داليا الياس

وداعًا روضتي الغناء!


قبل نحو أربع سنوات من الآن بدأنا نؤسس لهذا الصرح الشامخ المعروف بصحيفة (اليوم التالي) والذي هو في حقيقته أكثر من مجرد صحيفة!
كنا ثلة قليلة مؤمنة أشد الإيمان بهذه التجربة الرائدة يملؤنا الحماس والحب الكبير.. دافعنا الأساسي كان الرغبة الأكيدة في إحداث نقلة نوعية في عالم الصحافة السودانية وكسب الرهان على كل من ظنها في حينها مغامرة غير محمودة العواقب.
تحملنا الكثير، وتجاوزنا الصعوبات مدفوعين بالإلفة والانسجام والإحساس الغامر الذي يسكن كلا منا بأن هذه الصحيفة صحيفته ومشروع حياته.
لم يكن الأستاذ مزمل أبو القاسم هو المالك الوحيد للصحيفة ولكنها كانت ملك الجميع. فريق متجانس ومميز أو إن شئت الدقة كتيبة من الجنود الأشاوس خاضت معركة حامية الوطيس في سبيل نكون أو لا نكون وقد كنا والحمد لله.
تحولت (اليوم التالى) بفضل الجميع لمؤسسة صحفية كبيرة تحتل مركزا متقدما في ترتيب الصحف وترسم صورة زاهية لقصة نجاح نبيلة قوامها المحبة والتعاون والثقة والإصرار.

وقد منحتني (اليوم التالي) على الصعيد الشخصي الكثير من الزهو والفخار والاستقرار المهني.. وسمحت لي بالتلاقي الرحيب مع القراء الأعزاء واكتساب معارف جدد ومتابعين من الحصافة والاحترام بمكان.. وعلمتني كيف يكون الولاء والانتماء فظللت طيلة تلك السنوات أجاهر بحبي الكبير لها في كل مكان، وهذا هو الشعور الذي لم تنل منه كل المنعطفات الخطيرة التي تعرضت لها في مسيرتي الكتابية ككاتب صحفي تعد اليوم التالي منبره الرئيس.
وأصدقكم القول إنه لم يدر بخلدي يوما أنني سأضطر لمبارحة مكاني الأثير هذا.. رغم أن الكثير من الأسماء التي بدات معها رحلة الكفاح والنجاح هذه قد تفرقت بهم السبل ولكني ظللت على إيماني المطلق بأن هذا هو مكاني الوحيد!!
ولكن.. ولأن ديدن الحياة هو التغيير.. وعجلتها لا تتوقف عن الدوران تجدونني أستعد اليوم للمغادرة نحو محطة جديدة قديمة بدأت فيها ذات يوم مشواري الكتابي وتشرفت بأن أطلقت عبرها عمودي الراتب (اندياح) قبل نحو ثماني سنوات من الآن!

وها أنا اليوم أودعكم وكلي أسف، وألملم أوراقي وأقلامي لأيمم وجهي صوب صحيفة (آخر لحظة) في إطار اكتساب المزيد من الخبرات وكسرا للروتين الرتيب وتجديدا لدماء أفكاري وحبر كلماتي.
وإني إذ أبارح صحيفتي الأثيرة (اليوم التالي) أظل على عهد المودة ما حييت.. وتظل الذكريات الطيبة مع أعزاء أهدتني الحياة صداقتهم وزمالتهم عصية على النسيان، وتظل هذه الصحيفة الحبيبة محطة كبرى في حياتي لا يمكن تجاوزها كونها أحدثت الكثير من الفوارق والإضافات في تجربتي المهنية وعلاقاتي الإنسانية.
فاسمحوا لي أن أودعكم بكل الحب والتقدير.. وأعرب عن امتناني لـ(اليوم التالي) وقيادتها وطاقمها الفني والتحريري على كل ما قدموه لي من دعم ومؤازرة وتقدير لأوضاعي وظروفي.

وأشكر كل القراء الذين حرصوا على المتابعة والتعقيب والتواصل والمراسلة والإشادة والنقد البناء وافتقدوني في الغياب والملمات.
شكرا للحياة التي منحتني سانحة الالتحاق بـ(اليوم التالي) ومعايشة هذه التجربة الثرة بإضافاتها الكبيرة.
وممتنة لأسرة (آخر لحظة) التي غمرتني بحسن الظن والتقييم الإيجابي ورحبوا بانضامي إليهم من جديد لأعود لحيث البدايات بذات الحماس والتوق واللهفة.

وفي كل مكان.. يظل عهدي لكم.. الصدق والانحياز والاحترام والمودة.. ووداعا روضة (اليوم التالي) الغناء.. مع أطيب أمنياتي للجميع بالتوفيق.. ودعواتكم.

تلويح:
زمان الناس هداوة بال.. وانت زمانك الترحال!

داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي