تحقيقات وتقارير

توقعات بزوالها قبل 2018.. الصحافة الحزبية.. بين الالتزام بالمهنية ومسايرة الولاء السياسي


إن كانت الصحف تعاني مرة، فالصحف الحزبية تعاني ألف مرة. فعلاوة على الهموم التي تتقاسمها جل الصحف، تعاني الصحافة الحزبية – في كل العالم- من مشكلة معاداة النظم السياسية، وعجز في حشد الجمهور بسبب مشكلات تتصل بتنازع الصحفي بين المهنية والولاء الحزبي والسياسي.

تجارب صحفية عديدة شابتها صعوبات أدت إلى عدم الذهاب إلى المطبعة، تساوت في ذلك صحف الحكومة والمعارضة، وكما توقفت صوت الأمة التابعة لحزب الأمة القومي، توارت عن الأنظار صحيفة الرائد لسان حال حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ومع ذلك استطاعت صحيفة (رأي الشعب) المنتسبة إلى حزب المؤتمر الشعبي أن تظل حاضرة لفترة طويلة، كما أن صحيفة الميدان المتحدثة باسم الحزب الشيوعي السوداني ما تزال مستمرة في الصدور رغم العقبات الكبيرة.

عن واقع الصحافة الحزبية، ومآلاتها المستقبلية نظم منتدى حزب البعث الشهري، منتدى عن (الصحافة الحزبية .. تحديات الواقع ومآلات المستقبل) بمقر صحيفة (البعث) الصادرة حديثاً، وكانت (الصيحة) حاضرة هناك.

مناخ سياسي
ابتدر المنبر الأستاذ مجذوب عيدروس، إنابة عن حزب البعث، بوصف القضايا التي تكتنف الواقع الصحفي في السودان بأنها شائكة ومتشابكة. وبعد ما قسم الصحف إلى مستقلة وحزبية وحكومية، أكد عدم إيمانه بما يسمى الصحافة المستقلة، مبررًا حديثه بأن المتوجه تلقاء الصحف الموسومة بالاستقلالية يجد في الكتابة والمادة الصحفية المنشورة نوعاً من التوجيه، وإن تم ذلك بحسن نية (حد تعبيره).

وأشار عيدروس إلى أن البيان الأول الذي صدر في بداية عهد الإنقاذ كان بمثابة ضربة قاضية للصحافة السياسية والصحافة الحزبية على وجه الخصوص، حيث حل البيان الكيانات والمنظومات الحزبية، وأغلق الصحف الأمر الذي قاد إلى تشريد الصحفيين وانهيار الصحف الحزبية التي كانت تصدر في حقبة الديمقراطية الثالثة.

ولفت عيدروس إلى أن الصحافة الحزبية بإمكانها أن ترتقي بارتقاء الأجيال، راهناً تطورها بتطور الأوضاع السياسية وحلول فصول الديمقراطية المعافاة، مؤكدًا استمرارهم كصحيفة حزبية على الرغم من المعاناة التي تمر بها الصحافة.

وفي الصدد نبه عيدروس إلى وجود خلط مفاهيمي ما بين الثقافة والصحافة، منوهًا إلى أن الصحافة والثقافة مفاهيم عابرة متجاوزة للآيدلوجيا، وتأسف على الوضع الذي تمر به الصحافة الحزبية موضحًا أن على الصحفيين لعب دور مهم حيال قضايا البلاد وقضايا تهيئة الأجواء.

تضييق الخناق
بدوره يرى الأستاذ كمال كرار رئيس تحرير صحيفة (الميدان) لسان حال الحزب الشيوعي السوداني أن الصحافة الحزبية كان لها دور كبير في نشر الوعي بالمجمتع السوداني، مضيفاً أن الأحزاب السياسية لطالما كانت تواجه التضييق ما يترتب عليه فرض مزيد من القيود على الصحافة الحزبية.

وذهب كرار إلى القول بأنه لا توجد صحافة مستقلة في السودان بصورة قاطعة، ما عدا القليل جداً من الصحف، مشيراً إلى أنه لا صحافة دون حريات سواء كانت حزبية أو مستقلة، معبرًا عن أسفه للتحديات التي واجهت الصحافة الحزبية مثل الحرية والتضييق المالي وحرمانهم من المصادر والإعلانات، خاتماً حديثه بالقول بوجوب إلغاء القوانين التي تعوق مسيرة الصحافة، مع بذل الحرية للصحف وترك مسألة المخالفات التي تحدث إلى التحاكم والقضاء.

شراسة عقائدية
وطوّف رئيس تحرير صحيفة (الصيحة) الأستاذ النور أحمد النور، على الحقب التاريخية السالفة التي مرت بها الصحافة الحزبية على وجه الخصوص والصحافة عموماً، منبهاً في حديثه بالمنتدى أمس، إلى أنه ما يزال يذكر سطوع شمس الصحافة الحزبية، مشيراً إلى التزام الصحافة في تلك الحقبة بالمهنية، وبالتالي انعكس فيها الصراع السياسي، لافتاً إلى أن أكثر الفترات التي انتعشت فيها الصحافة كان في آخر فترة حزبية في عهد الصادق المهدي، منوهاً إلى أن الأحزاب كانت لها صحف رسمية وصحف صديقة تعبر عن مواقفها.

وأقر النور بتأثير الأوضاع الاقتصادية والبيئة السياسية على الصحافة عموماً، لافتاً الأنظار إلى أن النظم العقائدية كانت أكثر شراسة في مواجهتها للصحف خصوصاً الشيوعيين في فتر حكم الراحل جعفر نميري.

ومن ثم قال النور إن التكنولوجيا والتقانات الحديثة لعبت دوراً في التأثير على الصحافة الحزبية، منادياً بضرورة أن يحدث مزج بين الصحافتين الورقية والإلكترونية في المستقبل، مطالباً الصحف الحزبية بإيلاء الاهتمام بأخبار المواطن بقدر اهتمامها بانتقاد النظم السياسية.

عدم تلاقح
أما الكاتب الصحفي الأستاذ إمام محمد أمام، فقد ذهب إلى وجود فجوة جيلية، وقال إن الجيل الحالي لم يتلاقح بعد، متهماً الساسة بالفشل في تطوير الصحافة وذلك باستثناء نماذج بسيطة، لافتاً إلى أن الصحافة الحزبية عادة ما تكون تابعة للحزب كادراً وتمويلاً، مشيراً إلى وجود صحافة أخطر من الحزبية متمثلة في الصحف السياسية التي تلبس ثوب الصحف المستقلة، مطالباً بضرورة التحرك وعدم الوقوف عند نقطة الحريات.

ألغام
وقال رئيس تحرير صحيفة (ألوان) الأستاذ محمد الفاتح إن تاريخ الصحافة الحزبية مليء بالألغام (حد تعبيره) وخص عهد السيدين، مشيرًا إلى تجربة صحيفة الأمة التي كان رئيس تحريرها الأستاذ صلاح عووضة، مشيراً إلى أن الإمام الصادق المهدي كان يقول بأن الأمة صوت لكل الأمة، في حين كان عووضة يقول إن الأمة عبارة عن سوط عقاب.

ويرى الفاتح بأن الصحافة الحزبية تريد أن يكون حديثها مقدساً، وأشار إلى عدم تفاؤله بنجاح الصحف الحزبية، التي قال إنها لن تصمد لو أتيحت لها الحرية، خاتماً حديثه بالقول بأن الصحافة الحزبية ستزول قبل العام 2018 إن لم ينصلح الحال.

غياب منهجي
ومن حيث انتهى عيدروس بدأ الأستاذ يوسف الشمبلي، حديثه بالقول إن الصحافة عموماً والصحافة الحزبية على وجه الخصوص أحرزت تقدماً في جوانب المهنية، مرجعاً ذلك إلى توفر الموهبة لدى الأجيال الحالية وإن كان التدريب غائباً. مردفاً بأن الجامعات باتت لا تدرس مناهج صحافية، واصفًا إيقاف الصحف بالأمر المزعج.

وفي سياق ذي صلة، قلل الشمبلي من تأثير التكنلوجيا على الصحافة الورقية بصورة كبيرة، مسترشدًا بتجربة الرئيس الراحل السابق إبراهيم عبود في إغلاقه للصحف الحزبية وترك الصحف المستقلة. واضعاً عدة شروط لتطور الصحافة الحزبية أبرزها مصداقية الخبر والحدث، موضحًا أن السودانيين هم من أسسوا الصحافة الخليجية.

ورأى الشمبلي أن الأحزاب السياسية عاجزة عن إنشاء صحف خاصة بها، منوهاً إلى أن قادة الأحزاب سابقًا كانوا يكتبون وحالياً بسبب مشاغل تنظيمية ووطنية ابتعدوا عن الكتابة .

الخرطوم: محمد داؤود
صحيفة الصيحة