الطيب مصطفى

الطريق الثالث بين الرمضاء والنار !1-2


كم أنا حزين أن تضطرنا الإنقاذ بسبب تخبّطها وبؤس أدائها وتضييقها على الشعب الصابر المحتسب إلى المقارنة بل والمفاضَلة بينها وبين وحوش الجبهة الثورية، أو بينها وبين المجهول الذي يدعونا بعض فاقدي البصر والبصيرة إلى القفز في ظلامه الدامس وهاويته السحيقة.

ما كُنا نقارن ـ ورب الكعبة ـ بين السماء والأرض يوم كانت الإنقاذ بدراً مكتملاً تشرئب إلى المعالي وتفدي ذلك بثمرة فؤادها وبفلذات أكبادها .

ماذا دهاها حتى هانت في نفوس من كانوا يفدونها بالدماء الغالية أملاً في أن ينالوا الرضوان والمغفرة من رب الأنام؟

ماذا أصابها حتى عافها وبعُد عنها من كانوا أقرب إليها من حبل الوريد؟

ما الذي ألَّم بها حتى تمزَّق ثوبها، وتعرَّت حتى تطاول عليها كل من هبّ ودبّ وحتى اجتمع خلق كثير، كان بعضهم من صنّاعها ، ليرموها من قوس واحدة بعد أن أبغضوها جراء أفعالها المُنكرة؟

لن أحكي لكم كل ما فُجعنا فيها حتى بِتنا نقارن بينها وبين الشيطان الرجيم/ وهل من شيطان أكبر من القَتَلة والمجرمين الذين شنوا الحرب علينا وقتلوا ودمروا وشرّدوا أهلهم وشوّهوا سمعة وطنهم حتى أضحى مُضغة يلوكها الناس وتسير بها الركبان في أرجاء الدنيا؟

ما كان هؤلاء يجرؤون على النيل من الإنقاذ في أيام عزَّها ومجدِها حين كانت تُعلي من قيم الطهر والاستقامة، أما اليوم فقد بات حتى المتوحشين والمشوّهين يتوعّدونها بالويل والثبور وعظائم الأمور بعد أن حادت عن الطريق وتنكّرت للمبادئ والقيم العليا واستشرى فيها الفساد وضيّقت على الناس في معاشهم وحرياتهم وليس أدلَّ على ذلك من القرارات الاقتصادية الأخيرة وما تلاها من تحرير سعر الدواء مما ألهب مشاعر الغضب الشعبي بصورة لم تحدُث منذ أن استولت الإنقاذ على الحكم قبل أكثر من ربع قرن من الزمان، فقد تجرّد ولاة الأمر – أو كادوا – من الإحساس بمعاناة المواطنين وتوهّموا أنهم في مأمن من غضب رعيتهم التي حسبوا أنها غدت طوع البنان ورهن الإشارة لا تنفعل أو تتفاعل مع كل ما يدهمها من قرارات مهما ثقُل عبؤها، بل كان الأدهى والأنكى أن ولاة الأمر أنكروا بل دهِشوا لمجرد قيام البعض بالتذمّر والاحتجاج على قراراتهم القاسية فرموهم بأقذع الصفات وكأن الناس جُبلوا على الطاعة العمياء على غرار قوم فرعون حين خاطبهم زعيمهم بعد أن نصب نفسه عليهم رباً أعلى يأمر فيُطاع : (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)! يحدث ذلك بالرغم من أن ولاة أمرنا ما برحوا يحدثوننا عن مشروع (حضاري) قام على مرجعية الإسلام التي يصرخ عظماؤها: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم).. مشروع يعترض فيه أحد الرعية مُسائلاً الفاروق عمر بن الخطاب: (لا سمع ولا طاعة حتى تبيّن لنا من أين لك هذا الثوب الذي ترتديه دوننا)؟ فينصاع الفاروق لمرجعية العدالة الربانية ليشرح ويبيِّن في انكسار العابد المتبتّل، قبل أن يجيبه مواطنه المؤمن العزيز بعزة الدين: (الآن نسمع ونطيع)!

نعم، لقد ألجأتنا الإنقاذ بعد فقدان البوصلة إلى أن نُقارن بينها وبين وحوش الجبهة الثورية وحلفائهم المشوّهين ونفاضل لنختار بين العصيان المدني وبين الرفض لذلك الشعار بعد أن تلقَّفه أولئك المتوحّشون ومساندوهم من بني علمان في انتهازية دنيئة ما أرادها الشباب الوطنيون الذين رفعوا شعار العصيان أول مرة قبل أن يقفز عليه ويمتطيه الانتهازيّون.

نعم، لقد ركب المتوحّشون الموجة في انتهازية بغيضة واستغلال بشع للفكرة التي قام بها شباب غير مسيَّس فإذا بنا نقرأ بيانات الجبهة الثورية وعرمانها وعقارها تأييداً للعصيان ونطلّع على بيانات حركات دارفور المتمردة، ثم بيان الحزب الشيوعي وبعض القوى اليسارية.. كلهم ألبس العصيان ثوباً جديداً يصب في استراتيجيتهم الشائهة التي تستهدف (إسقاط النظام) طمعاً في أن تأتيهم السلطة تجرجر أذيالها، فما أتعس وأبأس ذلك المسعى المنكر؟!

إسقاط النظام من أجل ماذا أيها المتوحّشون العنصريون؟ أمن أجل ان نستبدل الإنقاذ الفاسدة بالقتّلة والمجرمين والعنصريين؟ إسقاط النظام من أجل أن نسلمكم رقابَنا حتى تفعلوا بها ما فعلتموه بأهلنا في هجليج وأبو كرشولا والله كريم، حين نصبتم المشانق لأئمة المساجد ومارستم أبشع صنوف التطهير العرقي وارتكبتم من المذابح واقترفتم من العنصرية ما قلَّ نظيره في التاريخ؟!

غداً بإذن الله أُحدثكم عن الخيار البديل أو الطريق الثالث بين الرمضاء والنار.

صحيفة الصيحة


‫3 تعليقات

  1. الأنقاذ أختطفت منذ زمن بعيد من لدن فاسدين مفسدين, خانوا عهود من ناضلوا و استشهدوا من أجلها, فحسبنا الله و نعم الوكيل

  2. أستاذي المهندس ،،،
    لك من التحايا أجملها ,,,,

    شكراً لك لأنك تكتب ما نحسه لهيبا في دواخلنا ….
    شكراً لأنك تعبر عنا بصدق و كل الصدق….
    و اخوة لك حتى في صحيفتك يلوون عنق الحقيقة و يعيشون أحلام الخيال ….
    لا يرون في الإنقاذ إلا كل شئ جميل حتى وان جافت الحقيقة …
    ويرون كل من قال كلمة حق عند إمام جائر ، شيوعيا و ملحدا….
    شكراً لك وانت من قبل تكتب عن فقه التحلل و التستر….
    شكراً لك وانت اقرب الناس دما للحاكم تقر بالفساد …
    تمنياتي ان يستمع إليك حاكمنا …
    قبل ان يضيع السودان سرابا بين الاصابع رماداً مع الرياح….