تحقيقات وتقارير

جوبا تبدو مضطرة لاتخاذ القرار طرد الجبهة الثورية.. سلفاكير هل ينحني للعاصفة؟!


منذ أن انفصل جنوب السودان قبل نحو 5 سنوات والحكومة السودانية تطالب نظيرتها في جنوب السودان باتخاذ قرار بفك الارتباط بينها والفرقتين التاسعة والعاشرة، قبل أن يتطور الأمر إلى المطالبة بطرد الحركات المسلحة وقطاع الشمال من جنوب السودان، كشرط أساسي لفتح الحدود أمام حركة المواطنين وانسياب السلع الغذائية ما بين البلدين، ومن ثم الدخول في تفاهمات لإنفاذ اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين التي تنص على عدم إيواء المعارضة في البلدين. غير أن حكومة الجنوب – بحسب ما ترى الخرطوم – ظلت تراوغ في إنفاذ هذا الشرط رغم التفاهمات التي تمت في هذا الخصوص على مستوى الرؤساء والمسؤولين الكبار في الدولتين لأكثر من مرة في لقاءاتهما التي كان آخرها تعهد النائب الأول لدولة الجنوب تعبان دينق لحكومة السودان في زيارته الأخيرة للخرطوم بطرد الحركات من جوبا خلال (21) يوماً. ولكن هذا التعهد نفسه لم يُنفَّذ ما دعا الخرطوم ترسل تهديداً مباشراً باتجاه جوبا، فحواه في حال عدم التزامها بهذا الاتفاق فإنها ستقوم بإغلاق الحدود وإيقاف حركة مواطنيها الفارين من الحرب لأراضيها ومنع انسياب السلع الغذائية عبر الحدود، هذا التهديد دفع نائب رئيس دولة جنوب السودان فور وصوله لإصدار توجيهاته بطرد من سماهم “القوة السالبة” في إشارة منه للحركات المسلحة وقطاع الشمال من مناطق تمركزها في دولة الجنوب وخاصة المناطق المتاخمة للسودان.

تحركات نحو تشاد
تعبان في تصريحات صحافية في الخرطوم عقب تعهده بطرد المعارضة الشمالية المسلحة أكد أن حكومته تحتاج لبناء علاقة متينة مع السودان ولهذا فإنها لن تعبث بأمنها من أجل الآخرين، وشدَّد على أن بلاده لا يمكن أن تسهم في أية حرب أو تحركات قد تضر بالسودان كدولة مجاورة، غير أن تعهدات تعبان لم تشذ عن سابقاتها التي انتهت دون إنفاذ رغم مرور ثلاثة أشهر عليها وظل الوضع على ما هو عليه حتى تحرك، أمس الأول، الرئيس الجنوبي سلفا كير مستنجداً بالرئيس التشادي إدريس دبي طالباً منه القبول بترحيل الحركات الدارفوية لبلاده، غير أن الرئيس التشادي لاذ بالصمت عن الرد على طلب الرئيس الجنوبي وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات، من شاكلة هل سلفا حينما طلب خدمات إدريس ديبي جاء ذلك من منطلق أن ديبي رئيساً للاتحاد الإفريقي، أم أنه يأتي في سياق مناورة يقوم بها الرئيس سلفا كير لكسب الوقت أم أنه عازم فعلاً على كسب ود الحكومة السودانية، أم أن هذا الطلب يأتي في سياق اتفاق عقده دبي في اجتماعه الأخير مع حركات دارفور ببرلين، والسؤال الأهم أن تم قبول الطلب من الرئيس دبي، ما الوضعية التي سيرحل بها منسوبي هذه الحركات لبلاده هل سيأتون كلاجئي حرب مسرحين لحين توفيق أوضاعهم وهل سيكون وجودهم بأسلحتهم أم سيتم تجريدهم منها، وما موقف الخرطوم من هذه الخطوة في حال تمت.

صعوبات الخروج
ويرى مختصون في الشأن العسكري والدبلوماسي تحدثوا لـ(الصيحة) أن الحركات الدارفورية المسلحة وقطاع الشمال يشكلان جسماً مؤثراً جداً في دولة الجنوب، لجهة أن جزءاً كبيراً جداً منهما يتولى الآن مسؤولية الحراسة الشخصية للرئيس سلفا كير والدفاع عنه بجانب استعانة دولة الجنوب بمقاتلي حركات دارفور في تقوية صفوف قوات الجيش الشعبي كمرتزقة بإشراكهم في القتال ضد المعارضة المسلحة بقيادة مشار، ويرى المختصون كل هذه التعقيدات الماثلة على الواقع تجعل من الصعب خروج المعارضة السودانية نهائياً من أراضي الجنوب ويذهب البعض إلى أن دولة الجنوب بعد أن تستفيد من الدعم الذي يأتي للمعارضة الشمالية من الدول الخارجية لتقليل الضائقة الاقتصادية التي تمر بها بعد نضوب مواردها بسبب توقف ضخ النفط في حقول كثيرة.

مناورة
ويقول نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق بالقوات المسحلة السودانية الفريق/ عثمان بلية، إن الرئيس سلفا كير ليست له أي مصداقية في إنفاذ الاتفاقيات التي يوقعها وخاصة المتعلقة بالحركات المسلحة التي يأويها، واعتبر بلية في حديثه لـ(الصيحة) إن خطوة الرئيس سلفاكير بطلبه بإرسال هذه المجموعات إلى تشاد مناورة للوصول لهدف خطط له كما هو مألوف دائماً منه، واصفاً الطلب الذي تقدم به سلفا لدبي بأنه مجافٍ للأعراف العسكرية المتعامل بها بين الدولة وزاد: “ليس منطقياً أن ترسل مقاتلين معادين لدولة لتقبلهم دولة أخرى، ومقبول من سلفا أن يطلب من دبي التوسط لحل المشكلة لكن ليس منطقياً أن يطلب منه قبول إيواء مقاتلين معادين لدولة جارة”. ورأى بلية أن هذه الخطوة مناورة لا تخرج من سياق عدم الالتزام بما يتفق عليه.

ضغوط خارجية
من جانبه قال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق الدوحة، نهار عثمان نهار، إن طلب سلفا من دبي قبول إيواء مقاتلي حركات دارفور يُفهم في سياق الدور الذي تعلبه دولة تشاد في العملية السلمية في دارفور والذي يجئ في اطار علاقاتها الممتدة مع كل اطراف الصراع بما فيها المعارضة المسلحة بدارفور ويضيف نهار في حديثه لـ(الصيحة) بهذه العلاقة يمكن أن تؤثر تشاد في دفع هذه الحركات باتجاه الحل السلمي، ويمضي نهار قائلاً: “يمكن أن نأخذ هذه الخطوة بطرد الحركات ناحية دولة الجنوب بمحمل الجد خاصة لوجود حزمة من الأسباب في مقدمتها أن المجتمع الدولي بدأ يعلن تذمره من استضافة دولة الجنوب لهذه الحركات بما لها من تأثير على سير العملية السلمية في المنطقة وتم تعزيز ذلك بالبيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية في هذا الخصوص. والأمر الثاني والأهم أن هذه الحركات لم تعد تملك القدرة القتالية التي يمكن أن تراهن عليها حكومة الجنوب في ترجيح كفة قتالها مع المعارضة الجنوبية لصالحها خاصة بعد الهزيمة الساحقة التي تعرضت لها حركة العدل والمساواة في قوز دنقو.

وزاد نهار بأن إقدام سلفا على قطع علاقته بهذه الحركات يأتي من باب “مُكره أخاك لا بطل” بعد الضائقة الاقتصادية التي تشهدها بلاده بعد تجدد القتال وفقدها لموارد النفط، وقال إن سلفا صادق في خطوته هذه نظراً للظروف الميحطة بدولته وحاجته لإحداث اختراق في تحسين العلاقة مع الشمال.

تنفيذ التزام
ويرى نائب الأمين السياسي للمؤتمر الموطني ومسؤول الإعلام برئاسة الجمهورية د. عبد الملك البرير أن دولة الجنوب سبق لها أن التزمت في عدة مقابلات رسمية بايقاف الحركات المتمردة من العمل ضد السودان من داخلها، واشار البرير في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن آخر التزام قطعه الرئيس سلفا في هذا الخصوص كان على لسان نائبه تعبان دينق في زيارته الأخيرة للخرطوم والتي تعهد فيها بطرد هذه الحركات خلال ثلاثة أسابيع غير أنه لم يلتزم بإنفاذ هذا الوعد وقد يكون ذلك لأمور داخلية، وأضاف: “لكن بالنسبة لعدم تنفيذ التزامهم للسودان فهو أمر غير مبرر لأن استمرار العمل العدائي مضر بالعلاقة بين البلدين”. وأشار إلى أن سحب قوات الجيش الجنوبي من الحدود كان من ضمن تعهداتهم لكنهم الآن أعلنوا أنه سيتم سحب هذه القوات وسيعقبها اجتماع للجنة الأمن بين البلدين في القريب العاجل، وأضاف أن هذه الحركات أصبحت الآن تشكل خطراً على حكومة سلفا كير بعد اشتراكها في الحرب الدائرة في الجنوب الآن، وعن جدية سلفا في تنفيذ هذه الخطوة اكتفى بالقول نحن سننتظر حتى يكون البيان بالعمل.

قبول مشروط
وعن رؤيته لطلب سلفا لدبي بترحيل هذه الحركات لبلاده قال البرير: “قد يكون هذا من باب أن دبي يترأس الاتحاد الإفريقي واضطلاعه بدور في البرنامج التنفيذي لإخراج هذه الحركات من الجنوب”. وأشار إلى أن الرئيس التشادي له مساعٍ كثيرة لتحقيق السلام في السودان وبينه ودولة الجنوب، لكن ليس من السهولة أن يقبل بأن تُرسل له هذه القوات لاستضافتها في بلاده، وزاد: “قد تكون هناك اتفاقات والتزامات بينهما كله وارد”. وعن موقف السودان قال: “ليست قضيتنا الأولى أين تذهب هذه الحركات وما يهمنا أن لا تقوم أي حركة بعمل مسلح ضده، وقضيتنا أيضاً الحوار”. وعن احتمال إيواء تشاد لهذه الحركات قال البرير سيكون وفق اشتراطات بنزع سلاحهم وعدم قيامهم بأي عمل مسلح وعاد للقول: “لكن من المبكر جداً الإجابة على هذه النقطة في الوقت الحالي”.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة