الطيب مصطفى

بين الإعلام المصري وزيارة الشيخة موزا


عندما اغتيل بروفيسور هيكوك ، أستاذ التاريخ القديم Ancient history) بجامعة الخرطوم وعالم الآثار الكبير والعاشق المتيم بتاريخ وحضارة السودان في السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي ، في حادث حركة بينما كان يقود دراجته بشارع النيل كنا وقتها نتحدث ، إذ كنا طلاباً بالجامعة ، عن أنه قتل بواسطة أجهزة مخابرات تابعة لسفارة إحدى الدول العربية التي لم تكن تسمح للسودان أو لغيره أن ينافسها أو ينال من قناعة رسختها في أرجاء العالم أجمع بأنها مهد الحضارة الإنسانية بل هي أم الدنيا.

كان مستر هيكوك أول من صدع برأي علمي موثق يثبت سبق وعظمة حضارة السودان على سائر الحضارات الإنسانية وكتب عن ذلك عدداً من المقالات والبحوث في المجلات العلمية المتخصصة.

دفن العالم الشاب هيكوك الذي اغتيل غيلة وغدراً في أرض السودان التي عشقها بعد أن جاءت والدته من بريطانيا لتشهد مراسم الجنازة.

ما بدأ المستر هيكوك الكشف عنه توغل فيه عالم الآثار السويسري شارلي بونيه الذي أثبت أن الحضارة النوبية هي أول حضارة على وجه الأرض وأن كرمة كانت أول مملكة وأول حضارة في التاريخ وأن الحضارة الفرعونية المصرية كانت امتداداً للحضارة النوبية.

تذكرت ذلك الحادث الأليم للمستر هيكوك بينما كنت أقرأ بالأمس خبر إحباط شرطة المباحث عملية تهريب وبيع قطعة أثرية نادرة يرجع تاريخها إلى الحضارة الفرعونية لصالح جهات مصرية وأضاف مصدر الخبر بأن القطعة عثر عليها في إحدى مناطق التعدين الأهلي بشمال دنقلا وأن السرقة تمت من قبل مجموعة مرتبطة بجهات خارجية تعمل على تهريب وبيع الآثار السودانية.

أود أن أسأل : كم بربكم حجم الآثار التي سرقت وهربت منذ العهد التركي المصري لتضاف إلى تراث الحضارة الفرعونية في مصر بل خلال الحكم الثنائي الإنجليزي (المصري) للسودان الذي كان ولا يزال يتعامل مع الآثار ومع السياحة كعبء ثقيل تحمله الضرورة القصوى على التعامل معه وكم من الآثار أغرق في بحيرة السد العالي خلال عمليات الحفريات التي صاحبت إنشاء السد في بلاد لم تول طوال تاريخها القديم والحديث الآثار أدنى اهتمام؟!

التنقيب الأهلي عن المعادن الذي تفرد به الشعب السوداني دون سائر الشعوب للدرجة التي ساقت المنقبين السودانيين – ويا للعجب – إلى الجزائر البعيدة وإلى النيجر ناهيك عن مصر القريبة مما تسبب في مشكلات سياسية واعتقالات طالت أولئك المنقبين كم هو تأثيره على الآثار تحطيماً وتهريباً سيما وأن القطعة المسروقة التي ضبطت قد عثر عليها خلال عمليات التنقيب الأهلي؟!

تابعنا عبر الوسائط تلك الحملة الهستيرية التي ولغت فيها بعض وسائل الإعلام المصرية عقب الزيارة المباركة للأميرة القطرية الشيخة موزا لبعض معالم الحضارة السودانية في ولاية نهر النيل والتي ولدت غضبة مضرية ورد فعل واسع من الشعب السوداني الذي استفزه تطاول بعض القنوات المصرية وتهكمها من حضارة السودان وأهراماته.

صدقوني أن تلك الحملة وذلك الاستفزاز ولد شعوراً وطنياً كبيراً جعل السودانيين يتدافعون في الانتصار لكرامتهم المهدرة من سفهاء الأعلام المصري الساذج وما أحوجنا إلى تلك المحفزات التي تشعل جذوة الانتماء الوطني وما أصدق قول الشاعر :

إذا أراد الله نشر فضيلة طويت

أتاح لها لسان حسود

فقد انتشرت تلك الاساءآت والاستفزازات المصرية قصيرة النظر كما النار في الهشيم وتدوولت عبر الوسائط بصورة واسعة وبالرغم من اقتناعي ، لأسباب استراتيجية متعلقة بمصالح الدولتين بل الأمة جمعاء ، بأهمية ألا تسوء العلاقات بين الشعبين السوداني والمصري .

نحمد الله تعالى أن العالم اهتم بحضارتنا وبدأ يتفاعل مع اكتشافات شارلي بونيه وما عكسته الوسائط الاجنبية وزادت زيارة الشيخة موزا من وتيرة الاهتمام خاصة بعد غضب الإعلام المصري من تلك الزيارة وما صحبها من تفاعل إيجابي من بعض القنوات الخليجية والأجنبية بل وبعض الخطوط الجوية العربية التي أعلنت عن تسيير رحلات لعاصمة ارض الحضارات (الخرطوم) ونحمد الله تعالى أن ذلك كله أتى من غير حول منا ولا قوة وهكذا نحن على الدوام نعاني من تواضع بليد فهل بربكم كنا سنحتفي بأديبنا الروائي العالمي الطيب صالح لولا اكتشاف العالم له واحتفائه به؟!

لم يعجبني رأي جاري في (الصيحة) الأستاذ عبدالباقي الظافر الذي اقترح تعاونا بين هيئتي السياحة في السودان ومصر لتنظيم رحلات مشتركة بتذكرة واحدة للدولتين للاطلاع على حضارتي البلدين ذلك أن جارتنا العزيزة في الشمال لم تستوعب حتى الآن أو تعترف بأن هناك نملة سودانية تستحق أن تصور مع الفيل المصري أو أن السودان جدير بان تشد الرحال إليه من قبل السياح الأجانب!

الآن وقد بدأت الرياح تهب في أشرعة السياحة السودانية وبدأ العالم يهمس بأن هناك منطقة جذب سياحي جديدة بدون أن نوجف على ذلك خيلاً ولا ركاباً ينبغي أن نولي هذا المورد المهم والجديد اهتماماً أكبر بأن نوسد الأمر لبعض أهله من المختصين في السياحة والآثار وليتنا نتذكر أن مصر أيام عافيتها السياحية قبل أن يطبق نظام السيسي على أنفاسها كانت تحصل من السياحة على 15 مليار دولار في العام.

إن الآثار السودانية وحمايتها والترويج لها والصرف عليها يحتاج إلى اهتمام أكثر كما أن السياحة تحتاج إلى ذات الاهتمام سيما وأن السودان في حاجة إلى ترميم سمعته التي تهشمت كثيراً خلال العقود الأخيرة ولا أشك أن حضارته الباذخة مما سيسهم كثيراً في تحقيق ذلك الهدف الغالي.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫3 تعليقات

  1. //خلال الحكم الثنائي الإنجليزي (المصري) للسودان/

    سلام الشيخ
    اسمو الاحتلال الانجليزي فقط لو سمحت مصر هي ايضا كانت محتله
    ف كيف لمحتل ان يحتل مع الذي احتله كلام الطير ف الباقير
    التاريخ كتب غلط ونشك ان للمصريين يد فيه
    +
    اهم شئ قوات دعم سريع لحراسه الاثار الحوة ارض مدن مدفونه

  2. جزاك الله خيرا باشمهندس ان ما سطرته هو ما يدور في خلد جميع السودانيين وما مملكة الفنج ومملكة كوش ( وهي كلمة نوبية تعني الشعب ) ومملكة المقرات وسلطنة الفور الا نتاج ارث تاريخي بدا بزواج سيدنا ابراهيم عليه السلام بالنوبية هاجر ثم اسماعيل عليه السلام وسيدنا موسى عليه السلام .
    نحن نتشرف بان كل هؤلاء الانبياء والرسل منا من ارض النوبة التي امتدت من العراق وحتى الصومال وما هجرة محمد احمد المهدي من دنقلا ومناصرة اهلنا في الغرب والشرق والجنوب حتى النيل الابيض ارض الاشراف وقديما نشر الاسلام ( ونحن اول من قبل الاسلام دون قتال ) الا تاكيد تسيدنا الارض دينا ودنيا وذلك حينما ضعفت الدولة الاسلامية في الاندلس كانت سلطنة دارفور التي ظلت حتى القرن العشرين .
    اخي مصطفى نحن السودانيين نفتخر بالانبياء وهم يفتخرون بالفراعنة وهم اول واخر من قال انا ربكم الاعلى .

  3. أهم شئى هو حمايه العالم السويسرى شارلى بونيه ولقد كتبت هذا الكلام من قبل وأعيده ثانيه حمايه هذا العالم أهم من حمايه عمر البشير يا محمد عطا .