حوارات ولقاءات

عفاف تاور : عقار وعرمان (راح ليهم الدرب)


مياه كثيرة جرت تحت جسر الحركة الشعبية قطاع الشمال، تخللتها إقالات وانشقاقات، وتجميد للمفاوضات، مراقبون وصفوا تلك المياه بالآسنة، خاصة وأنها جاءت تعبيراً عن (أحوال) راكدة منذ أمد بعيد دون أي حراك، القيادية بجبال النوبة النائبة البرلمانية عفاف تاور اتهمت قيادات الشعبية باستغلال قضية جنوب كردفان لتمرير أجندتهم والاستفادة منها في مصالحهم الشخصية، سيما وأنهم يطالبون بحلحلة قضايا البلاد بصورة عامة، الأمر الذي أدى إلى استمرار الحرب بالاقليم بخلاف ما حدث في اتفاقية الدوحة المماثلة التي ناقشت قضية دارفور، (آخر لحظة) جلست إلى تاور التي تحدثت بمرارة إزاء ما يحدث بالمنطقة فالى مضابط الحوار .

*ما رأيك فيما يحدث بين الحركة الشعبية ومجلس تحرير جبال النوبة؟
-صحوة متأخرة، وهي نتاج طبيعي للصراع الداخلي بين القيادات، والمعلوم عدم علاقتهم بالجبال، ولكنهم انقضوا على ظهر أبناء المنطقة لتحقيق أغراضهم، وتوجههم السياسي معروف ومحسوب على الحزب الشيوعي، وللأسف استولت تلك القيادات على ثروات المنطقة من تعدين ونهب ممنهج ببنك الشمال أو ما يعرف ببنك النوبة بالجنوب، بالإضافة إلى الدعومات التي تتسلمها الحركة من المجتمع الدولي، ولا وصف له بغير صراع المصالح، وإذا اختلف اللصان ظهر المسروق، لذلك طفى الخلاف على السطح.
*هناك من يرى أن استقالة الحلو كرت ضغط؟
– نعم وهي مسرحية سيئة الإخراج لأنه يعلم نفسية إنسان المنطقة، رغم ابتعاده وتقصيره، بقصد أو غيره، وهو خطاب استجدائي وعاطفي للقيادات الميدانية التي فهمت النداء بعدم قبول الاستقالة، ليعلنوا عزلهم لعرمان وإسناد الملف للحلو.
*الحديث عن ابتعاده بقصد أو غيره يعني أن أي قرار اتخذه عرمان كان فردي؟
-ليس صحيحاً بل بمباركة، والدليل وقوف عقار معهم وكل ما يدور باتفاقهم، وابتعاد الأخير جعل الاثنين يحيدان عن المنفستو المتفق عليه، ولا خيار أمامه للرجوع سوى مسرحية الاستقالة.
*هل سيؤثر الصراع في السلام؟
– دون شك وأقلها تعطيل مساره ريثما يتم ترتيب البيت الداخلي حتى تتضح لهم الرؤية، ولا أعتقد أنه سيأخذ زمناً طويلاً، وستحدث مفاجآت خاصة بعد إعلان الحلو الحكم الذاتي عقب تبشيره بتسلم الملف.
*هذا يعني أنها ستدخل للمفاوضات بوفدين؟
– أتمنى أن يدخلوا بوفدين حتى يتم فصل قضية جبال النوبة عن النيل الأزرق، وماعادت تشبهها، إذ أن ميزتهم كانت متمثلة في المشورة الشعبية الموضوعة في البند قبل الأخير باتفاقية السلام 2005م، وهي واحدة من الاستحقاقات، ولكن الجنوبيين قفزوا على تقرير المصير وتوجهوا للاستفتاء، وكان على السلطات عدم الموافقة، وأن ينفذوا ما هو متفق عليه في كافة البنود، والواضح أن القائمين على أمر النيل الأزرق كانوا أذكياء آنذاك، وقطعوا شوطاً في المشورة يكاد يكون أكبر من 80%، والمشورة موضوعة لمعالجة الخلل في الاتفاقية نفسها.
*ماهو الخلل في الاتفاقية؟
– أغلب ماجاء فيها المطالب الاقتصادية والمشاركة السياسية، ولم تتقدم كردفان خطوة واحدة، والمتابع للشأن يعلم أن مقومات تقرير المصير أصبحت غير موجودة، فلا ضامن بعد انقسام ولاية جنوب كردفان بجانب انفصال الجنوب، باعتبار أن الاتفاق كان على مساحة محددة وعدد سكان، وضامنين معينين هما الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، واختل الميزان بعدم تواجد أحد الضامنين، لتضحى الخطوة التي تحدث عنها الحلو عرجاء، لانتفاء قيامها بالشروط الموضوعة في الاتفاقية، والقانون الذي إجازة البرلمان.
*الحلو يطرح تقرير المصير؟
ليس من الصحيح أن تطلب أي مجموعة تقرر مصيرها مجرد حملها للسلاح، وما انتهجته الدولة في جنوب السودان كان بهدف تحقيق السلام باي ثمن، ولم يتوقعوا حدوث انفصال، وأرجو عدم تكرار السيناريو لاختلاف الأوضاع في جنوب كردفان، وقد أخذ بند الانفصال على حين غرة من النخب الجنوبية التي أحدثت حروباً ومجاعات بالدولة الوليدة، وأتمنى أن يستفيد الآخرون من الدرس، والمعلوم أن تقرير المصير يمثل مستقبل أمه، ورغم ذلك تعاملت بالتزمها الأدبي والإيفاء به أمام المجتمع الدولي، ولم نتلمس رغبة المواطنين وتعاملنا بانفعال النخب، وقطعاً لها أغراضها ومصالحها التي تصب بعيداً عن مصالح المواطنين.
*هل ستقفون ضد تقرير المصير؟
نعم بالتأكيد، ووجود المشاكل وخروجهم عن الدولة وتعاطف المجتمع الدولي لا يمنحهم حق فرض رأيهم على الأغلبية، وهذه جرأة متناهية، وسيواجه برفض داخلي وخارجي سيكون مرفوضاً لأبناء النوبة الشرفاء.
*البعض يتهم الوطني بالتسامح في قضايا مصيرية؟
-هذه أماني والوطني لا يكمم الأفواه، وهناك طرح على الطاولة.
ماهي طبيعة الأوضاع بكردفان؟
رجوع أعداد هائلة من مناطق التمرد لأسباب عديدة بينها التعنت الذي صاحب الجولات خاصة بالمسار الإنساني، ونحن غير بعيدين عن الملفات من التجنيد القسري للأطفال في ما يسمى بالجيش الأحمر، وأحمِّل الحركة ما لحق بأبنائنا ولحاقهم بالميادين، وأغلبهم الآن فاقد تربوي، الأمر الذي أضاع جيلاً بأكمله، حيث أخذ تلفون كوكو أكثر من 10 آلاف جندياً، وحالياً هم القوة التي يرتكز عليها سلفاكير في صراعة مع مشار، بجانب تسيدهم للميدان بالنيل الأزرق، فالجيش الموجود هناك من أبناء جنوب كردفان، ولا يستحون عن ترديد اسم المنطقتين، في وقت يموت فيه أبناء النوبة بالولاية التي كان يحكمها عقار.
*هل أثرت المطالبات الجماعية على التنمية؟
بلا شك فالنيل الأزرق تعافت تماماً وغطتها التنمية عكس جنوب كردفان.
*ماهي الأسباب التي تجعل الثلاثي يبقى على رأس الحركة؟
-الغيبوبة التي يعيش فيها أبناء النوبة، وعندما يتحدث عقار وعرمان والحلو ينظرون الى القضايا القومية، التي لا علاقة لها بما رُفع من أجله السلاح، كما حدث في الدوحة والكويت المعنية باتفاقية الشرق، وناقشت تلك المنابر قضايا مناطق محددة، وذلك لأن أبناءهم يمسكون بزمام الأمور، بينما يترك أبناؤنا المجال لآخرين يطالبون بحقنا، في وقت لا ينتمون إلى الاقليم.
*وذلك يعود لسيطرتهم أم تخاذل وعدم إدراك أبناء المنطقة؟
– لعدم ثقتهم في أنفسهم، خاصة وأن الميدان في جنوب السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان فهم أشاوس ويقاتلون لأجل مطالبهم، فلماذا لايقاتلوا بأنفسهم حتى النهاية، ولا يعني ذلك أننا نفتقد للقيادات، وإذا أردنا أن نريح أنفسنا من عقار وعرمان، لابد من فصل قضيتنا عن النيل الأزرق، وإقالتهم الثلاثة واجب باعتبار أنهم السبب الرئيس في المشاكل الدائرة هناك.
*تقصدي أن هناك استقلالاً لقضية الاقليم لتمرير أجندتهم؟
– قضيتهم ذوبوها في القضايا القومية، (السودان، المناصير، وشرق البلاد) في حين أن أهل الغرب حسموا أمرهم في الدوحة، والشرق وفي الكويت، ولو حصر أبناء النوبة الشرفاء أنفسهم في قضاياهم لانتهت الخلافات، وأرجع أسباب تأخر الولاية في التنمية لما ذكرته، وللمقارنة منطقة دارفور تشهد استقرار وتنمية وازدهار.
*ما طبيعة المطالبات التي صعب حلها حتى الآن؟
– هي متراكمة منذ أمد بعيد، وجنوب كردفان من المناطق المغلقة، وقصد المستعمر ذلك مثلها والجنوب، وأغفلت الحكومات المتعاقبة قضاياها، مما قادها للوضع الموجود حالياً، وذلك منذ الاستقلال حتى وصول الإنقاذ، وتتمثل المطالب في التنمية من تعليم وخدمات بجانب المشاركة بالسلطة، وأكبر غلطة ربطتنا بالجنوب تسليم يوسف كوة والأب فلب عباس غبوش الملف للراحل جون قرنق، وفي تلك الفترة أوشك الجنوب على الانهيار عسكرياً، وتم استقلال أبنائنا وهم جنود في أعلى جاهزيتهم، وللأسف قاموا باتباع عادات القبائل الجنوبية من قلع لبعض أسنانهم واتباعهم نهج الشلوخ الأمر الذي طمس هويتهم، وأضاع هويتهم، وجعل أغلبهم أميين لم يتعلموا، ولو سلمناهم السلطة لا يستطيعون استغلالها، فهم يمثلون اليد الباطشة وهذا أمر مقصود، ولو أحست قيادات الحركة بقضيتهم لقسموهم إلى الميدان، ولم يسلم من أهلوا أنفسهم من تصفيات عبد العزيز الحلو، الذي هو في الأصل دكاتوري وبعد تفويضه سيزداد الأمر سوءاً.
*تتوقعين أن تشهد الأيام القادمة انقسامات وتصفيات ومجموعات للقيادات؟
-لو استعملوا ذكاءهم لن تكون هناك مجموعات، فقضيتهم أهم، وهم أبناء منطقة واحدة ويختاروا من يروه مناسباً منهم وإبعاد القيادات الثلاثي.
* مجلس التحرير يحق له عزل القيادات وماذا بشأن الغاء عقار للقرار؟
-الكرة بملعب المجلس- أي أبناء جنوب كردفان- فهم الأغلبية لماذا يقبلون بوضع أشخاص على رأسهم يقولون إننا قبلنا أو ألغينا قراراتكم، والمجلس لدية الحق في إقالتهم جميعاً، ويمثل مجمع قيادات والجمعية العمومية، وإذا لم يكن موجوداً المجلس ليس هناك حركة شعبية.
*أتعتقدين أن مؤتمر الحركة القادم سيغير مجريات الأوضاع؟
– يمكن أن تحدث مفاجآت إذا درسوا الساحة السياسية جيداً، ورتبوا ورجحوا مصلحة أهاليهم ومصالحهم كقيادات تجلس في الميدان.
*ماذا بشأن اجتماعات عقار وعرمان؟
– مثل ما يقول أهلنا (الدرب راح ليهم في الموية) فهم في محاولة بحث عن الطريق الصحيح.
*هل ستكون هناك ضغوط خارجية؟
– يوجد صراع بين القيادات لحين حسم الأمر لدى الاتحاد الافريقي، وقد يتمسك عرمان بأنه مفوض والمسألة ليست سهلة له حتى يذهب هكذا، بينما يحضر الآخرون قراراً بإبعاده، وما أخرجه عقار اعتبره معركة في غير معترك بالغاء قرار مجلس التحرير بعد استجدائهم، وهذا اهتزاز داخلي وصراع نفسي يعيشه، لأن المجلس هو القاعدة التي أحضرته، وقالت كلمتها ومن المفترض أن يصبر حتى انقضاء الاجتماع، ولن يشتغل أحد بقراره.
*كيف تقرأين تجميد الحركة للمفاوضات في ظل وجود مراقب افريقي؟
– من البديهي الانتظار وترتيب البيت الداخلي، وأي تأخير ليس من صالح المنطقة.
*هذه الصراعات يمكن أن تؤثر على مهلة أمريكا لرفع الحصار كلياً، سيما وأن المطلوب منه إحداث استقرار اقليمي؟
-الحكومة خطت خطوات بوقفها لاطلاق النار، ولكن الحركة خرقت الاتفاق وأخيراً في حادثة الطائرة التي تجمع أوراق امتحانات الشهادة السودانية، ورغم ذلك السلطات ملتزمة وتضبط نفسها، ومضيه يُحسب له.
*ماهي الحلول لأنهاء مسلسل الحركة الشعبية؟
– لدينا تجربة يحتذى بها في حلحلة المشاكل، ومتمثلة في الحوار الوطني ولو استغلتها الحكومة وفتحت باب الحوار لكل أطراف الصراع الحركة الأحزاب المنشقة منها ومنحتها ذات الضمانات لحاملي السلاح الذين فاوضوا ورجعوا تستطيع الخروج من نفق الأزمة.
*تحولات سياسية على مستوى الاقليم وصراعات طفت والحراك السياسي الخاص بتشكيل حكومة وفاق؟
– يمكن استغلالها إذا لم يربطوا أنفسهم بالحزب الشيوعي، ولم يدخلوا في المطالب القومية، وبما يحدث الآن لا اعتقد انهم سيلحقوا، ولكن يمكن أن يجدوا لهم مخرجاً، فالحكومة تريد السلام ولو تنازل الوطني عن مقاعد لها، كما حدث حالياً، وعبركم أرسل رسالة لأبناء النوبة أن يمسكوا ملفهم بأنفسهم وإذا لم يفعلوا يتوقعوا أن يحدث أكثر من ذلك، وأقول للثلاثي القائم على أمر الشعبية أن يستحوا على أنفسهم وكفانا دماراً، وأن يذهبوا غير مأسوف عليهم ليريحوا أنفسهم والآخرين.

اخر لحظة