عالمية

جنوب السودان .. انكسار المعارضة و(ثورة) الحكومة


(لا دار .. ولا بلد .. حلم تلاشى .. ودم ينزف), قطعا البداية ليست توصيفاً لصعوبات تحيط بدولة جنوب السودان, إنما مقارنة ومطابقة لأحلام الجنوبيين الذين رمت بهم خلافات أبنائهم في محيط الجحيم, ومن رفع البندقية سريعاً في وجه أخيه الذي كما يعتقد بعضهم أنه ناضل كثيرًا في «الغابة» لتحقيق الحلم بالاستقلال عن السودان,

إلا أن ذاك الذي يوجه بندقية الدم الآن لأخيه المناضل السابق, هو العدو اللدود, وهو القاصم لظهر إنشاء دولة مستقلة ذات سيادة حقيقية ووطن يسع جنوبيين قاتلوا عشرات السنين ممن كانوا يظنون أنهم يضعونهم في الدرجة « الثانية» كمواطنين, وعلى هذا السياق وسياق آخر يبدو قريبا, أضحت مشكلة جنوب السودان من الصعوبة بمكان ومحالة الحل إلا حالم» يعود الجنوب للشمال» ويدار تحت مظلة الدولة السودانية ووفق ما تعتقده وتحلم به بعض النخب الجنوبية وبنات أفكارها بـ»كنفدرالية شمالية – جنوبية».
و يماثل الرأي السابق واقعاً مؤلماً ومرفوضاً لنخب جنوبية أخرى, لكنه يدور في خلد بعضهم, والجنوب الآن الذي بات مسرحا عبثياً للموت وميداناً للاقتتال كلا يقاتل لدوافعه وقناعاته, إلا أن القادة العسكريين هم أصحاب القدح المعلى في القتال , ويديرون إقطاعيات ومليشيات تقوم بتدوير المدفعية والتدمير, وكذلك نخب وشخصيات فاشلة تتوارى خلف الأبواب, لكنها تدفع بالذخيرة لنافذة القتال. وبوقوع أحداث القصر الرئاسي السابقة وما صاحبها من تداعيات متصلة الى يومنا هذا , تقف حقائق مثيرة سابقة وجديدة عنواناً جديدا لواقع آخر ربما يشهد تصعيداً عنيفاً في مقبل الأيام القادمات, ويضع من جديد دولة جنوب السودان علي شفا حفرة الموت النهائي والانفصال لدويلات صغيرة, وبعيداً عن قالب التحرير الصحفي عند إجراء مراجعة أو حوار مع أحد كبار القادة الجنوبيين أو قل من قيادي من الوزن الثقيل فإن الحديث هنا لا يمكن نشره في إطار الحوار الصحفي لاعتبارين , أولهما أن الشخصية نفسها رفضت ذلك لجهة حساسية موقعها الآن بالدولة, بجانب أن نشر الحوار نفسه لا يعد مفيدا وفق ما يحتويه من حديث كثير للغاية يحتاج لأكثر من 20 حلقة لنشره وفق المساحة التحريرية بالصحيفة , لذا توافقت مع الشخصية على نشر حوارنا ومراجعتنا في قالب آخر , ربما يكون أقرب للتقرير الصحفي, ونبدأ هنا حلقات خاصة تكشف وتزيح الستار عن أخطر تفاصيل حرب الجنوبيين من وجهة نظر ولسان أحد الملمين بكل التفاصيل العسكرية والسياسية بجوبا:
مدخل:
*من يصدق أنك تحدثت لـ»الإنتباهة» ؟
*ضحك كثيراً وقال : لا يهم , أعتقد أن وقت الحديث قد حان بغض النظر عن الصحيفة أو الجهة.
في خضم صراعات خفية بين سلفا كير ميارديت ود. رياك مشار, ظهر لاعب أساسي في إشعال الصراع وإيصاله إلى منتهى الخصام والكراهية, وأدت تلك التدخلات إلى انهيار المعارضة نفسها وتشرذمها وانقسامها لاحقاً قبل فترة وجيزة من التوقيع على اتفاق السلام بين الجنوبيين في أديس أبابا, وقصمت ظهرها وعجلت بخروج قادة عسكريين كبار من بوابتها, ثم لاحقًا أدت الى إحداث أكبر هزة بالمعارضة الجنوبية وهي خروج القائد تعبان دينق.
ومع سخونة الأحاديث بين حرس نائب الرئيس المقال مشار, والحرس الرئاسي في جوبا أثناء اجتماع بين الرئيس سلفا كير ونائبه في ذلك الوقت د. رياك مشار , دارت اشتباكات بالأسلحة قتلت على الفور أكثر من 61 عسكرياً من الطرفين, لتتخذ الأمور منحى آخر بصدور تعليمات من زوجة مشار السيدة إنجلينا تينج بإرسال 350 جنديا من الجبل لإنقاذ زوجها من محاولة اغتيال أو حسبما نقل لها في تلك الأثناء لتنفجر الأوضاع بصفة رهيبة ويدخل الجانبان في أعنف مواجهة على الإطلاق.
ومع تلك الاشتباكات الدامية, وجه الرئيس سلفا كير حرسه الشخصي بإخراج نائبه مشار وإيصاله سالماً لمقر إقامته ليدور حديث بينه وبين قائد الحرس الرئاسي كالآتي:
– يجب عليكم أن توصلوه سليماً إلى بيته فوراً والآن.
– تمام سعادة الرئيس.
– إن حدث له مكروه . لا تعودوا أبداً لأني سوف أقتلكم . هذا نائبي ويجب أن يصل إلى بيته سالماً.
ويخرج التيم المرافق لمشار برفقة حراسة مشددة من حرس الرئيس ويصل سالماً كما وجه الرئيس, وتظهر في تلك اللحظات ضرورة ملحة وعاجلة لإيقاف الاشتباكات ليقوم الرئيس مرة ثانية بالاتصال بمشار لتوجيه قواته المتمركزة حول القصر وتتبادل النيران مع الحرس الرئاسي للانسحاب فوراً.
وبعد ساعتين يتصل الرئيس مرة أخرى بمشار لسحب قواته التي تتلقى تعليمات مشددة بالحفاظ على مكانها ولا تنسحب مما يستدعي استدعاء فرقة خاصة من الحرس الرئاسي لفك حصار القصر الموجود بداخله الرئيس نفسه, وتنجح الفرقة في القضاء على القوة في غضون ثلث الساعة, ويخرج الرئيس من البوابة الرئيسة وسط القوة محاطًا بها.
ومع مرور تلك اللحظات العصيبة على الرئيس سلفا كير, تداعت كثير من الترتيبات داخل قيادة الجيش بإعلان حالة الطوارئ فورا , وتقدم أكثر من 4 آلاف جندي لداخل جوبا لحمايتها وتأمينها , فيما ترابط قوات تقدر بـ1640 جنديًا خارج جوبا تابعة للمعارضة وقوة أخرى غير معروفة العدد دخلت العاصمة بالزي المدني وتتبع للمعارضة. ووفق ما جرى أمام القصر بدأ سيناريو مواجهة أخرى بين الطرفين بأنحاء جوبا المختلفة, وانتقل مباشرة إلى مناطق أخرى لتنفجر الحرب بين الجانبين وتدور مواجهات هي الأعنف من نوعها , ويحاصر نائب الرئيس داخل الجبل ويتم قصف موقعه وتضع المعارضة خطة لإجلاء وإخلاء زعيمها ينفذها ويدبرها الفريق بيتر قديت ويشرف عليها تمامًا ويتحرك مع قوة تقدر بحوالي 3 آلاف إلى جوبا ويصل الى تخوم جوبا تقوم بإخراج مشار ومن معه. وتأتي بعد ذلك قصة الهروب الشهيرة التي استمرت 44 يوما في أدغال الجنوب وصولا إلى دولة الكنغو.
موقف الرئيس
كما أعتقد فإن الرئيس سلفا كير ميارديت, ليس الشخص الراغب في الاقتتال رغماً عن خلافاتي الشخصية معه, ولا أود ان أقول إن هناك من يقفون وراء القتال لأن تلك مسببات واهية وضعيفة . المسألة باتت برمتها عبارة عن مجموعات ليس فيها رئيس أو « مرؤوس» إنما مصلحة سياسية أو قبلية او أخرى ذات ارتباطات محددة , فمثلا هناك مجموعة الآن هي مجموعة سياسية حكمت وسيطرت على المشهد الجنوبي, وهي الآن خارج الواجهة بالدولة, لكنها تفعل كل الممكن والمستحيل للعودة أدراجها.
سلفا كير شخص عسكري من طراز فريد, إذا نظرت لمسيرته العسكرية , لكنه افتقر للحكمة وهو يقود الجنوب خاصة بعد الانفصال, فشل بدرجة كبيرة رغم تحمل آخرين من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان لنسبة الفشل, فشل سلفا كما قلت في قيادة الحركة وهو ما انعكس على الدولة, ومنذ إعلان الانفصال اتسعت دائرة الحكم والنظر لكرسي الحكم, وانصرفت قيادات الحركة لذلك تخطيطا وتدبيرا في كيفية الجلوس عليه, ونسي هؤلاء والجميع الشعب الجنوبي لتبدأ سيناريوهات الخلافات وصناعة المكائد والمصائد والدسائس, ويرمي كل بشباكه حول بحيرة الآخر لاصطياده ونقله الى بر الاستبعاد وإتاحة الفرصة لنفسه للقرب من الكرسي. الرئيس يحتكم في كثير من الأحيان الى مجلس الدينكا , وهو مجلس معروف بانتمائه القبلي القوي جدا, فهو ينظر للقضايا بنظرة ضيقة للغاية من منظور قبلي فقط, ويراعي تداخلات المصلحة العامة للدينكا قبل مصلحة الدولة, وهي قاصمة الظهر التي رمت الجنوب في الخلافات والحروب. ويحتكم الرئيس في بعض الأمور العسكرية لجنرالات يثق فيهم وهم من قدامى المقاتلين معه غض النظر عن رتبهم العسكرية , فهو يشاورهم كثيرا في المسائل العسكرية وحسم المعارك التي يقودها ضد معارضيه. كما أنه يقحمهم في اتفاقيات السلام. ولا يحتكم الرئيس لقيادات كثيرة بالحركة فهو لا يثق في بعضهم خاصة من القبائل الأخرى أو التي تناصب الدينكا شيئا من الخلافات, والرئيس بصفة عامة يتحمل نسبة كبيرة في تدهور الأوضاع بالجنوب رغم خروج بعض الأمور عن سيطرته مثل ما حدث في القصر الرئاسي سابقا.
تحدث إلي قبل فترة ليست بالطويلة زمنياً, ونقل لي رغبة الرئيس في وضع حد لتلك المواجهات مع المعارضة بقيادة مشار, لكن بطريقة تحفظ كرامة الدولة ,أو كما قال لي محدثي فهو لا يكن له كراهية إنما ينظر الى احتمال ضياع الفرصة على الجنوبيين لبناء دولتهم أو خوفه الصريح من انهيار حلمهم , لكني في تلك المحادثة نقلت لمحدثي قولاً ربما يكون ثقيلا على الرئيس سلفا كير وقناعتي أنه سينقله له وهو « أن الجنوبيين لا ينتظرون منك شيئا الآن غير التنازل ونقل السلطات للجيش وتقديم كل من تورط فيما يجري للمحاسبة بمن فيهم الرئيس نفسه ونحن أيضًا». والرئيس الآن يقود ثورة حكومية لإعادة الأمور لنصابها أو وفق ما يعتقد بأن الحق الأصيل هو حق الحكومة ,ويسانده في تلك الطريق انكسار المعارضة نفسها.
د. لام أكول أجاوين
د. لام أكول واحد من تلك الشخصيات الغريبة ذات التقلبات المصلحية والنفعية. د. لام لم يحمل بندقية ليقاتل أحداً لكنه قاد سياسة شخصية تسببت في كثير من المشاكل التي تحيط بالجنوب الآن, فهو كما أسلفت «مصلحي» لا يهتم لمصلحة أحد إنما مصلحته الشخصية, ويرغب في تحقيق حلم, وهو حكم الجنوب باعتباره واحداً من مثقفيه وأحد رموزه, وهو حلم مشروع لكنه يصطدم بالعسكر خاصة الرئيس الذي أعتقد أنه لا يثق فيه . وأعلم ان هذا الحديث سيغضبه لكنه واقع, وأن نظرت لمسيرته خلال التمرد فهو قد تقلب بين رحى الحكومة والمعارضة عندما كان السودان بلداً واحداً. ووقع هو ود .رياك على اتفاقية مع الحكومة في الخرطوم في التسعينات ثم تقلب هنا وهناك.
د.لام, الآن في مرحلة حرجة بالنسبة لموقعه بالخارطة الجنوبية, فلا قبول لشعب الجنوب له باعتباره من القادة الذين لا يملكون فرصاً جديدة لتقديم شيء إضافة لتقدمه في السن, وهذا ما يخيف كثيراً من القادة الحالمين بحكم الجنوب, ان الوقت بات في غير صالحهم لوضع قدم على كرسي الحكم.

الانتباهة


تعليق واحد

  1. هذا هو الانفصال اللذي ارادوه ابناء الجنوب فاليشبعوا منه !!!!