تحقيقات وتقارير

الحكومة تراهن عليه في إقالة عثرة القطاع الصحي مستشفى إبراهيم مالك.. ضيق المواعين يفسد جودة الخدمة


ثلاثة مرضى في سرير واحد في عنبر الأطفال وشكوى من رداءة الخدمات

مرافقة: الخدمات ممتازة والأطباء يعملون بكفاءة “ولولا جهدهم لساءت حالة المرضى”

مرافق: وجودي في المستشفى تسبب في رفع ضغط الدم لأن البيئة غير صالحة

طبيبة: المرافقون يتهموننا بالتقصير وهذا ليس صحيحاً ولابد من تحسين المعينات الطبية

يقول الشاب عثمان عند الساعة الثالثة صباحاً أصيبت شقيقي بمرض مفاجئ فقررنا أخذها لمستشفى إبراهيم مالك لقربها من موقع سكن الأسرة، ولكن حينما وصلنا قسم الحوادث ألجمتنا الدهشة، فقد كان اكتظاظ المرضى وتدافعهم طلباً للعلاج أكبر من كل التصورات. ومضى عثمان قائلاً: يومها كان يوجد ثلاثة أطباء امتياز فقط، مشيرًا إلى أن بعض المرضى لم يجدوا غير الاستلقاء على الأرض لحين مقابلة الطبيب، وقال إن ذات الشيء تكرر في عنبر الحوادث، مضيفاً أنهم لم يجدوا بعد ذلك حلاً غير التوجه نحو مستشفى خاص لإكمال علاج شقيقتهم.. ومن خلال تجوال “الصيحة” بالمستشفى الذي يقع جنوب مركز الخرطوم تأكد لنا أنه في طريقه للانهيار لأنه يتحمل فوق طاقته.

يا دكتورة
أثناء مرور “الصيحة” بعنبر الجراحة، لفت انتباهي أحد المرافقين عندما قال لي غاضباً: “مواعيد الجرعة فاتت قبيل يا دكتورة انتو وين” فأجبته بأنني لست طبيبة، وبعدها ذهبت أدراجي لمكتب الممرضات وطلبت من إحداهن أن تأتي لتعطي المريض جرعته وأخبرتها أن ابن المريض كاد أن يعطيه الجرعه بنفسه فأجابتني متضجرة “يتحمل مسؤوليته” فما كان منا إلا مراقبة المرافق حتى لا يخطئ ويعطي المريض الجرعة ثم تركناه متوجهاً لمكتب “السسترات”

اكتظاظ بعنبر الأطفال
بعدها توجهنا نحو عنبر الأطفال الذي بدا مزدحماً، وهناك لفت انتباهي منظر امرأة كانت تحمل ابنتها التي يبدو عليها الإعياء. والمشهد لا يحتاج أن أسألها عن السبب لأنه يفسر نفسه، رغم أن عنبر الأطفال كبير جداً إلا أنه تنقصه التهوية إذ اتضح أن العنبر لا توجد به حتى مروحة واحدة، وما كان مثيراً للدهشة أن ثلاثة أطفال تبدو عليهم علامات المرض نائمون في سرير واحد، وهو ما دفعني لكي أسأل والدة أحدهم عن السبب فأجابتني أن الأطفال المرضى يُخصص لكل اثنين منهما سريراً واحداً فقاطعتها بقولي إنهم ثلاثة فأجابتني قائلة: إنه في بعض الأحيان يضطر الأطباء لذلك عندما يرون عدد الأطفال كبيراً.

الجراحة والتردي
وفي عنبر الجراحة كان الوضع مؤسفاً، لدرجة أن مياه الدورات تسربت إلى الأرضية، هذا غير معاناة المرافقين في الحصول على الخدمة، لدرجة أن مرافقاً طُلب منه أن يأتي بشاش فاضطر أن يذهب للصيدلية الخارجية حتى يأتي به، لكنه قبل أن يمضي أشار إلى أن تلك المعينات من المفترض أن تكون متوفرة داخل العنابر، وأضاف: يبدو أن الأطباء على صواب تام عندما اتخذوا قرار الإضراب.

النظافة في الباطنية
في عنبر الباطنية كان الوضع مختلفاً قليلاً، إذ بدا نظيفاً، والتهوية كانت جيدة غير أن العنابر كانت غير مزدحمة والمرضى لا يعانون في تناول جرعاتهم العلاجية، وهذا ما أكده لي أحد المرافقين عند سؤالي له عن تأخير الجرعات، حيث أكد أن الأطباء لا يتأخرون مطلقاً عن موعد الجرعات أو المرور، مشيداً بدور (السسترات) ووصفهم بالانضباط والجدية.

عدم اهتمام
في عنبر العظام تحدث لـ”الصيحة” أحد المرافقين واسمه محمد، قال إن والده تعرض لحادث مروري، فقرر له الأطباء عمليتين، وقال: لكن للأسف هناك عدم اهتمام من قبل الأطباء والممرضين، وشكا من تأخر العملية لأسبوعين، ورأى أن حالة والده لا تسمح بتأخير العملية أكثر لأي ظرف كان، كاشفاً عن مرور اطباء الامتياز، أما الطبيب المتخصص، فقال إنه قليل الحضور، أما أحد المرضى زكريا يوسف فقد كشف عن قلقه من عدم حضور الأخصائي لمتابعة حالته، وقال متأسفاً: “إن الطبيب يرسل طلبة الامتياز الذين لا يملكون الخبرة الكافية”.

الإدارة هي السبب
وفي ذات السياق، قال المريض مهند عبد الصادق إنه تعرض لكسر وتم نقله للمستشفى التركي بالكلاكلة ومن هناك تم تحويله لمستشفى إبراهيم مالك، موضحاً انه خضع للعلاج على يد دكتور مكي الذي واصل في علاجه لآخر لحظة، مؤكدًا أنه لا يوجد تقصير من قبل الأطباء إطلاقًا، إلا أنه عاد وانتقد البيئة في المستشفى ووصفها بالرديئة، وقال إن دورات المياه متسخة، مناشدًا وزارة الصحة وإدارة المستشفى بأن يهتموا أكثر بنظافة العنابر والمرافق الصحية.

معاملة جيدة
في عنبر الأطفال التقينا بوالدة الطفل عوض الذي يعاني من ثقب في القلب، فأكدت لنا أن المدة التي مكثوا فيها في المستشفى طويلة بلغت 19 يوما منذ أن كان عمره أربعة أيام، مشيدة بدور الأطباء والممرضين ووصفتهم بأنهم غير مقصرين في واجبهم، موضحة أن الأطباء يمرون عليهم صباح كل يوم لكتابة التقارير وصرف العلاجات اللازمة، أما من ناحية الممرضين فقد قالت إنه نادراً ما تتأخر المتابعة الطبية، وذلك لكثرة الأطفال المرضى، أما والدة الطفل محمد الذي يعاني من التهاب تسبب له في جفاف في الجسم، فقد أشادت هي الأخرى بدور الأطباء والمجهود الكبير الذي يبذلونه لكي يتعافى المرضى، وأضافت: لا نستطيع مجازاتهم حتى بالقليل لأنهم أطباء الرحمة، ولولا جهدهم بعد الله تعالى لضاع المرضى.

ثلاثة في واحد
في ذات السياق شكا والد طفلة تعاني من أنيميا من أن المشكلة تكمن في ازدحام السرير الواحد بثلاثة أطفال، موضحة أن ذلك من شأنه أن ينقل العدوى والأمراض بين الأطفال لأن مناعتهم ضعيفة، مبدياً أسفه من سوء التهوية والأجواء غير الصحية بالعنبر، كما شكا من غلاء الأدوية، أما عن الأطباء فقد كشف أنهم غير موجودين في كثير من المرات، موضحاً أنه لا يوجد اهتمام وعناية من الأطباء والممرضين وإدارة المستشفى، موضحًا أن الممرضين لا يهتمون بمواعيد الجرعات، فيضطر ولي أمر المريض لمراقبة مواعيد الجرعات، كاشفاً أن عدد الأطفال في العنبر بلغ 48 طفلا إضافة للمرافقين رغم أن العنبر به 24 سريراً فقط، مناشدًا الجهات المعنية ووزارة الصحة خصيصاً أن يراقبوا المستشفيات وزيادة العنابر حتى لا يتسبب ذلك في نقل الأمراض.

معاناة بلا حدود
وأيضا فإن رائحة الحمامات يشمها الزائر أينما توجه داخل المستشفى إذ أنها تلاصق العنابر مباشرة، مما يزيد الحالة سوءاً، وقد تضاعف المرض على بعض الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي، لاسيما الأطفال الذين أكد لنا من تحدثنا إليهم تضررهم بشكل رئيسي من تلك الروائح النتنة، والمعاناة من روائح الحمامات جسّدها مواطن قائلاً: (نلقاها من المرض ولا الحمامات)، بينما اختصرت امرأة معاناة المرضى حينما صرخت في وجه طبيبة (خليناكم لله) لترد الطبيبة (حسبي الله ونعم الوكيل نحن عملنا ليكم شنو)، وفي أثناء وقوفنا على الواقع بالعنابر، بادرتني طبيبة بالسلام ثم طرحت عليّ بعض الأسئلة بعدما ارتابت في وقفتي وعندما علمت بمهمتي التي أخفيتها عن بعض الطاقم الطبي، أخذت نفساً عميقاً وأخذت تحكي دون أن أطلب منها قائلة: أعمل هنا منذ أشهر وسبق لي العمل في مستشفى الخرطوم، وأستطيع التأكيد أن ذات ملامح الاكتظاظ والمعاناة التي كانت تميز مستشفى الخرطوم تحدث هنا في مستشفى إبراهيم مالك بالإضافة الى نقص في الأدوية وبعض الأدوات الطبية والمعملية، وقالت: بعض مرافقي المرضى لا يتفهمون موقفهم كأطباء وتضيف قائلة: إنهم يتهموننا بالتقصير وعدم المبالاة لمرضاهم وإننا نفتري عليهم زعماً من أننا (بنعمل علي كيفنا) ويتهموننا أيضاً بتشخيصنا الخاطئ، وفي بعض الأحيان يقولون إننا سبب موت مريضهم، وهم لا يدرون كم نحن أيضاً نعاني من أشياء كثيرة، ونفتقد الكثير من الاحتياجات الضرورية، وحينما نطالب بها لا نجد استجابة، وفي تقديري يجب أن يتم تقسيم هذا المستشفى إلى أقسام منفصلة على أن يدير كل قسم مدير يتمتع بصلاحيات واسعة وميزانية مقدرة، وترك إدارة المستشفى في يد شخص واحد لن يسهم في تطورها ومعالجة مشاكلها الكثيرة، ونحن هنا نعمل لكسب الخبرة ولن يتم تعيينا إلا بعد ثلاثة أعوام على الأقل إضافة إلى عدم وجود حوافز أو رواتب ولو بالقدر الضئيل.. هكذا قالت محدثتي ثم استأذنتني وانصرفت بعد أن شكرتني على حسن الاستماع وقالت لي: عفواً عندي طواف.

فوضى عارمة
يقول أحد مرافقي المرضى “فضل حجب اسمه” في إفادته لـ(الصيحة)، إن الفوضى العارمة توشك أن تسود جميع مستشفيات البلاد، بسبب الحكومة التي لا يهمها أمر المريض وسلامته، بقدر ما يهمها جيبه، فالمريض يبقى على حاله من خلال الجو النفسي الرديء والقلق جراء عدم الالتزام بالمواعيد من قبل الكوادر الطبية التي تمارس المهنة داخل المستشفى، خاصة أن كثيرين منهم لا يمارسون المهنة على أساس واجب مهني أو أخلاقي أو إنساني، وإنما على أساس الفخر والتكبر، فالطبيب يأتي ماراً بالمرضى وكأنه كائن استثنائي يمشي في استكبار لا يليق بالمهنة الإنسانية التي غابت عن المستشفيات، وقال إن كل من يرافق مريضاً، إما أصابته هستريا، أو أزمة نفسية، أو انتقلت إليه عدوى الأمراض المتوطنة داخل المشفى، ولفت إلى تعرضه إلى ارتفاع في ضغط الدم وفي نسبة السكر، وقال إن ذلك سببه الرئيس مكوثه لعشرة أيام مرافقًا لاحد المرضى في مستشفى إبراهيم مالك.

تجوّلت فيه: فاطمة أمين
صحيفة الصيحة