تحقيقات وتقارير

خبراء إعلاميون يرسمون مستقبلا قاتما للصحافة الورقية في السودان


رسم خبراء إعلاميون مستقبلا قاتما للصحافة الورقية في السودان وأعلنوا اقتراب نهاية هذا النوع من الصحافة في ظل العديد من القيود والمشكلات التي تحيط بها.
وأعلن عبد العظيم عوض، الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، في منبر أقامته «طيبة برس» وشركة الأقمار للإعلام، أن انتشار شبكة الانترنت وتوظيف وسائل التواصل وإنهاء مفهوم الدورية (النشر المتواصل) من أهم أسباب التدهور.
وأضاف أن تراجع الانضباط المهني في الصحف أدى لضعف المحتوى والاستخفاف بالمتلقي بما وصفه بالكذب الصريح والجهل والغفلة، مبينا أن الصحف تعتمد على المواد الموجودة في الإنترنت بنسبة تصل إلى 80 % في بعض الأحيان.
وأشار عبد العظيم عوض إلى تحول العديد من الصحف من قوالب العمل الصحافي المعروفة مثل الخبر والتقرير والتحقيق إلى مواد الرأي، مشيرا إلى أن العدد الأكبر من كتّاب الرأي لا علاقة لهم بالمهنة.
وأرجع تدهور الصحافة إلى أسباب أخرى منها ارتفاع مدخلات صناعة الصحافة وضعف أجور الصحافيين وإشكاليات الإعلان وتفاوت أسعاره من صحيفة إلى أخرى. وقطع عوض بأن الحرية المتوفرة للصحافة السودانية لا توجد في الكثير من البلدان. وقال إن بعض رؤساء التحرير طالبوا بإعادة الرقابة القبلية لتجنيبهم الكثير من الحرج. وأوضح أن عدد الصحف في السودان حاليا يبلغ 44 صحيفة، منها 25 سياسية و11 رياضية و8 صحف اجتماعية، منوها أنها تطبع حوالى 116 مليون نسخة في العام وتوزع حوالى 72مليون نسخة سنويا، مبينا أن التوزيع تراجع في عام 2016 بنسبة 21%.
وحسب مزمل أبو القاسم، رئيس تحرير صحيفة «اليوم التالي»، وعضو مجلس الصحافة، فإن تدهور الصحف في السودان يعود إلى الأزمة الاقتصادية مستدلا بارتفاع سعر الصحيفة من خمسين قرشا لأربعة جنيهات خلال عامين فقط . وقال إن إزالة أكشاك توزيع الصحف في الخرطوم تسببت في فقدان 70% من منافذ توزيع الصحف، مشيرا إلى أن هذا الأمر مقصود وممنهج، يضاف إلى ذلك صعوبة صعوبة وصول الصحف إلى ولايات السودان وارتفاع سعر طباعة الصحف خلال العامين الآخيرين.
وأشار إلى أن عددا من الصحف الكبرى تعاني من مديونات كبيرة ومهددة بالتوقف، مضيفا أن شركات الإعلان الكبرى تضع 80 % من ميزانيتها لإعلانات الشوارع مقابل 20% فقط للإعلان في الصحف والإذاعات والفضائيات.
وبيّن أن إعلانات الحكومة تحتكرها شركة واحدة وتعطى للصحف وفقا لتصنيف سياسي، مؤكدا أن الحكومة تفرض رسوما على الإعلان تصل في بعض الأحيان الى 27%.
وأبدى الصادق الرزيقي، رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين تفاؤله بصمود الصحافة الورقية في السودان رغم ما يحيط بها من مشكلات، مؤكدا وجود تراجع وليس انهيارا تاما، وأوضح أن هذا التراجع موجود في كل العالم. وعلّل الرزيقي تدهور محتوى الصحافة السودانية إلى التحول في سلوك المتلقي من حيث وعيه بمصادر المعلومات وباعتباره شريكا في إنتاجها والتأكد من صدقيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر أن الإشكالية الكبرى التي تواجه الصحافة في السودان تكمن في الحرية والقيود التي تكبل الفضاء القانوني والتشريعي الذي تعمل فيه.
واضاف أن التخلي عن صرامة التقاليد المهنية وكسر خصوصية المادية الصحافية وتبادل المعلومات بين الصحافيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أضعف السبق الصحافي وجعل كل الصحف متشابهة في محتواها.
ورغم كل تلك المشاكل، أكد الرزيقي خصوصية القارىء السوداني واهتمامه بالصحافة الورقية رغم الظروف الاقتصادية، مشيرا إلى أن انتشار الكتاب الالكتروني لم يؤثر على توزيع الكتاب الورقي .ورأى الكاتب الصحافي فيصل محمد صالح أن البيئة السياسية والاقتصادية والقانونية التي تعمل فيها الصحافة السودانية لا تساعد على التجويد. وطالب بعدم مقارنة الصحافة في السودان بمثيلاتها في أمريكا وأوروبا لاختلاف الواقع المعاش في الحالتين.
وأكد أن الصحافة في السودان متقدمة على العديد من مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجامعات. وأوضح أن المستقبل لا يزال للصحافة الورقية مع عدم وجود البديل المناسب. ووضع صالح بعض الحلول لإنعاش الصحافة في السودان من بينها المزاوجة بين الصحافة الإلكترونية والورقية والاستفادة من التكنولوجيا في تطوير الصحافة الورقية.

صلاح الدين مصطفى
الخرطوم – «القدس العربي»