داليا الياس

الرجل الأبيض المتعرق!


والحكاية القديمة تتحدث عن ذات الرداء الأحمر الصغيرة التي أسلمها حُسن ظنها لمكر الذئب الحقير حينما كانت تسعى لرعاية جدتها.. والحكايات الحديثة اليومية تقابلنا على قارعة الطريق ونحن نركض في كل اتجاه وراء تفاصيلنا الحياواتية، فيصادفنا ذو الرداء الأبيض المتصبب عرقاً وقوفاً تحت هجير الشمس دون كلل، سعياً لتأمين سلامتنا وتنظيم حركة السير وضبط الطريق العام.
فهل توقف أحدكم يوماً ليتأمل هذا الرجل؟!.. هل فكر أحدكم يوماً في إعادة تقييمه وتعريفه لرجل شرطة المرور؟.. هل شعرتم يوماً أنه قد يكون أحد أفراد أسرتكم، وأنه إنسان مثله مثلنا، له ما له وعليه ما عليه من مشاعر وإنسانية وظروف قاهرة؟!
تداعى كل ذلك في خاطري وأكثر، حين لمحت شعار شرطة المرور الخاص بأسبوع المرور العربي والذي مفاده: (شرطي المرور منكم ولخدمتكم)، فعلمت أنها إشارة نابهة يحاول بها المعنيون رأب الصدع ما بين رجل الشرطة والمواطن مستخدم الطريق، في محاولة لتوحيد الجهود والنوايا الطيبة لأجل سلامة جميع الأرواح والممتلكات.
والشاهد أن كثيراً من التحامل يطال معظم أصحاب الرداء الأبيض المنتشرين في كل مكان.. ولا أنفي أن بعضهم يتسبب، بشكل أو آخر، في ترك انطباع سالب كثيراً ما ينسحب على عموم القوة، لمجرد سلوك فردي يحدث في كل الفئات والمجتمعات.. والوقائع تشير بوضوح لضرورة الحياد في إطلاق الأحكام، علماً بأننا نساهم جميعاً في تمادي تلك الثلة البغيضة في ما تذهب إليه من مسالك تنافي أخلاقيات ولوائح وقوانين شرطة المرور، علماً بأن قيادات شرطة المرور تحرص أيما حرص على إحكام الرقابة على رجالها، وقد شرعت في الآونة الأخيرة في التركيز التام على الكادر البشري، من حيث التأهيل والتوعية والتدريب والتعريف الأمثل بكيفية التعامل مع المواطنين، إلى جانب تحسين بيئة العمل وتوفيق أوضاعهم المادية والمعنوية بشكل إيجابي.
وبالحديث عن بيئة العمل، وددت أن أنقل لكم انبهاري الكبير وسعادتي الغامرة بما رأيته بأم عيني من إنجاز بديع بالإدارة العامة لشرطة المرور، تحت مسمى (غرفة التتبع)، وهي لعمري صرح فخيم يثلج الصدور ويتحدث عن تطور كبير سينتظم عمل رجال المرور ويحفظه التاريخ لعهد القيادة الرشيدة لسيف المرور المسلول سعادة اللواء (خالد بن الوليد) .
وتعمل غرفة التتبع عن طريق الأقمار الصناعية بالغة الدقة عبر جهاز صغير يتم إلحاقه بالباصات السفرية السياحية، فيجعلها تحت المراقبة الدقيقة لرجال المرور طوال رحلتها السفرية وبكافة التفاصيل، إذ يتم رصد كامل لعدد المخالفات عند تجاوز السرعة المقررة وفقاً لرقم المركبة واسم الشركة وحتى اسم السائق على مدار الثانية.
وهذا المشروع يجيء كنتيجة حتمية لتضافر جهود عدد من الجهات، على رأسها شرطة المرور وغرفة النقل والباصات وشركات التأمين التي ساهمت في توفير جهاز التتبع الإلكتروني لنحو (1.245) باصاً سياحياً، كونها أول المستفيدين من تقليل الحوادث المرورية والتي أشارت الإحصاءات لانعدامها تماماً في فئة البصات المستهدفة حتى الآن.
غير أنني ورغم سعادتي بهذا الإنجاز وتلك الدقة المتناهية التي شرحها لنا الضباط المهندسون في غرفة التتبع بمنتهى التفصيل والروعة، إلا أنني قلقت كعادتي من سلوك بعض أفراد مجتمع السائقين وأصحاب الباصات، خشية ألا يدركوا البعد الإيجابي والإنساني لهذه المبادرة التي أرى فيها حلاً جذرياً لفجائعنا المتكررة جراء الحوادث المرورية، التي تحصد الأرواح كل حين على طرق المرور السريع.
فليتنا عبر فعاليات أسبوع المرور لهذا العام، نقف قليلاً لنولي رجل المرور بعض التقدير والرحمة، ونتذكر أننا حين نناصبه العداء من داخل سياراتنا الفارهة المكيفة ونحن نمعن في ارتكاب المخالفات متكبرين على التوجيه والعقاب، يكون هو قد أمضى الساعات الطوال في رهق ومعاناة دون جرعة ماء أو كسرة خبز، وهمومه المترادفة تنتظره في بيته البعيد! وليتنا قبل أن تعمم شرطة المرور جهاز التتبع على كل مركبات النقل الداخلي والسفري، نحرص على متابعة ضمائرنا ونتقي الله في الأرواح التي تسلمنا زمام القيادة كسائقين عليهم الالتزام بالسرعة المطلوبة واتباع قوانين المرور .
أما نحن كإعلاميين فلا بد لنا من زيادة جرعات التوعية المرورية وجعل حمائم السلام البيضاء ترفرف فوق الجميع على دروب السلامة.. وكلنا شوق لأصحاب الرداءات البيض من قيادات الشرطة، الذين سيحتفلون بأسبوع المرور الأحد المقبل، بانتشارهم الحميم والودود في كل التقاطعات، ونحن بينهم بإذن الله.. وكل عام والجميع بألف خير.
تلويح:
أيها الكادح المتعرق المغروس على الأسفلت حين تتعامد الشمس.. أعدك بأن أمنحك ابتسامة وقارورة ما.. وعليك أن تمنحني إرشاداً ودوداً، وتعكس لي صورة ناصعة البياض عن شرطة المرور تشبه تماماً زيك النقي.

داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. للأسف أشتهروا بالرشاوي والقلع . وقت المخالفات . مري ياستاذة بكبري الانقاذ الظهيرة من الخرطوم الى ام درمان