رأي ومقالات

أفكار حول الإعلام الجيد (4)


يتحدث الناس عن الإعلام الحر ويقصدون به الإعلام الذى يحمل المعلومات الى المشاهد والمستمع والقارىء دون أن يتدخل فى محاولة إستمالة القارىء والمستمع والمشاهد لوجهة نظر ما، وهذا النوع من الإعلام ينتمى لفصيلة الغول والعنقاء ولا أقول الخل الوفى ، فكم من خليل وفى لخليله. والإعلام لم يكن فى يوم من الإيام على هذه الشاكلة بل إن الكلام والمحادثة المباشرة لم تكن فى يوم من الإيام على هذه النحو. فالإنسان ليس ناقلاً للصوت أو الصورة أو الرمز بل هو معبرٌ عن هويته إذ يتحدث أو يكتب أو يصور، فهو وإن كان أميناً متجرداً للحق فلا يسعه إلا وأن يضع شيئاً من نفسه كما ترى الاشياء أو كما تسمعها أو كما تقرأها فيما يقول ويكتب ويصور. فالإعلام المتحرر تماما من وجهة لا يوجد إلافى مثال نظرى بحت.
الإعلام الموجه والإعلام الحر:
بيد أن ما نقول لا نقصد به أن الإعلام لا يمكن له إلا يكون إعلاما موجهاً دعائيا ، بل هو إعلام موجه بقدر ما التعليم موجه. ولا شك أن الإعلام هو صنو التعليم والفرق بينهما يكمن فى كون الإعلام سريع الإيقاع والتعليم بطىء الإيقاع. بيد أن تطور الوسائل والوسائط الإعلاميه يوشك أن يُحدث إندغاما للإعلام فى التعليم .فما عاد يسع التعليم اليوم الإستغناء عن الوسائل والوسائط الإعلامية سواءً فى الفصل وخارج الفصل. وكما أن التعليم اليوم يتجه ليكون أبعد مما كانوا يسمونه التربية والتعليم وأقرب إلى تعزيز التعلم الذاتى علميا وأخلاقياً ، فإن الإعلام بإحاطته وسرعة إيقاعه أولى أن يتبنى سياسة تعزيز التعلم الذاتى علميا وأخلاقياً. والإعلام من هذا الصنف يصبح إعلاما للتنمية الإجتماعية بل للتنمية الشاملة ، فرسالته هى تعزيز قدرة المخاطبين على التعلم وزيادة الوعى والقدرة لديهم. ومما يجعل ذلك ممكناً هو إتساع فرص التفاعلية فى الوسائط الحديثة ، فلم يعد الإعلام طريقاً ذا إتجاه واحد بل طريقاً ذا إتجاهين ، وبهذا ماتت نظرية رجع الصدى . فالمرسل لم يعد يستقبل إشارات مبهمة من المتلقى بل يستقبل مشاركة مباشرة . ويتحول الأمر من مخاطبة من طرف واحد إلى حوار قد يكون متعدد الإطراف . وهذا يحيل إلى إعلام الواقع بعيدا عن إعلام المخاطبة الجماهيرية. وبقدر ما تستغل وسائل الإعلام ووسائطه هذه الخاصية تكون أقرب إلى الإعلام الديموقراطى الحر وأقرب إلى تحقيق الفاعلية ، لأن رسالتها لن يصنعها حينئذ فئام قليل من الصحافيين بل سوف يصنعها جمهور غفير من الناس . ولو توخت الوسيلة النفاذ إلى المبدعين من الجمهور وتوجهت لإشراك الخبراء فإن قاعدة صنع المادة الإعلامية سوف تتسع وتترقى إلى أفاق لم تكن متصورة من قبل . بيد أن هذه الصورة المثالية لانكاد نراها تحدث رغم وجود كل الفرص والموارد لتحققها. ذلك لأن حراس البوابة من ملاك وصحافيون لا يريدون للأمر أن يخرج من أياديهم فيصبح دائلاَ ومتداولاً يين الناس جميعا ، فحينئذ سوف تتقلص صلاحياتهم إلى مدى بعيد . وربما يتبقى أمر واحد مهم لديهم هو وضع الأجندة. ذلك أن التدفق الهائل للمعلومات والأخبار سيضع سلطة الإختيار وترتيب الأهمية بأيديهم ، ولكن ذلك لا يبدو كافيا لديهم لإن إعلامنا المعاصر كله ما يسمى حراً منه أو موجها كان إعلاماً مستبدا ودعائيا إلى مدى بعيد . فما يقوله الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب عن الظاهرة الإعلامية المعاصرة ليس كله من لغو الكلام . فالإعلام المعاصر كان طامحا دائما أن يكون صانعاً للملوك أو معارضاً لهم إن لم يصنعهم . ولذلك لم يكتف بنقل الحقائق والوقائع والأخبار، بل أنه برع فى صناعتها وتخليقها والإقناع بها حتى لا يكاد يُمارى فى أكاذيبه أحد.وأقوى دوافع ذلك السلوك هى المنافسات . فالمجتمع الغربى الذى هو صانع الظاهرة الإعلامية كما هى اليوم ، مجتمع تنافس قلما ماتحكم وقائعه القيم الإخلاقية. فالتنافس التجارى والسياسى بل التنافس فى كل شىء وحول كل شىء هو سمة الحياة المعاصرة اليوم.وقد صار الإعلام أمضى أسلحة ذلكم التنافس وأنجع وسائله . ولذلك فهو يستخدم بإسراف لنصرة رجل الأعمال هذا على الآخر وهذا السياسى على الآخر وهذا الحزب على ذاك الحزب . ويستخدم لإعلاء كلمة ومصالح تلكم الدولة على الدولة الأخرى. وبعض هذا الإستعمال للإعلام ظاهر جلى وبعضه ذكى خفى .والاعلام الموجه الظاهر هو الإعلام الموجه من دولة ما إلى مجتمع دولة أخرى بغرض التأثير عليه تحقيقاً لرؤى ومصالح تلك الدولة فى دولة المجتمع الموجهة إليه الرسالة . وأشهر نماذج الاعلام الموجه هى إذاعة أوربا الحرة التى وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية لدول المعسكر الشرقى ، فالولايات المتحدة قطعَت شوطًا كبيرًا في مجال الإعلام الموجه، ولها تجاربُ عديدة في هذا الميدان، سواءً ضدَّ الدول بصفة عامة ، أو ضد الأنظمة؛ حيث كانت والولايات المتحدة تبث إذاعاتٍ موجَّهةٍ لشعوبِ الاتحادِ السوفييتي السابق، وشرق أوروبا، وكانت إذاعة صوت أمريكا – التي تحولت حالياً إلى “إذاعة سوا” تذيع قرابة 776 ساعة أسبوعياً إلى مختلف دول العالم، عن طريق 118 محطة إرسال، من بينها 460 ساعة لدول أوروبا الشرقية، وتقدم برامجها بنحو 35 لغة، منها 17 لغة مستخدمة في الاتحاد السوفييتي السابق والآن تحولت كلياً ليكون بثها موجه للعرب. ثم تَوسَّعَ هذا الإعلامُ لِيَشمُلَ الدول العربية، عندما توجهت إذاعة “صوت أمريكا” إلى العرب، إلى أن تبعها التطور الجديد مؤخرا ببث قناة “الحرة” الفضائية.وشهدت الإذاعات الموجهة تطورا تمثل فى البث عبر القنوات المستتبعة والتى تبث البرامج الموجهة من خلالها وكأنها جزء لا يتجزأ من برنامج إعلامى وطنى ، تمثلت هذه الظاهرة بوضوح فى بروز الأنماط السائدة اليوم في العالم العربي بتقديم وتصدير أسلوب الحياة الأمريكية إلى العرب، وجاء ذلك فى أعقاب أحداث حادى عشر من سبتمبر، ولا غرو فإنه من طبيعة الإعلام الموجه أن يظهر بكثافة في أوقات الحروبِ وقد إقترنت هذه الظاهرة بالحرب على ما يسمى بالإرهاب. ولئن كانت الحرب الباردة هى الحافز والمبرر لهذا الإعلام الموجه فإنه لم ينته بإنتهاء الحرب الباردة أو بخفوتها ، فقد تحول من دعاية ضد الخصم إلى دعاية للعولمة التى يدير غرفتها أساطين رجالات اعمال البلدان المتحكمة بمصائر العالم . وقد صار الإعلام الموجه اليوم من أقوى أدوات القوة الناعمة ،وبذلك صار من أنجع وسائل تحقيق الغلبة والإستبداد للملأ الأعلى العالمى . وعاد كما بدأ مكرسا لإستبداد الطبقة المالكة والحاكمة لا فى بلدانها فحسب بل فوق جميع المجتمعات المستضعفة . ومهمة الإعلام أضحت هى تهيئة الرأى العام لكى يقول نعم، وهكذا يعود الأمر كما بدأ أول وهلة ،فعندما نشأت الصحافة كان غرضها الأساس هو حث القراء والمستمعين أن يقولوا نعم . فالشركات المعلنة عن السلع والخدمات تريد منهم كلمة نعم . والحكومات والأحزاب تريد منهم أن يقولوا نعم . وناقلو الحكايات والقصص والشائعات يريدون كلمة نعم . بيد أن ثورة الاتصالات والمعلومات تفعل شيئا آخر . أنها تعزز قدرة المواطنين أن يقولوا لا . وبهذا تضطلع الوسائط الجديدة بالدور المنوط بها في تعزيز سيادة المواطن . لأنه لا سيادة لمن لا يملك ان يقول لا أو كما قال عمر بن ابي ربيعة:
ليت هنداً أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لايستبد
ولئن كان هنالك ضرب واحد من الاستبداد مُتسامح بشأنه فهو استبداد المواطن أو على الأقل تعزيز قدرته علي أن يقول لا . لذلك فإن الإعلام الحرعبر الوسائط الجديدة هو الإعلام الذى تكون المبادرة فيه للمجتمع المدنى الواسع بكل أطيافه وكل تياراته عبر تعزيز التفاعلية فالتفاعلية وحدها هى سلاح الجمهور الواسع فى وجه الملأ المستبد بالأمر.
الأعلام وتمكين المواطن
أن اهم الأدوار التي ينبغى ان يضطلع بها الاعلام الجيد هو فتح بوابة المعرفه امام الجمهور. ولئن كان الناس يتحدثون في السابق عن حق الجمهور في المعلومات فإن شعار اللحظه الراهنة هو حق الجمهور في المعرفه والحقائق الاجتماعية. فنحن في زمن مجتمع المعرفه وهى تتطلب منظوراً جديداً لدور وسائط ووسائل الإعلام والصحافة . والاعلام الذي يعيد تعريف أدواره اليوم بوصفه أقوى المؤسسات لدعم الحكم الراشد يتوجب عليه أن يدرك أن اسهامه في تحقيق هذا المقصد إنما يقُاس بقدرته علي مساعدة المجتمع في التحول من مجتمع الذاكرة الي مجتمع المعرفة . والسبيل الي تحقيق ذلك يمر من خلال تحول وسائل الاعلام ووسائطه الي مُعينات للتعلم الذاتي للمواطنين. فالتعلم من خلال الاندماج في مجتمع المعرفة الجديد سيؤدي الي تغيير جذرى في المعلومات والمفهومات . وسيقود حتما الي رؤى وتطلعات جديدة ، تحفز سير المجتمع نحو آفاق التقدم والرقي الاجتماعي . ومجتمع المعرفة الذي نشير اليه هو المجتمع الذي تتوفر فيه للافراد والجماعات المعرفة التي تُعزز قدرتهم علي التعرف والتحرك الي تحقيق مقاصد كلية ترتقى بنوعية الحياة المعنوية والمادية التي يحياها المجتمع . ومما لا شك فيه أن المجتمعات تتطور مادياً واقتصادياً بتطور قدراتها التقنية ووسائلها ونظمها و بتطور انجازاتها المعرفية . وقد كانت هذه الانجازات تقُاس في الماضي بالعلماء والخبراء الذين يقودون هذه النهضة . فكانت المجتمعات مُوصلة الي قاطرة معرفيه تسحبها الي الامام . بيد أن ثورة الاتصالات والمعلومات التي تتحول الآن أمام أعيننا الي ثورة معرفية هائلة تُوشك أن تغير هذه الصوره من مشهد القاطرة الساحبة الي مشهد السيارة ذات الدفع الرباعى التي تدفعها ماكينة المعرفة. فلم يعد المجتمع مقطورة مسحوبة بقوة العلماء والخبراء . وإنما اصبحت مجتمعات المعرفة تتحرك حركة ذاتية لتحقيق مقاصدها وغايتها . وما يجري اليوم يؤكد مقولة جون ستيورات ميل التي ذكر فيها أن القدرة علي نشر العلم والمعرفة علي أوسع نطاق هي التى تنهض بالمجتمعات وليس وجود بؤر علمية ومعرفية هنا وهناك في اوساط المجتمعات المعاصرة. واذا كان نشر العلم والمعرفة هو ما ينهض بالمجتمعات جاز لنا ان نقول أن الدور الأعظم في النهضة والتنمية إنما تضطلع به وسائط الاتصالات والإعلام المتطورة الجديدة .فهذه الوسائط التي باتت تحيط بالمواطنين من كل جانب، فلا تكاد أبصارهم أو أسماعهم تغفل عنها للحظة ،هى وحدها التى تنشئ المجتمعات الجديدة . مجتمعات المعرفة التي يكون فيها كل مواطن بما يتوفر له من معلومات علي مدار كل لحظة وأخرى قادرا علي إصدار حكمه فيما يريد أن يفعل وما يريد أن يمتنع عن فعله .
الإعلام ومجتمعات المعرفة :
ولئن كان الوقود أحفوريا أو حيوياً هو الطاقة التي تدفع حركة السيارات والقاطرات والسفن والماكينات في حياتنا المعاصره فان المعرفة هى الطاقة العظمى اليوم . وذلك من خلال تدفقها الذي لا ينقطع وتفاعلها الذي لا ينتهي الي حد . وهى الطاقة الجديدة التي تدفع بالمجتمعات المعاصرة الي آفاق لم تكن لمجتمع من المجتمعات في يوم من الايام بحسبان . ذلك أن المعرفة هي التي تعيد تعريف المواقف الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية والأدوار الاجتماعية . فالعلاقات بين الناس هي التى تنُشئ الوقائع الجديدة . وإن شئت فأقرا ” هو الذي جعلكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ” . ووسائل الاتصالات والمعلومات الجديدة تُعيد صياغة الشعوب والقبائل والعشائر وتهدم الجدر الفاصلة ، وتمد الوشائج الواصلة وتختصر المسافات وتقلل الاوقات اللازمة لانجاز المهمات ، و تفسح المجال للأفكار لتتلاقح وللعقائد لتتفاعل وللسلع والخدمات لتدفق في سرعة هائلة من مكان لمكان . وللصناعات لتتكامل فتُصنع قطعة هنا وقطعة هناك ، وتجتمع كل القطع في مكان آخر . وتصبح التجارة الافتراضية هي التجارة الحقيقية . وتتدفق الأموال من حساب الي حساب و من قارة الي اخرى في ثوانٍ معدودات . وكما أن السرعة الفائقة تستعصى علي السيطرة فإن سيطرة مركز واحد علي هذه التدفقات الهائلة يُصبح مستحيلا يوماً بعد اليوم الاخر . وبذلك تسقط كثير من المسلمات والتوازنات . وتنشأ حقائق جديدة وتوازنات جديدة . فلم يعد أحد الأطراف في موضع التلقى والأخر في موضع التأثير بل أن التحول الى مجتمعات المعرفة يجعل المجتمع فى موضع وموقع التأثيرات المتبادلة . فتطور مجتمعات المعرفة وحده هو ما سيقضى على العولمة ويبدلها بعالمية متعددة الأقطاب أقرب شئياً ما للإنصاف والعدل.
.ونحن عندما نتحدث عن مجتمع المعرفة نقصد به المجتمع المدنى الذى يزداد فيه الإعتماد على المعرفة وأدوات تنكنولوجيا الإتصال والمعلومات والتطوير فى مجال البحث العلمى وتوجيه موارد هائلة للإستثمار فى مجال المعلوماتية وهو مجتمع ينشط فى إنتاج ونشر المعرفة وتوظيفها فى جميع مجالات النشاط المجتمعى، وهويشكل مرحلة تالية لمرحلة المعلومات، فمرحلة المعلومات أدت إلى رفع كفاءة المجتمع فى النفاذ إلى مصادر المعرفة وإستيعابها ومناقلتها بسرعة فائقة وتوظيفها وإستثمارها ، حتى صارت من أوسع أبواب الإستثمار وأكثرها ربحية ،إضافة إلى إستخدام الموارد فى توليد معرفة جديدة وإعادة إنتاجها وتوظيفها وتجاوز المعارف القديمة وإحلالها وإبدالها.وعلاقة الإعلام والذى صارت مهمته الجديدة هى تدوير المعلومات، تعينه على ذلك السيولة الفائقة للمعلومات وقابليتها للمناقلة السريعة عبر المسارات المتعددة ، وبثها بسهولة ويسر لمن يرغب ومن لايرغب فيها ، وقابليتها للإندماج والتشكل المتعدد الصور ، مع الوفرة الهائلة التى تحتم إيجاد وسائل للتحكم نوعا ما فى تدفقها تمسكا بوظيفة حراس البوابة الذين يضمنون التدفق القاصد والمنتظم للمعلومات . وهى معلومات لا تستهلك بل تنمو مع الاستهلاك حتى أصبحت مثل الأمبيا المتكاثرة .يضاف إلى ذلك سهولة توليد معلومات جديدة منها ويسر النسخ والنشر.إن تمكن الإعلاميين من حيازة مهارة التعامل الصديق مع المعلومات هو الذى يلج بهم إلى بوابة مجتمع المعرفة الذى يرجى لهم أن يكونوا رواده والمجترجون للمسارت الجديدة فى بيده التى تمتد بغيرحدود .
الإعلام الوطني والفجوة الرقمية :ــ
بيد انه وعلي الرغم من ذلك فإن الفجوة الرقمية والتفاوت المعرفي الهائل بين المجتمعات يجعل ولوج المجتمعات الي عالم مجتمعات المعرفة ولوجاً يتطلب وعياً يقظاً وعزماً حازماً باتراً . والإعلام في مثل هذه البلاد التي تعانى من الفجوة الرقمية والتخلف الاتصالي يحتاج الي أن يكون رائداً في مجال الترقي الرقمي . ليستخدم تقانة المعرفة ونظمها في ترقية الفكر والوجدان الشعبي .وأول المطلوبات من أعلامنا الوطني هو المعرفة عن مجتمع المعرفة . ثم التكيف مع مقتضيات مجتمعات المعرفة من خلال التعلم المستمر والتطور المضطرد . لأن فاقد الشئ لا يعطيه . وواقع الحال في أعلامنا الوطني أن علاقته بثورة المعلومات ومجتمع المعرفة علاقة واهية سطحية . و مهارات أفراده في ذلك المجال شحيحة ونادرة . ولا يمكن أن نتصور وثبة اعلاميه تنقل الاعلام الوطني الي دوره المرتقب في إرشاده الشأن العام إلا اذا سبق ذلك وعى جديد لدى مؤسسات الإعلام ورجاله ونسائه إنهم سيظلون خارج الراهن الإعلامي المتداخل وطنياً وعالمياً ما لم يؤهلوا أنفسهم لذات مستوي التأهيل المعرفى الذي يتحلى به نظراؤهم في العالم . وهذا جهد تضطلع فيه المؤسسات بدور كبير والدولة بدور آخر . ولكن الدور الأعظم يقع علي عواتق الإعلاميين أنفسهم . فما لم يتسابقوا استباقاً للتعلم المستمر والترقى المتواصل فان طموحاتهم في تحقيق الإعلام الجيد ستؤول الي بوار. ذلك أن مضمار السبق مضمارٌ واحد لا يعرف الحدود بين الدول والقارات . فهو اوقيانوس عظيم للمعلومات وللمعرفة يسبح فيه من يسبح ويغرق فيه من يغرق ومن غرق فلا بواكى له .

بقلم
د. أمين حسن عمر