طرح اسم محيى الدين لتولى رئاسة الحكومة بدلاً من شريف إسماعيل.

مصر مليئة بالخبرات

تقول الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: إن وجود شخصيات مثل يوسف غالى أو محمود محيى الدين لن يساعد أو يسهل من إجراءات قرض صندوق النقد الدولى الذى يتطلب شروط محددة ينبغى على الدولة المتقدمة له بقرض أن تنفذها.

وأوضحت الحماقي، أن وزير المالية الأسبق يواجه قضايا داخل مصر، وبالتالى فكرة أن يتم تصديره فى موضوع القرض لن تؤدى إلى شىء، خاصة أن البلاد مليئة بالخبرات التى لا تقل كفاءة عنه، فى ضوء شرط صندوق النقد لخفض عجز الموازنة حتى تضمن قدرة البلاد على سداد القرض.

الحصيلة الدولارية

ولفتت الحماقي، إلى أن فكرة تعويم الجنيه التى تنتهجها الحكومة، تكون بتحديد السعر الحقيقى للدولار أمام الجنيه، وترك الأمر للعرض والطلب، الأمر الذى يتطلب أمامه قيام الحكومة بحزمة من الإجراءات تعمل على تقليل الطلب على الدولار، وليس كما تقوم الآن بترك الأمر لتجار السوق السوداء بأن يحددوا سعره، مع عدم وجود خطة لحماية الفقراء، الذين يدفعون ثمن هذه الإجرءات مع عدم وجود رقابة على الأسواق للحد من الارتفاع الذى يقوم بها التجار بشكل مبالغ فيه دون مراعاة لأى ضوابط أخلاقية وقانونية، مع وجود أيادى تسيطر على الأسواق، وتحاول أن تلعب بها من أجل تحقيق أرباح خيالية على حساب فقراء الشعب.

وطالبت الحماقى، الحكومة بتطبيق سياسة تضمن زيادة الحصيلة الدولارية، من خلال تشجيع التصدير والاهتمام بالصناعة المحلية، وزيادة الإنتاج، وليس الاعتماد على الألية الحالية التى تقوم بتطبيق سياسة اقتصادية معينة ولا تتبعه بإجراءات تعمل على ضبط الأسعار، وترك المواطنين لجشع التجار والسوق السوداء.

بوابة القاهرة