رأي ومقالات

رجلٌ ظلَمه التاريخ..!


للأسف، السُّودانيون لا يُدوِّنون تاريخهم ولا يهتّمون به، ولا يُعلِّمونه للنّشْــء والشباب، مما يُضعِف انتماءهم ويباعد بينهم وبين ماضيهم، وتأتي المناسبات الوطنية وتمضي دون أن يتوقَّف عندها أحد، فتتحول إلى عُطَلٍ رسمية واجترارٍ للذكرى في بعض وسائل الإعلام.

شكَّلتْ الرئاسة، مؤخراً، لجنة للاحتفال بمرور مائة عام على استشهاد السلطان علي دينار.. نعم هذه مناسبة عظيمة ويستحق علي دينار مناسبة وطنيّة كل عام، ولكن نأمل أن نُعيد كتابة تاريخه الذي شوَّهه المستعمر ومستشرقون نشروا شذراتٍ من زوايا مختلفة رَمتْه بكل ما هو مشين.

كان لعلي دنيار حكمة ورؤية، فقد شهد معركة كرري في سبتمبر 1898 التي حصدت فيها المدافع الرشاشة أكثر من عشرة آلاف مجاهد، وبعد المعركة عاد إلى أم درمان ونصح الخليفة عبد الله بالانسحاب غرباً إلى دارفور وإعادة تنظيم صفوفهم واستقطاب مقاتلين، لكن الخليفة لم يوافقه وعاد علي

دينار، واستولى على الفاشر دون قتال، واستمر 18 عاماً بينما استُشهِد خليفة المهدي في أم دبيكرات.

واجه علي دينار تحدياتٍ كبيرة، ولكنه تعامل معها بوعْيٍ وحكمة، وقد كانت الخرطوم متوجِّسةً منه، لأنها تريد حاكماً تابعاً لها يُطيع أوامرها، ورفضت دعمه عسكريّاً حتى يتصدَّى للتمرُّد وحركات عصيان بعض القبائل، والفرنسيين الذين بدأوا في بسط سلطانهم على المناطق الغربية من سلطنته.

تجاوب علي دينار مع نداء دولة الخلافة في تركيا فتمرَّد على البريطانيين ووقف مع حلف ‏الألمان، ولم تكن نواياه وتحرُّكاته خافيةً عنهم، وقرَّر (السّير ونجيت) الحاكم العام للسودان، أن يُبادر بالقضاء عليه، فأرسل حملةً يرأسها الضابط الإنجليزي (كِلْي)، وخسر السلطان المعركة الأولى في (بِرنجية) قرب الفاشر.

وانسحب السلطان إلى جبال مَرّة ليُعيد تنظيم قواته، وسعى إلى كسب الوقت، فبعث إلى القائد البريطاني رسولاً يحمل وعْده بالتخلي عن السلطنة مقابل منْحِه الأمان وترْكِه يعيش في بلاده وبين أهله، على أن يقوم بذلك بعد انتهاء موسم الأمطار، ولما انتهى الموسم طلب مزيداً من الوقت، واعتبرها البريطانيون مراوغة، فبعثوا له قوّة يقودها الرائد (هدلستون)، فقتل في أول مواجهة (زكريا) بن (السلطان الأكبر)، ولجأ السلطان إلى جبل (جوبا) ولاحقه (هدلستون) وأطلق النار على مُخيَّمه ووجد جنوده السلطان قتيلاً برصاصة في جبهته، ووصفه القائد البريطاني بأنه كان رجلاً قويَّ البنية ذا وجهٍ نبيل.

كان السلطان علي دينار من أعظم السلاطين الذين حكموا دارفور، وتمتَّع بالشجاعة والحكمة وبُعْدِ النظر والطُّموح، مع قدْرٍ كبيرٍ من التَّقوى والعِلْم، ولا شكَّ أنه كان رجُل دولة تفوَّق على ظروف زمانه ومكانه، وأراد تأسيس دولةٍ إسلاميةٍ في وسط إفريقيا، كان من إحدى معالمها إرسال كسوةٍ للكعْبة المُشرَّفة لسنواتٍ عديدة.

النوراحمد النور – الصيحة