تحقيقات وتقارير

رفع العقوبات.. مسارات التطبيع


ماتزال الخرطوم تتنفس رحيق قرار الإدارة الأمريكية المتعلق برفع الحصار الاقتصادي الذي دق بيرقه في خاصرة الاقتصاد السوداني، طيلة عشرين عاماً، غائصاً نصله الحاد في أحشاء المؤسسات المالية بالبلاد، ماجعلها مغلولة اليد أمام ممارسة أدوارها الطليعية. الرئيس الأمريكي المنتهي حقبته باراك أوباما، قبل مغادرته سدة الحكم مضى الى صياغة صك رفع عقوبات بلاده على السودان في خطوة قلبت موازين سياسات (اليانكي)، تجاه دول العالم الثالث التي كان ينتهجها في التلويح بسياسة العصا و الجزرة. رغم دخول القرار حيز التنفيذ إلا أن هناك ضبابية مازالت تكتنف الموقف الرسمي في كيفية إنزال القرار الى أرض الواقع.

*فك حظر الأموال:
الخبير المصرفي مدير بنك الشمال السابق حسن ساتي، أشار الى أن الاجراءات الفنية التي يجب على الحكومة اتخاذها في سبيل فك حظر أموال المصارف المحجوزة بالخارج، أن تمضي لصياغة مسودة مالية تعطي المصارف إشعارات قانونية مبرئة للذمة، لأجل فك القيد عن حساباتها المجمدة بالبنوك والمؤسسات العالمية.
من ناحيته اعتبر الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد بجامعة الرباط الوطني د.طلال الناير، الخطوات الفنية التي يجب اتباعها لأجل الاستفادة من قرار رفع العقوبات هي اتخاذ الحكومة بعض الضوابط لخصها في كبح جماح السوق الموازي، الذي يستكين الآن في حالة ترقب، بجانب إسراع الخطى لإعلان التشكيل الحكومي الجديد، بالإضافة الى مراجعة السياسات النقدية المجازة للعام 2017 لاعتبارات وضعت في اطار العقوبات.

ويرى الناير أن على الحكومة الشروع في إنفاذ خطط تقفز بالمؤسسات الاقتصادية الى أسواق الإستثمار العالمية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية و الاستثمارات الأمريكية،وأن تسرع الحكومة خطاها في تنفيذ بورصة تعني بالمعادن بجانب خفض الانفاق الحكومي وتضييق الخناق على منافذ الفساد، وتقليل البيروقراطية عن طريق الاعتماد على التكنلوجيا، بالإضافة الى تشجيع المغتربين بالحوافز لجذب مدخراتهم.

*مخاض عسير:
و يرى عضو المكتب السياسي بالوطني د. ربيع عبد العاطي أن الحكومة مضت في عملية مخاض عسير مع الإدارة الأمريكية من خلال إدارة حوار مطول حول التزامها بإنفاذ كافة التعهدات التي التزمت بها الى أرض الواقع السياسي، ويشير الى إنفاذ الحكومة للتعهدات بدأ منذ حقبة السلام الشامل مروراً بنيفاشا، بجانب جهودها المضنية التي اتخذتها في ملف مكافحة الإرهاب.
وزاد أن هذه المرونة السياسية التي أبدتها الحكومة جعلت الولايات المتحدة تنظر الى قضية الصاق الاتهام للبلاد بأنه لم يكن دقيقاً، وأردف بان الخطوات التي شرعتها الحكومة من خلال مسارات المنظمات الدولية والاقليمية والدول الصديقة كللت بما تم من اختراقات في نجاح هذه الملف.

*العصا والجزرة:
يقول المحلل السياسي استاذ العلاقات الدولية بالجامعة الإسلامية د. راشد التيجاني إن قرار رفع العقوبات نقل البلاد من سياسة العصا الى سياسة الجزرة كحافز تجاه المطلوبات الفنية المبنية على الحقائق، التي دفعت بها الخرطوم الى منضدة واشنطن لأن العقوبات في الأصل لم تقم على الحقائق بقدر ما أنها كانت وسيلة أمريكية لأجل ممارسة المزيد من الضغوط بهدف توجيه مسارات الحكومة الى المرامي التي تبغيها.

ويقول رغم ممارسة هذه الحزمة السياسية الأمريكية إلا أن مؤسساتها كانت تشير الى تعاون السودان في كافة المجالات المطلوبة. وأردف أن السودان في هذه المرة قدم المطلوبات قبل المشروطات التي في الواقع هي مطلوبات تعزيز خطوات السلام الداخلي، وزاد بأن الحكومة مضت في اتجاه تنفيذ الخطوات الفنية المتمثلة في إعلانها إيقاف إطلاق النار لمدة ستة أشهر أخرى.
وأشار الى أن الحكومة حريصة على إنزال آثار رفع العقوبات من خلال قراءته مع المناخ السياسي السائد بالبلاد.

*اتفاق سري
وفي ذات المضمار يقول القيادي بالبعث وجدي صالح، إن ثمرة رفع العقوبات كانت نتاجاً لاتفاق سري بين الحكومة والإدارة الامريكية، وزاد: من حقنا كمواطنيين وقوى سياسية أن نطالب بالكشف عن بنود هذا الاتفاق السري الذي وقع بين الطرفين لحظة التقاء وزارء خارجية البلدين جون كيري والبروف غندور قبل أكثر من عام ونصف حينما أعلنا وصلهما الى اتفاق حول خارطة طريق تعيد العلاقة مابين البلدين، لكنهما لم يفصحا عن تلك الاجراءات التي تم الاتفاق عليها في الخارطة، لكنه استدرك بالقول إن الشروط التي تم الكشف عنها تمثلت في خمسة مسارات هي السلام في السودان وملف جيش الرب، بجانب تحسين العلاقة مع دولة جنوب السودان والالتزام بمخرجات الحوار الوطني، والتعاون في مكافحة الإرهاب.

وقال أن هنالك ضبابية مازالت تتسيد الموقف ، كاشفاً النقاب عن ضغوط أمريكية مورست على المعارضة بشقيها المدني والمسلح من أجل الوصول الى تسوية سياسية مع الحكومة.
وتابع : هذا يجعلنا نعتقد أن الحكومة قد عقدت صفقة سياسية مع الإدارة الأمريكية حتى يتم تعبيد الطريق نحو التطبيع.

تقرير:أيمن المدو
صحيفة آخر لحظة