زاهر بخيت الفكي

حكايات قديمة ..(حج ست الإنداية)..!!


يبتسم إبتسامة خفيفة ساخرة تتبعها آهة يستعدل بعدها جلسته يضع فيها رجل على الأخرى يتحسس طاقيته ويُحركها وعصاته أيضاً يرفعها ويعيدها ثانية إلى الأرض ينقر بها نقراً خفيفاً ويبدأ في متابعة رأس العصاة بنظره ثم يرفع رأسه ثانية لزوم التشويق وشد أنظار الناس إليه ويبدأ في سرد حكاية من حكاياته التي لا تُمل بعد أن يضمن أنّ الجميع في إنتظاره ومعينه من الحكايات الطريفة لا ينضب..
والله يا جماعة بترجعو فينا لي زمن سمح ما برجع تاني ، كُل حكاية تسبُقها مُقدمة أيضاً حتى يتهيأ من كانوا معه للعودة معه إلى ماضٍ تعلق به قلبه يبدأ في رسم لوحته الجميلة والتي يُجسد فيها شخُوص كانوا يُشاركونه ماضيه الجميل قبل أن يتوب هو ومن كانوا معه توبة نصوحة وتبقى الذكرى ، سبعيني يقترب من عقده الثامن أو رُبما تجاوزه ولكن لم تتجاوز روحه المرحة العقد الثالث من العُمُر وحوله يجتمع الشباب للإستماع والاستمتاع بالحكي الجميل وإجادته مُحاكاة أبطال الحكاية ..

رحمةٌ من الله واسعه تغشاه..
شرعت ست الخمارة البلدية (الإنداية) في تكملة إجراءات الحج بُمساعدة أحد زبائنها المُستنيرين وتم استخراج الأوراق الثُبوتية لها ، ساهم كُل زبائنها معها في تحقيق نيتها لزيارة بيت الله الحرام كُلٌ حسب مجاله وكانت مُساهمة صاحبنا كذلك فاعلة وهو السائق الشهير في زمانٍ كانت الفتيات يتغنينّ للسائق ويتمنينّ الإرتباط به وهُنا يتوقف صاحُبنا قليلاً للحديث عن نفسه ووجاهته وحُسن هندامه ومهارته في قيادة اللوري ويستمر في حكاية حج صاحبة الإنداية والتي تعلقت روحها بالأراضي المُقدسة ..

إجتهدوا معها رغم حزنهم الشديد على فراقها والحج في زمانهم يحتاج إلى الكثير من الوقت وهي أيضاً رغم سعادتها باكتمال إجراءاتها واقتراب موعد تفويجها إلا إنها كانت حزينة لفراقهم وهُم أسرة مُتماسكة ذات علاقة مُمتدة في خُرطوم معلوم أهلها ولم تجتاحها هجمات النزوح ولم تتغيّر جُغرافيتها بعد ، كانت أمية لا تكتُب ولا تقرأ كغالب زبائنها ولكنّها كانت تتمتع بذكاء يحفظ لها حقوقها عند المدينين منهم وكان لكل واحد من الثقاة المُداومين على الشُرب منها رمز تخطُه بقطعة فحم على الحائط يخُصه تضع أمامه عدد ما شربه من إناء للمريسة (عبّار) ..

ما إن إقترب موعد سفرها حتى مسحت كُل تلك المديونيات من على الحائط إكراماً منها لهم وإكراماً لمن تنوي زيارته كانت حركة حلوة منها أدخلت البهجة والسرور في أنفسهم ، كان يوم لا يُنسى عندما حان وقت الرحيل وقد جاءوها باكراً للذهاب معها إلى محطة السكة حديد والإنتظار معها إلى أن يتحرك القطار مع دعواتهم لها بحجٍ مبرور وعود حميد إلى أرض الوطن سالمة غانمة مع لقب (حاجة) ثُم ودعوها كانت لحظات مؤثرة جداً وقد دخل بعضُهم في نوبة بكاء حارة..
رواية تقول بأنّها توفيت هُناك وأخرى تقول بأنها عادت تائبة وتوفيت هُنا..

بلا أقنعة – زاهر بخيت الفكي
صحيفة الجريدة


تعليق واحد

  1. اكيد حجتها اكثر قبولا من المطيع و جماعته الذين يحجون باموال الشعب و يستثمرون اموال الحجاج لمصالحهم الخاصة بعد ما يذيقون الحجاج الأمرين ، من سوء معاملة و كدر ضيافة