تحقيقات وتقارير

العنف بالجامعات : سياسيون في دائرة الاتهام


عام يمضي على آخر موجة أعمال عنف شهدتها الجامعات السودانية في أبريل من العام الماضي، وشملت جامعات الخرطوم وكردفان وأم درمان الأهلية وتسببت في مقتل طالبين، ونتيجة لموجة العنف تلك صدر قرار بتشكيل الشرطة الجامعية في أغسطس المنصرم، ورغم الاحتجاجات والرفض الذي قابل الإعلان عن إنشاء شرطة لتأمين الجامعات بهدف حماية الأرواح والممتلكات قوامها 760 شرطياً من قبل الطلاب والناشطون، إلا أنه يبدو أن تلك القوات تمكنت من السيطرة إلى حد ما على الاحتجاجات الطلابية المتكررة في الجامعات، تعبيراً عن الوضع السياسي في البلاد، أو بسبب قرارات إدارية من الجامعة .

عدد من طلاب جامعة الخرطوم أرجعوا الاستقرار الذي شهده العام الدراسي إلى رغبة الكثير من الطلاب في إنهاء دراستهم والتخرج عقب تعطلها لفترات طويلة، مما ترتب عليه أعباءً اقتصادية إضافية على أولياء الأمور، وآثار نفسية على الطلاب، ويقول أحد الطلاب بالجامعة إن استغلال الطلاب من قبل الأحزاب السياسية لممارسة نشاط سياسي في الحرم الجامعي، وجعله كساحات معارك، يكون له تأثير سيء على أولياء الأمور لا تحسب حساباته الأحزاب السياسية، فتأخير الدراسة وتجميدها يمثل عبئاً كبيراً عليهم، فبدلاً من أن يتخرج ابنهم في أربع سنوات يتخرج في 5 أو 6 سنوات بسبب المشاكل التي تحدث في الجامعات، وهذا يعني زيادة المصروفات على الأهالي، وأيضاً هناك بعض الأهالي فقدو أبناءهم في الأحداث الدامية بجامعة الخرطوم مثل أسرة الشهيد (علي أبكر) الذي كان أحد ضحايا العنف بالجامعة، بطريقة غير مقصودة، توفي هذا الطالب داخل الحرم الجامعي جراء طلق ناري، وإلى يومنا هذا لم يعرف قاتله، فهناك طلاب تم فصلهم من الجامعة، وكما يتم تسميته بالـ(الفصل التعسفي) لأغراض سياسية لا علاقة لها بلوائح الجامعة، يتم فصل الطالب فصلاً مباشراً، وعندما يفصل الطالب ترجع آثار هذه الإجراءات على الأهالي، وهناك أسر فقدت أبناءها الطلاب عن طريق الاعتقالات، فقد تم اعتقال الكثير من الطلاب من الجنسين طلاباً وطالبات، وهناك طلاب تعرضوا إلى أذى جسدي كبير، وبعض الإصابات أدت إلى الإعاقه لبعضهم، كل هذه معاناة يعانيها الأهالي بسبب الأحداث التي تقع بالجامعات
استغلال الطلاب
واتفق جميع الطلاب الذين تحدثوا للصحيفة على استغلال الأحزاب السياسية للطلاب لتحقيق أغراضها، فكل حزب سياسي سواء أكان موالياً للحكومة او معارضاً يمنحون الطلاب صفة العضوية في الحزب المعين، ومن خلال هؤلاء الطلاب ينفذون أفكاراً ومشاريع هذا الحزب، وتوصيلها للجمهور عن طريق أمانة الطلاب، وذلك من خلال أركان النقاش والندوات ومخاطبات في مختلف الجامعات، ومن خلالها يوصلون أفكار هذا الحزب لمن يريدون أن تصل إليه، فالأحزاب بمختلف تسمياتهم بوابتها ومعبرها الأول لتنفيذ أهدافها هم الطلاب.
إمتصاص طاقة العنف
الباحثة في علم النفس التربوي د. رويدا حسين أحمد ترى أن العنف هو رد فعل ناتج عن كبت وتقييد حريات، أو عدم التعامل الصحيح مع مشكلات الطالب، ومشكلات مرحلته العمرية، فهؤلاء الطلاب هم في طور نمو، فسنين الجامعة الأولى عبارة عن مرحلة مراهقة، ومن المعروف أن هذه الفترة هي فترة تمرد، وهي نمو طبيعي يحاول فيها الفرد فرض ذاته وسيطرته وإبراز قوته، وبعض الطلاب بالمرحلة الجامعية يمرون بفترة يطلق عليها (المراهقة المتأخرة) يحاول فيها الطالب تكوين رأيه لما يدور حوله في المجتمع، وهذه ليست مشكله فهى مرحلة طبيعية، ولكن المشكلة تكمن في كيفية التعامل مع هؤلاء، وكيفية السيطرة عليهم، وتقول رويدا لـ(آخر لحظة) لا أقصد بالسيطرة التحكم فيهم بل التحكم في أفكارهم وتوجيهها توجيهاً صحيحاً حتى نمنع كل الأضرار الناتجة عنها، فلابد من معاملتهم معاملة صحيحة مدروسة علمياً، حتى يتم امتصاص ذلك العنف أو تلك الطاقات السلبية، ولكن ما يحدث الآن في الجامعات هو عكس ذلك، فالآن هذه الطاقات الكامنة لدى الطلاب يتم استغلالها بطريقة خاطئة، حيث زرعت فيهم حب السيطرة والعنف، وأخذ الحق بالقوة وليس بالحوار السليم، ولكن ليس كل عنف ناتج عن الطلاب يفسر بنسبته لنوع من الحراك السياسي، فالعوامل النفسية لدى بعض الطلاب ليس لها دخل بالسياسة، ولكن لا ننكر أن هؤلاء الطلاب يتعرضون لاستغلال واضح وكبير من قبل الأحزاب السياسية والجماعات المتطرفة التي تسعى إلى خلق الفوضى وزعزعة الاستقرار في المجتمع، لذا ليس لديها قوة عاملة تستطيع وضع يدها عليها سوى هؤلاء الطلاب، من خلال تلك الطقوس التي تسمى بالمنابر والندوات السياسية وأركان النقاش التي من خلالها يفرض قادة الأحزاب هيمنتهم وقوتهم على هؤلاء الطلاب والناشئين، حيث يتم خداعهم بالسلطة وبعض الأموال والعديد من الخدمات عبر شعارات حماسية يتم بها غسل عقولهم، حتى تحقق تلك الأحزاب والجماعات مطالبها دون الظهور الواضح وتحميل مسؤولية ما يجري للطلاب، وهذا حال كل المجتمع السوداني، فالكل يحاول فرض سيطرته على من هو أضعف منه، ففي المجتمع السوداني يتم معاملة الطفل منذ نشأته على العنف حتى يكبر ويطبق ما جرى فيه من تعنيف، فكأنما يأخذ بثأر قديم، ولكن هذا العمل غير صحيح (فالخطأ لا يعالج بالخطأ) وتلعب الأسرة دوراً كبيراً في معالجة هذا العنف من خلال التوعية المستمرة، وعلى الشباب الرجوع إلى الدين، فمنذ ظهور وسائل التواصل والتقنيات الحديثة إبتعد جيل الشباب كل البعد عن الجانب الديني وواجباته، فالدين الإسلامي نهى عن العنف ووضع الحلول لنبذه، كما أن لوزارة التربية والتعليم دور أساسي في تقليل هذا العنف، فالمرحلة الجامعية مرحلة ثورة وعنف وطاقات زائدة وليس من العدل أن يستغلها السياسيون بهذه الطريقة الوحشية والتي وصلت إلى مرحلة الإغتيالات والقتل.
من قلب الحدث
أحد الطلاب المتأثرين من الأحداث بجامعة أم درمان الأهلية محمد عبد الرحمن خوجلي كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية قسم المحاسبة المالية يقول “العنف الطلابي متواجد في كثير من الجامعات السودانية، ولديه الكثير من الأسباب، ولكن الأحداث التي جرت بجامعة أم درمان الأهلية أسبابها كانت النزاعات وسط طلاب من الأحزاب السياسية، الإ أن السبب الذي أجج نيران العنف هو عدم تلبية إدراة الجامعة لمتطلبات الطلاب من خدمات أساسية كتوفير البيئة الصالحة للطالب، وتهيئة أماكن الدراسة حتى يستوعب الطالب المعلومة بكل سهولة ويسر، وتلك الخلافات بين الطلاب والإدارة أدت إلى تأخير موعد الامتحانات وإغلاق الجامعة لفترات طويلة، مما آدى إلى تراكم الدفعات وضغط الطلاب في التقويم وتأجيل الامتحانات بعد نزول الجدول، وكما هو معروف لطلاب البكالريوس قسم المحاسبة علينا التخرج في 4 أعوام، ولكن هذا عكس ما يجري الآن، فنحن اليوم نتخرج في ستة أعوام إن كنا من المحظوظين، وأحياناً تطول المدة حتى يترك العديد من الطلاب الجامعة، وحالياً جامعة أم درمان الأهلية بها العديد من التراكم، فتجد دفعتين للسنة الأولى أحداها تدرس والأخرى في الانتظار، هذا هو حال الجامعة الأهلية، وتلك هي الأضرار التي يعاني منها الطلاب، والتي نتجت عن تلك النزاعات والعنف الطلابي، ولكن إذا أرادت الإدارة والطلاب حل هذه المشاكل فلابد لهم من الفصل بين العمل السياسي والأكاديمي بالجامعة، ومنع ممارسة أي نشاط سياسي داخل الجامعة، سواء أكانت ندوات أو منابر أو أركان للنقاش، فمنهم تتقد نيران العنف ولهيبها، أنا أحد الطلاب الذين عانوا من تلك الأضرار تخرجت في 5 سنوات ونصف بدلاً عن 4 سنوات، وبسبب تلك المشاكل أصبح الجميع ينفر من جامعة أم درمان الأهلية بعد أن كانت رائدة في التعليم، ولها اسمها بين الجامعات السودانية في العام الماضي، وبعد إعلان نتيجة القبول بدلاً من أن يأتوا للتسجيل كانت النتيجة الصادمة للجامعة الكل جاء لتقديم استقالته، مما ترك سمعة سيئة بحق تلك الجامعة العريقة، فالآن ارتبط اسم جامعة أم درمان الأهلية بالعنف والمظاهرات، ولا بد من وضع حل لهذه الكارثة التي تفاقم على الإدارة حلها لإرجاع جامعة أم درمان الأهلية لسابق عدها.
حسم الفوضى
أما الطالبة بجامعة بحري ريان عوض الله موسى بشير فتحكي عن الأحداث التي دارت بالجامعة، قائلة لقد كان العنف الذي وقع بجامعة بحري في الفترة الماضية ناتجاً عن سببين لا غير: أولها المناقشات السياسية بين الأحزاب والحركات السياسية، وأما السبب الثاني فقد كان بسبب الرسوم الدراسية للجامعة مما أدى إلى حدوث فوضى ونقاشات بين الطلاب والشرطة، وبسبب هذه الفوضى قام بعض الطلاب بحرق السيارات والمكاتب التابعة للأساتذة والموظفين بالجامعة، كما قاموا أيضاً بحرق مكاتب عمادة شؤون الطلاب، وقد إتخذت إدارة الجامعة إجراءاتها تجاه هؤلاء الطلاب المتفلتين، حيث تم فصل كل المتورطين في الأحداث، وقامت الإدارة بوضع حلول لمسألة الرسوم لدى الطلاب، حيث خفضت من نسبة الرسوم للطلاب المحتجين عليها، كما أصدر مدير جامعة بحري قراراً بوقف النشاط السياسي بالجامعة، وعدم ممارسته على الإطلاق، وكل من تسول له نفسه نشر الفوضى مرة أخرى يتم مساءلته قانونياً، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده، وهذه هي المعالجات التي تخلصت من خلالها جامعة بحري من العنف الطلابي، فبالرغم من معاناتنا جراء هذا العنف والذي نتج عنه تعطيل للدراسة بسبب خوف الطلاب، إلا أننا اليوم ننعم بالهدوء والاستقرار بالجامعة.

اخر لحظة