رأي ومقالات

نحن كما نأكل


اجبرتني القنوات السودانية ..باصرارها على نفس شكل البرنامج الصباحي .. على التنقل بين القنوات الاخرى ..التي تذخر بكل جديد وجميل ..لا يحتاج الى (بريك) غنائي بين فينة واخرى ..استوقفني برنامج يحكي عن تاثير نوعية الاكل على المجتمعات البشرية ..ضاربين مثلا باليابان التي تعتمد على الاسماك ..لتجد المجتمع الياباني مجتمع ذكي ..حاضر الذهن ..كامل النشاط ..حتى ان مؤسساتهم تحثهم على الاستفادة من الاجازات السنوية ..اذ انه من النادر ان يطلب الياباني اجازة ..البرنامج يعزي كل هذا النشاط الى مادة (اوميغا3) وعنصر اليود المتوفرين بكثرة في الاسماك .
الاسماك بطبعها صامتة ..ولا يا ربي بتتكلم ؟؟ ..تعيش حياتها بهدوء بعيدا عنا ..تماما كاهل اليابان ..هناك الالاف الانواع من الاسماك ..لكننا جميعها نطلق عليها ذات الاسم وان اردنا الانصاف لقلنا الكائنات البحرية ..ننظر لليابانيين كما ننظر للاسماك ..كلهم شبه بعض ..بل احيانا احس بأنهم كالروبوت الذي يجيدون صنعه ..لكن ما همهم بي وبما أفكر ..انهم يعيشون حياتهم بذكاء وعبقرية يحسدهم عليها الجميع.
التفسير هذا ..جعلني استحضر موقفا طريفا حدث اثناء العمل ..اذ جمعنا الحظ السعيد مع سعادة الدكتورة المدير العام للمعمل في زيارة للقسم (تبعنا) ..وكانت ونسة لطيفة في (البريك ) تبسطت معنا فيها السيدة المديرة …وتحدثنا عن الاكلات التي نفضلها ..ذكرت انني احب اكل الحمام ..فقالت السيدة المديرة بأنها أيضا تحب شوربة الحمام ..لحدي هنا كان الحديث يمشي بصورة سلسة ..ولكن زميلتي الصغيرة ..ارادت ان تشارك في هذه اللحظة المباركة ..اذ ليس كثيرا ان تشترك في الونسة كفاحا مع المدير..قالت صديقتنا الصغيرة (سبحان الله!! الغريبة .. قالوا الانسان بيكتسب صفات الاشياء البياكلها ..يعني الحمام دا طائر وديع ..ولوف ..ووو) ..المهم مافي داعي للتفاصيل …لكن اعتقد ( وربنا يكضب الشينة) ان حوافز نهاية العام ما حتشمل قسمنا المرة دي ..
لكن حديث الصغيرة جعلني اسرح مفكرة ..فالمجتمعات التي تأكل الحيوانات المجترة ..مثل الابقار والشياه والاغنام ..تجدها تجتر الاحداث والاحزان ..ولا تزال تعيد التاريخ ..والمناظر هي ذاتها والصور نفس المشاهد ..وهذه المجتمعات يغلب عليها ردة الفعل الجمعي ..اذ تعيش بسياسة القطيع عموما ويندر فيها تقبل التغيير ..الا تحت ظروف معينة ..يصعب شرحها هنا…حتى لا نحيد عن فكرة المقال الاساسية.
انظر معي لال فرانس ..يقال ان الفرنسيين ياكلون الزهور ..يطبخونها بطرق شتى ..فتجدهم يشعون جمالا ..ينشرون عبيرا ..اغلى العطور ..واجمل الازياء تاتي من فرنسا ..عاصمة الجمال هي باريس ..كذلك الشعوب التي تحتفي بالخضروات والفواكه ..تجدها خفيفة رشيقة القوام ..وجوههم مبتسمة وكلماتهم جميلة ..مثل لذلك أهل الهلال الخصيب ..وحوض البحر المتوسط …اما المجتعمات التي تاكل لحوم الخيول ..تجدها قوية ..وتميل الى الحروب والقتال ..ووويبدو ان الحديث سيطول
كنت اريد مواصلة البحث عن تأثير الاكل على الشعوب ..لكنني مضطرة للانسحاب لاني معزومة فطور قراصة بالتركين ..وفي رواية اخرى ملوحة ..وهي عبارة عن سمك متخمر منذ عهد توت عنخ امون ….المشكلة شنو ؟ ..في النهاية سمك ..زي حق اليابانيين ..اقعدوا عافية

د. ناهد قرناص