تحقيقات وتقارير

آخرها إضراب الأطباء والصيادلة احتجاجات المهنيين… مطالب للإصلاح أم مناهضة للحكومة؟


بدأت في السودان في الفترة الأخيرة بعض التحركات المطلبية المهنية آخرها إضراب الأطباء والذي رفع مطالب محددة تهدف لتهيئة بيئة العمل ورفع رواتب الأطباء، واعترفت الحكومة حينها بمشروعية مطالب الأطباء وشرعت في تحقيق بعضها بصورة سريعة حتى تُحجِّم ما ترى أنه استغلال سياسي للأزمة، لا سيما أن كوادر أحزاب اليسار كانت حاضرة بقوة في المشهد الاحتجاجي الطبي. وبحكمة استطاعت الدولة التعامل مع الموقف دون اعتقال أو عنف حتى خبت جذوة الإضرب التي كانت مشتعلة بشدة، قبل أن تنطفئ عقب لقاء نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن بالأطباء، قبل أن يعود الأطباء لإضرابهم لاحقاً، بحجة أن الحكومة لم تقم بالإيفاء بما وعدت به.

وبرزت مؤخراً على السطح تحركات للصيادلة تدعو إلى الإضراب بعد تحرير الأدوية وقفز الأسعار إلى أرقام فلكية بالرغم من أن اتحاد الصيادلة أوضح موقفه الرافض لأي توقف عن عمل الصيدليات إلا أن هذا لم يوقف الأمر إذ بدأت فعلياً على الأرض عمليات إغلاق جزئي لعدد من الصيدليات رفضاً لتحرير أسعار الدواء وارتفاع سعرها تضامناً مع المواطن كما أعلن بعض الصيادلة ذلك.

دور النقابات
تاريخياً عرف السودان دوراً بارزاً للنقابات في قيادة الاحتجاجات والإضرابات لدرجة أصبحت فيها هي الهدف الأول لجميع التيارات السياسية لتنالها انتخاباً بتسكين عضويتها فيها، وذات الأسباب جعلت كل الحكومات والأنظمة تجعل من النقابات هدفاً لتكون موالية لها، وشهد السودان في تاريخه الحديث طفرة كبيرة في العمل النقابي كان له التأثير الكبير في تغيير كثير من الأنظمة ومجريات الأحداث، قبل أن يأتي انقلاب الإنقاذ ويحول تلك الطفرة إلى عكسها تماماً إذ شهدت الفترات الأخيرة في السودان تضاؤل كبير وتراجع في العمل النقابي وبريقه الأخاذ حتى أصبح الناس لا يسمعون للنقابات أي عمل أو تحرك إلا بمحازاة وموالاة الحكومة حتى أضحت النقابات جزءاً من مؤسسات الدولة التي لا تعرف الانفكاك عنها، وفي غياب دور النقابات برزت أدوار جديدة للعمل المنظم تتقدمه بعض الأجسام المهنية مثل الأطباء بإضرابهم الأخير ودور الصيادلة وموقفهم من تحرير أسعار الدواء الشيء الذي ضاعف أسعاره إلى أضعاف مضاعفة.

تحركات مطلبية
لم تكن التحركات المطلبية المهنية بقطاعي الأطباء والصيادلة مبرأة من الغرض السياسي كنوع من أنواع الضغط والمعارضة بالرغم من المطالب المشروعة التي حوتها، ويتمظهر ذلك في موقف الحزب الشيوعي عبر تجمع أطبائه الذين تحركوا في اتجاه تصعيد الإضراب لتحقيق أهداف سياسية، وفي الجانب الآخر موقف حزب المؤتمر الشعبي الذي دعا أطباءه إلى مواصلة العمل في المستشفيات بسبب أن الطب مهنة إنسانية وكلا الموقفين يؤكدان تغلغل الأجندة السياسية ضمن المطالب المهنية ومن هنا تبرز الأسئلة في هل هذه التحركات المهنية جاءت بسبب الزهد الشعبي في المطالبات والخروج الاحتجاجي بسبب القمع الذي تُواجه به تلك الاحتجاجات كما حدث في سبتمبر من العام 2013 مما أتاح الفرصة للتحركات المطلبية المهنية لتحل محل العمل السياسي الجماهيري ومن هنا تتقافز الأسئلة.

استغلال سياسي
ويرى القيادي بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي أن المطالب المهنية مقبولة ومشروعة بشرط أن تكون عبر قنواتها المعروفة حتى لا تُستغل سياسياً، ويضيف ربيع في حديثه لـ(الصيحة) أن للمطالب السياسية أيضاً قنواتها وطرقها بالمسيرات والوقفات ذات المطالب المحددة.

وليس بعيداً عن الاستغلال السياسي فإن البروفيسور حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين يرى أن الاستغلال السياسي موجود في تلك المطالب، وقال الساعوري لـ(الصيحة) أمس إن الحكومة تفادت تلك المطبات بالاستجابة السريعة لمطالب الأطباء بينما يشير الساعوري إلى أن التحرك الأخير له جوانب سياسية وجدت في طريقها موضوع الدواء وتحريره مما يجعل من وجود الطابع السياسي في مواقف الصيادلة أكثر من إضراب الأطباء الذي انتهى بالاستجابة للمطالب، ويشير الساعوري إلى محاولة الاستغلال السياسي لإحداث اضطراب سياسي عام.

بينما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز لـ(الصيحة) إن المطالب المهنية في عمومها تأتي لأهداف محددة لمصلحة الوطن والمواطن، ويشير عبد العزيز إلى أن إضراب الأطباء الأخير انتفى بمجرد تحقيق المطالب إلا للذين لهم أهداف من ذلك الإضراب غير تحسين بيئة عمل الأطباء وهم أصحاب الغرض السياسي، ويرى عمر عبد العزيز أن مطالب الصيادلة وموقفهم على حق وأن أغلبهم تدفعهم الدوافع القومية للمصلحة العامة، ويشير عمر إلى أن الأحزاب السياسية وخاصة أحزاب اليسار تسعى لتسييس الأمر لتحقيق مكاسب شخصية لتغيير النظام، ويضيف عمر أن كل هذه المحاولات فشلت.

بديل الثورة
وعن مدى نجاح التحركات المطلبية كبديل للثورة الشعبية يرى القيادي بالمؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي أن المهنيين يتحركون لتحقيق مطالبهم فقط وعند تحقيقها يتوقفون بسبب أن أقصى مطالبهم تحققت، ويضيف أنه لا يجب أن تتحول المطالب المهنية إلى مطالب سياسية بينما يقول البروفيسور حسن الساعوري إن المطالب الأخيرة بدأت لتحقيق مطالب مشروعة قبل أن تتحول إلى مطالب سياسية ويستدل الساعوري بتحركات الحكومة باعتقال عدد من الأشخاص عكس المرة السابقة مع إضراب الأطباء الذي لم تعتقل فيه الحكومة أحداً، ويؤكد الساعوري على أن المطالب كانت مشروعة قبل أن تُستغل سياسياً بعد استجابة الحكومة لتنفيذ المطالب. وعلى ذات النهج يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري عمر عبد العزيز أن المطالب المهنية لا يمكن أن تتحول إلى بديل للثورة الشعبية، مشيراً إلى أن المهنيين مجموعات متخصصة لأهداف محددة تنتهي مهمتها بتحقيق الأهداف.

الخرطوم: محمد أبو زيد كروم
صحيفة الصيحة