رأي ومقالات

رجعنا لك


فرحتي كانت غامرة حين اخبرني (خدر الخضرجي ) بأن سليمان سيد اللبن يدرس امكانية معاودة ادراج أسمي ضمن زبائنه بعد حصار استمر فترة طويلة من الزمن ..عانيت فيها ما عانيت من جراء استهلاك لبن البدرة …حاولت ان اخترق الحصار ..فوجدت نفسي (أهاجر) الى حلل (جمع حلة بكسر الحاء) ..والشهادة لله لم يكن الحليب هناك بنفس الجودة.
قصتي مع سليمان ..علمتني الدرس بالطريقة الصعبة ..فقد كنت الشقي الذي اتعظ بنفسه ..(الشلاقة) ..وحدها هي التي قادتني لسؤاله ذات يوم (انت يا عم سليمان ..ليه اللبن عندك ما بتحصل ليهو حاجة ؟ شكلك بتضيف ليهو بنسلين ) ..شر ما يبتليك به الله ..هو لسان يخرج الكلمات دون المرور بمقص الرقيب ..أذكر أنه نظر الي شذرا ..ومن ثم حوقل وتعوذ ..وكان ذلك أخر عهدي به ..وبالحليب عالي الجودة. .
وكأن ذلك الحصار لم يكن كافيا ..توالت علي المحن ..فقد لاحظت تجنب نساء الحي لدعوتي لقعدات الجبنة والشاي ..وصرت اخر من يعلم بما يحدث من شمارات..لم أنتبه في بداية الأمر ..حتى علمت عن طريق الصدفة ..ان سليمان لم يكتف بايقاف بيع اللبن لي ..ولكنه أشاع ان (عيني حارة )..وانه في ذلك اليوم المشؤوم الذي تساءلت فيه عن صلاحية الحليب ..في ذلك اليوم دون غيره من الأيام (اللبن قطع ورقد جبنة).
سألت خدر متصنعة عدم الاكتراث (ليه فجاة كدا قرر يبيع لي اللبن؟؟ زبائنو مشوا وين؟؟) ..نظر الي خدر نظرة محذرة ولسان حاله يقول (لا زلت في ضلالك القديم ..الم تتعلمي بعد؟) ..قال بعد تنهيدة (يا دكتورة انتي مش وسطتي عمك ادم ؟؟..قال ليهو الزولة دي قاعدة تهاجر لي الفريق القدام عشان تجيب اللبن )..الله يبارك فيك يا عم ادم ..اتيت بما لم تستطعه الأوائل …والله وحتروق وتحلى ..وننعم بشاي الحليب المقنن والشعيرية باللبن ..بل ربما يبتسم الحظ ونتناول الكريم كراميل مرة واحدة.
حاجة فوزية جارتي ..التقتني وانا اتناول اللبن صباحا بعد غيبة ..همزتني قائلة (ما قلتي لينا سليمان دا بغش اللبن ..وبيضيف ليهو مضاد حيوي ..وقلتي لينا انك بيطرية ومافي زول بعرف زيك ..الصباح …الصباح نلقاك تشتري في اللبن زينا)..هاهم الشمات والمترصدين …تأتي لحظات ..يختفي لسانك ويبارح مكانه ..وكأنه لم يكن يوما ما.. يملأ الكون ضجيجا …عندما وجدتني ابتسم في وجهها ابتسامة بلهاء ..لا ادري من أين أتيت بها ..مصمصت شفتيها ..ومضت في طريقها وهي تهز كتفيها ..كنت قد ادرت ظهري عائدة الى منزلي ..عندما تناهي الي صوتها مدندنة (كلو ونسة ..الكلام طلع ونسة ).

د. ناهد قرناص