تحقيقات وتقارير

كسلا نصف عدد المواليد غير مسجلين ولا يملكون شهادات ميلاد ؟


“يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له، قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما”، هذا ما تنص عليه المادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل العالمية.

ولكن في مناطق ولاية كسلا الحدودية، هذا الحق لا يصان دائماً. حتى سنة ٢٠٠٦، كانت نسبة تسجيل المواليد بولاية كسلا لا تتعدى ٢٣ في المائة – ما يعني أن أغلب أطفال الولاية سيواجهون مشاكل في الحصول على حق المواطنة لاحقاً.

روضة الجعلي، مديرة قسم الطفولة بالمجلس القومي لرعاية الطفولة والمرأة والسُّكان في ولاية كسلا، تعزو أسباب ذلك إلى تدني الوعي بأهمية تسجيل المواليد بين سكان ولاية كسلا وخاصّة في الأرياف والمناطق النائية. هذا بالإضافة للفقر الذي يدفع العديد من الآباء والأمهات لتفادي دفع رسوم استخراج شهادة الميلاد.

واستجابة لهذه المشكلة، وبالتعاون مع المنظمات المعنية بقضايا الطفولة والشركاء الآخرين الممثلين بوزارة الصحة، وإدارة السجل المدني، والجهاز القضائي والمحليات، دشَّن المجلس القومي في عام ٢٠٠٥ مشروع ‘حقوق الطفل وتسجيل المواليد بولاية كسلا’. وكان من أهم أهداف هذا المشروع بث الوعي وزيادة المعرفة ورفع نسبة تسجيل المواليد في الولاية، وفتح المزيد من مراكز التسجيل بالمناطق النائية، ورفع قدرات الكوادر العاملة في التسجيل، كالقابلات. تمّ تمويل المشروع من قبل حكومة الولاية والمنظمات العاملة في كسلا مثل اليونيسيف، ومنظمة بلان العالمية – المنحة الكندية – والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

طريقة تفكير مختلفة
بعد ستة أعوام من العمل على هذا المشروع، قفزت نسبة تسجيل الولادات سنة ٢٠١٢ إلى ٥٧ في المائة، حسب إحصائيات رسمية من وزارة الصحة الولائية: ففي عام ٢٠٠٥م، كان مجمل عدد المواليد المسجل في الولاية ١٣١١٩ طفلاً من أصل ٥٨٧٧٦ طفلاً، (أي ٢٢,٣ في المائة)، أما في عام ٢٠١٢م، فكان عدد المسجلين ٤٠١٥٤ طفلاً من أصل ٧٠٠٨٣ مولوداً (أي بنسبة ٥٧,٢ في المائة). قالت الجعلي إنهم خرجوا إلى المجتمعات الريفية ونفذوا فيها الكثير من الأنشطة التوعوية، مثل ورش العمل والبرامج الإعلامية وتدريب القابلات والكوادر الصحية والإحصائية، بالإضافة إلى استخراج شهادات عن طريق الجهاز القضائي بعد استخراج الإشهاد الشرعي للأطفال دون سن الخامسة عشرة من المحاكم، كما ينص القانون. وأضافت الجعلي أن المشروع تمكّن أخيراً من استصدار قوانين تسهل حصول الأطفال على شهادة الميلاد مباشرة من إدارة السجل المدني دون الحاجة إلى أمر قضائي، كما كان الأمر في السابق.

من جانبها، أوضحت الدكتورة إيمان محمد عبد الله، مديرة قسم الإحصاء في وزارة الصحة، أن إدارتها تعاني من صعوبة توفير احتياجات تسجيل المواليد من دفاتر وملحقات وتدريب الكوادر، بخاصّة بعد القرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة من الحكومة الاتحادية، بحيث اختصرت فترة تسجيل المواليد إلى شهر واحد بدلاً من ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى نقل عبء توفير الدفاتر، أي طباعتها، للولاية.

كما عبّرت عبد الله عن خشيتها أن يؤدي ذلك إلى تراجع نسبة تسجيل المواليد مرة أخرى. أما فيما يخص النظام الذي تعتمده إدارتها في عملية تسجيل المواليد من ناحية إجرائية، فقد قالت إن لديهم ٣٠ مركز تسجيل موزعاً على مستشفيات الولادة والمرافق الصحية في كسلا ومحليات الولاية الأخرى، بحيث تقوم المراكز بتمليك دفاتر التسجيل للقابلات والكوادر الإحصائية التابعة لهم. هؤلاء يرفعون بدورهم هذه السجلات لإدارة الإحصاء الحيوية بصورة يومية، والتي ترفعها هي الأخرى لإدارة السجل المدني بعد فترة زمنية متفق عليها (عام واحد). كما ذكرت عبد الله أنهم ضاعفوا عدد مراكز التسجيل، مما أدّى إلى تحسّن الأداء العام.

وأضافت أن نسبة تسجيل الولادات شهدت انخفاضاً طفيفاً وصل إلى ٥٣ في المائة سنة ٢٠١٥، وعزت ذلك إلى أن بعض المنظمات (مثل صندوق النظام الصحي المركزي الذي كان يتبع للبنك الدولي وكان يعمل في الولاية حتى العام الماضي)، أوقفت سياسة تحفيز القابلات مادياً لقاء كل مولود يقمن بتسجيله، على أن يصرف الحافز في نهاية كل شهر. ولكن عبد الله تؤكد أن نسبة الوعي بتسجيل المواليد ارتفعت بصورة كبيرة، وهو أمر يُعَوَّل عليه في المستقبل كعامل حاسم للتغلب على هذه المشكلة.

يقدِّر محمد مصطفى شلال، رئيس شبكة حماية الطفل في ولاية كسلا، جهود المنظمات ووكالات الأمم المتحدة لتحسين أوضاع الأطفال في الولاية في كافة الجوانب، ولكن تمويل مشروع ‘حقوق الطفل وتسجيل المواليد بولاية كسلا’ توقف منذ نحو عامين، وهو أمر يرجو أن يعيد المانحون النظر فيه.

تحقيق : حامد إبراهيم
صحيفة التيار