منوعات

في زماننا هذا إذا أردت أن تشتهر فاكتب في الجنس أو الدين أو السياسة


“محمد الشيخ يوسف الأغبش” أو (ود الجبل) كما يحلو لعشاق القراءة مناداته من أشهر بائعي الكتب في وسط الخرطوم، جلسنا معه بمحله بالقرب من مدرسة “كمبوني” وسط مئات الكتب في جميع دروب المعرفة ودردشنا معه عن بداياته مع بيع الكتب، وحدثنا عن سوق بيع الكتب في السبعينيات وأشهر بائعي الكتب في ذلك الزمان، وكيف أن شغفه بالقراءة دفعه لقراءة مئات الكتب لدرجة أنه كان يقرأ ثلاثة كتب في اليوم الواحد.. وعن أشياء أخرى كثيرة.. فماذا قال؟
{ مغامرات
“ود الجبل” قال في مستهل حديثه: (تركت الدراسة في الصف الثاني المتوسط بسبب حبي لقراءة كتب المغامرات مثل “المغامرون الخمسة” و”تان تان” ومجلة “الصبيان”، وتحولت بعدها لقراءة مجلة “سمر” و”صباح الخير” و”أكتوبر”، وكنت أحتفظ بها بعدها انتقلت لروايات “إحسان عبد القدوس” و”نجيب محفوظ” و”أحمد فؤاد نجم” و”البياتي”، وقرأت أعمالهم كاملة وانتقلت بعدها لـ”أجاثا كريستي” و”ماركيز”، بعدها بدأت بقراءة أمهات الكتب مثل “الأغاني” لـ”أبي الفرج الأصفهاني” وكان لديّ “24” مجلداً و”شجر الذهب” و”ابن تيمية” (37) مجلداً وكتاب الحيوان “كليلة ودمنة”). ويقول عن رحلته مع القراءة: (سبعة وثلاثون عاماً وأنا أقرأ وأكتب الشعر ولديّ أكثر من “200” دفتر مليئة بالشعر وكتبت في النقد والقصة، وكتبت قصة “سيكولوجية الجسد وسقوط المطر”، وأنا أكتب بكثافة، وقد أكتب في اليوم قصة كاملة ولديّ سبع إلى ثماني قصص، مكتبتي كانت 6×4 أمتار ووالدتي كانت تقول لي هذه الكتب ستقع عليك، وكانت الكتب كثيرة لدرجة أنني أخرجت كل أثاث الغرفة لأخصصها للكتب).
{ تجارة الكتب
وأوضح “محمد الشيخ”: (بدأت بيع الكتب في سنواتي الباكرة وأذكر أول مرة اضطررت فيها لبيع الكتب كان إحساساً مؤلماً لأنني كنت أبيع ملابسي لاقتناء الكتب وأحمل الكتب إلى جوار الجامع الكبير وأبيعها لبائع قديم يقال له “عمك إبراهيم”.. وبدأت بيع الكتب عندما ذهبت كالعادة لبيع بعض الكتب ولم أجد الشخص الذي أبيع له ووجهني أحد البائعين بأن أختار مكاناً وأعرض كتبي دون الحاجة لبيعها لتاجر، وفعلت وصادفت أشخاصاً يريدون بيع كتب فاشتريتها منهم وعرضتها مع كتبي، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أفرش قرب محطة التاكسي)، وأضاف: (في ذلك الوقت كانت الكتب تباع بالقرب من محطة التاكسي في زاوية الجامع الكبير، حيث كان موقف المواصلات محل البرج الموجود الآن، وفي ميدان أبو جنزير كان يوجد موقف التاكسي، ومن أقدم بائعي الكتب “فكي ميتة، حاج إبراهيم ومحمد جحا”).. ويقول “ود الجبل” عن الإقبال على الكتب: (في ذلك الوقت الكتب كانت قليلة والقراء كثيرون والإقبال كبير، والبائع الذي يمتلك مجلد “رياض الصالحين” يعدّ مالكاً لكنز حقيقي).
{ الإغراء الأخير
ويحكي “ود الجبل” قصته مع كتاب وجده بعد طول عناء بالصدفة وهو (الجريمة والعقاب) منشوراً على صفحات مجلة اسمها (إبداع) كانت دورية شهرية للكاتب الكبير “دستوفسكي”، يقول: (وجدت فيها أيضاً رواية الحب في زمن الكوليرا)، وعن كتاب يقرأه هذه الأيام، قال: (أقرأ “الإغراء الأخير للسيد المسيح” للكاتب “نيكوس كازانتزاكيس”، وقد كتب من قبل “المسيح يصلب من جديد” يتحدث فيه عن فتح الأندلس.. “جورجي زيدان” كتب عن الجانب الإسلامي في فتح الأندلس وفي هذا الكتاب الجانب المسيحي).. وعن نزعته الصوفية يقول: (بحب الصوفية وورثتها من أجدادي من الغبش “أولاد المسوح أب مي” سمانية طيبية وهي تعني أنهم أناس يتمسحون بالماء فقط كنوع من الزهد).
{ أفكار مسروقة
ما يقارب الأربعة عقود قضاها “ود الجبل” بين الكتب ويقول عنها: (أنا أعرف جميع كتبي الموجودة أمامي بأسمائها وأعرف الكتاب طبعة أصلية أم لا، وأعرف إذا كانت فكرته مسروقة أم لا وقد دخلت في مشاكل مع كثير من الكتاب المعروفين في الساحة الأدبية).
{ القراءة زمان
يقول “ود الجبل”: (القراءة الآن ليست كالسابق والناس أصبحوا لا يهتمون باقتناء المكتبات المنزلية، وقبل أيام حضر إلى دكتور وهو زبون قديم لديّ منذ ثلاثين عاماً وباعني مكتبته كاملة).. وأضاف بحسرة: (بصراحة المشكلة ليست في القراء فقط، لكن حتى الكتب المطروحة الآن في الأسواق أصبحت دون المستوى وكتب مثل “عطر نسائي” و”الجنقو” و”فركة” هذا ليس أدباً بل تقليداً أعمى لرواية “الخبز الحافي” للكاتب المغربي “محمد شكري”، وهي سيرة ذاتية يسيء فيها إلى والده، والمحزن أن الإقبال عليها كبير من شريحة المراهقين).. وزاد خاتماً حديثه: (حقيقة في زماننا هذا إذا أردت أن تشتهر فاكتب في الجنس أو الدين أو السياسة).

المجهر السياسي