مقالات متنوعة

امتحان أمريكي


* فرحة هستيرية ومينشيتات احتفائية وبوستات ببغائية، تناولت في معظمها وبشكل غير دقيق قرار حكومة الرئيس أوباما بما يسمى (رفع العقوبات) عن السودان.
* الشعب الباحث عن الفرح بأي ثمن هلل وكبر وأطلق الزغاريد فرحاً للقرار كل حسبما يهوى أو كما يشتهي، وبالمقابل اكتفى المسؤولون بالفرقعة التي أحدثتها آلتهم الإعلامية، وزادوا عليها بتصريحات مضللة لم تلامس الحقيقة في معظمها.
* فالقرار الأول حسبما ذكر هو (رفع مشروط) للعقوبات الأمريكية الصادرة بموجب القرارين 13067 و13412 ويسري في 12 يوليو 2017 اذا حافظت الحكومة على التقدم المحرز في الأشهى الستة الماضية.

* إذن فالفرحة العارمة للكثير من أبناء الشعب دون معرفة حقيقة القرار وأبعاده، أكدت بجلاء حالة الإحباط التي لازمت المواطن لسنوات طوال، وشغفه لأي تغيير حتى ولو جاء بأيدي من تسببوا في اعتلال الوضع بالبلاد.
* حقيقة القرار تؤكد أن هناك تسوية كبيرة جداً في طريقها لإعلان نفسها، فقط تنتظر الوقت المناسب، وهذه التسوية ربما أدت لتغييرات جذرية في السياسة السودانية وربما أطاحت بآمال الكثيرين من أهل الحوار واللاهثين خلف المناصب.
* من ينتظر أن يسهم قرار الرفع في إنهاء أزمة الاقتصاد السوداني فهو واهم، لأن القطاع العام الذي يهم المواطن بشكل مباشر قد تم تدميره بالكامل بواسطة نافذين استفادوا بشكل كبير من شماعة العقوبات الأمريكية ليضخوا في خزائنهم الخاصة مليارات الدولارات من خلال شركات القطاع الخاص التي أنشأوها لهذا الغرض تحديداً، وبالتالي ستكون هناك مقاومة شرسة منهم حماية لمملكتهم التي قامت علي أنقاض القطاع العام، بما في ذلك شركات الطيران المتمددة التي حلت محل سودانير، وقس على ذلك.

* وسيكشف القرار المزيد من الأسرار حول أساليب الفهلوة التي اُتبعت في نهب المال العام بحجة العقوبات، وستطفو أسماء معلومة وأخرى مجهولة على سماء شاشة العرض الاقتصادية، عندها فقط ستبدأ الحرب الضروس بين أبناء الوطني في صراع البقاء للأقوى.
* ليس صحيحاً أن هذا القرار لم يرح الكثير من أهل المعارضة أو المجتمع المدني، لأنه متى ما تم إنزال هذا القرار على أرض الواقع وقبلت أمريكا (الأم الرؤوم) استرحام حكومة الإنقاذ، فإن فاتورة الحرب ستتمزق تلقائياً بكافة مناطق النزاعات بالنيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور، وسيخرج المواطنون من كهوفهم ومعسكراتهم البائسة ليشتموا رائحة الأمن والسلام والحرية وليبدأوا حياة آمنة كريمة، ومتى ما لم يتحقق المطلوب، فالوضع سيزداد تأزماً وسيدخل البلاد الى نفق أظلم من سابقه.

* القرار لم يمنح حكومة الإنقاذ (صك براءة) كما يعتقد الكثير من البسطاء من منسوبيه، بل منحها فترة ستة أشهر فقط لإبراء ذمتها من ملفات ظلت عالقة لسنوات تسببت في إرهاق المواطن مادياً ونفسياً وسياسياً، وسالت معها دماء غالية لأبناء الوطن، وهضمت فيها حقوق الإنسان، وكممت الأفواه، وامتلأت المعتقلات بالسياسيين والرافضين للوضع.

* فهل ستصمد الحكومة أمام تيار المستفيدين من استمرار بقاء العقوبات، أم ستستميت في كسب ثقة أمريكا والخروج من المأزق بالتنازل لشعبها عن حقوق ومطالب معيشية طبيعية طالما حرمته منها طويلاً واستكثرتها عليه؟
* وهل ستسمح الحكومة بالموافقة على فتح المعابر وإيصال المساعدات للنازحين وبمناطق النزاعات كما وعدت؟
*وهل ستسمح الحكومة لأحزاب المعارضة بممارسة نشاطها في الهواء الطلق دون وضع قيود أو شروط أو تهديد بالتصفية أو الاعتقال؟ أم ستأخذها الهاشمية وتواصل في نهجها السابق من تصريحات خرقاء تغلق بها الباب أمام أي رفع كامل أو جزئي للعقوبات؟
* الأشهر الستة القادمة حُبلي بالكثير، دعونا ننتظر لنرى مستقبلنا بين عصا أمريكا وسندان النظام.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة