منوعات

قتلوا وفجّروا وأرهبوا العالم … فمن أين جاؤوا؟!


يُقال إن الفقر والجهل والظروف الإجتماعية الصعبة عادة ما تشكّل بيئة حاضنة أو مصدّرة للمجرمين والإرهابيين، فهل هي فعلاً كذلك؟ لمناقشة هذه الفرضية والبحث في مفهوم وظروف الإرهاب والأسباب التي تولّد إرهابيين، كان لنا حديث مع الكاتب والصحافي حازم الأمين صاحب كتاب “السلفي اليتيم” الذي يتحدّث عن ظاهرة الجهاد والتطرّف.

الربط بين الإرهاب والفقر أو الجهل ليس صحيحاً أو غير صحيح بالمطلق فالإرهاب له مراحل وأجيال، يقول الأمين مؤكدًا في اتصال مع موقع “الجديد” أن الفقر لا يفسّر ظاهرة الإرهاب وهو حكماً ليس مولّداً له. ويضيف: “في المرحلة الأخيرة بتنا نلحظ أن الإرهابيين هم من بيئة متوسطة وليست فقيرة كما أن الجيل الرابع من الإرهابيين في أوروبا هو جيل جامعات وطبقات متوسطة”.

وعن “داعش” الإرهاب الأكبر المنتشر في الوقت الحالي، يشرح الأمين أن “هذا التنظيم كان مصفاة لكل أنواع الأزمات التي مرّت على عدد من المجتمعات؛ كأزمة الغرب من مهاجريه أو أزمة العراق مع اجتثاث البعث، أو أزمة سوريا مع بشار الأسد، أو أزمة لبنان مع هوامشه وهوامش المدن وأزمة السنّة فيه، أو أزمة الأردن مع سلفيّيه”، لافتاً الى أن “التنظيم يتغذّى على قابلية الأفراد لارتكاب فعل جرمي، وهو جمع المجرمين من كل أنحاء العالم وأعطاهم ذريعة ومعنى لتنفيذ جرائمهم تحت عنوان آخر هو الجهاد”.

ظروف وتعريف الإرهاب تختلف بين بلد وآخر وحتى ضمن التنظيم الواحد، فتنظيم “القاعدة” شيء وتنظيم “داعش” شيء آخر، وحتى “داعش” نفسه له هويته وخصوصيته التي تختلف باختلاف البلد الذي ينشأ أو ينتشر فيه إن في أوروبا أو في العراق أو في لبنان أو أي بلد آخر، وفقاً للأمين الذي يتابع موضحاً: “داعش العراقي عشائر، أمّا داعش اللبناني ففيه فقر وفيه أيضاً بيئة تقليدية، في حين أن داعش الأوروبي ظاهرة شيزوفرانية أكثر هي بنت الحداثة والتعليم والفردية، بينما داعش التونسي له حكايته الخاصة المستقلة عن حكايات الآخرين… كذلك تعبير الذئب المنفرد الذي ينفذ عمل انتحاري بمفرده هو إرهابي من ظاهرة غربية له أيضاً هويته وخصوصيته”.

بعض أشهر الإرهابيين الذين تركوا بصمتهم في عالم الإرهاب لم يكونوا أبناء بيئة فقيرة أو جاهلة، نستذكر منهم مثلاً أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم “القاعدة” السلفي أحد أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية المسلّحة في العالم، والذي كان ابناً لملياردير سعودي تقدر ثروة عائلته بقرابة 7 مليارات دولار، كما كان طالباً جامعياً حاز على بكالوريوس في الإقتصاد. أو محمد عطا، أحد منفّذي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الشهيرة في العام 2001 والمسؤول عن ارتطام الطائرة الأولى بمركز التجارة العالمي في نيويورك والمخطِّط الرئيسي للعمليات الإنتحارية الأخرى التي حدثت حينها، هو مواطن مصري حاصل على شهادة في هندسة العمارة من جامعة القاهرة وتخصص في تخطيط المدن في جامعة هامبورغ الألمانية. كذلك زياد جراح، صديق محمد عطا وأحد منفذي أحداث 11 أيلول 2001 أيضاً، هو لبناني ابن عائلة ميسورة ذات امتيازات في البقاع، نشأ في بيروت وارتاد مدرسة نخبوية كما تخصص في هندسة الطيران وتصميم الطائرات، ثم غادر الى ألمانيا حيث تعرّف على طالبة في كلية الطب من أصل تركي وخطّطا للزواج قبل أن ينعطف في مساره نحو التطرّف والإرهاب.

في المقابل، يعزّز معين أبو ضهر، الإنتحاري الذي نفّذ تفجير السفارة الإيرانية في بيروت في 19 تشرين الثاني 2013، كلام الأمين حول أن الإرهاب قد يتولّد من أزمة الهوامش. فأبو ضهر اللبناني هو ابن عائلة لم تُعرف بالتزامها إذ كان والده لا يصلّي ويشرب الكحول بين وقت وآخر وأمه لم تكن إلى حين مقتله محجبة بل نشأت في منظمة العمل الشيوعي. لكنه كان لديه مشاكل مع إخوته غير الأشقاء “الشيعة” بحسب رواية والده عقب مقتله، فقد غادر أبو ضهر السويد بعد خلاف معهم لأنهم “حاربوه لأنه سنّي” وعاد الى لبنان مع تنامي ظاهرة أحمد الأسير.

الأسباب الفعلية التي تدفع الإرهابيين الى ارتكاب جرائمهم هي نفسها، بحسب الأمين، تلك التي تدفع بأي شخصٍ عادي الى ارتكاب جرم معين، كأن يكون مريضاً نفسياً أو لديه انفصاماً في الشخصية أو لأنه لم يلق تعليماً أو لأنه فقير أو حتى غني.

صحيفة الجديد