تحقيقات وتقارير

جدلية الإسلاميين والعسكر .. إدارة الدولة .. محاولات استخراج شهادة ملكية


تقلبات كثيرة مرت بالإنقاذ، بداية من المسميات، مروراً بالشخوص، وليس نهاية بالمواقف ذاتها. وهذا حمل بعض المراقبين لأن يصدحوا بأن إدارة الدولة خرجت من يد الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لصالح المؤسسة العسكرية. ويتسق هذا القول ، مع تصريحات سابقة للقيادي البارز في الحزب الحاكم، د. أمين حسن عمر، والتي أشار فيها إلى أن الرئيس أصبح متقدماً جداً على الحزب، وبات هو صاحب المبادرات، فيما يشهد الحزب تكلساً غير مسبوق.

تنازع
ظلت الإنقاذ منذ بواكيرها ثوباً متنازعاً بين الإسلاميين والعسكريين. أهل الرتبة يؤكدون أن الإنقاذ ملك لهم بحكم التضحية بإقدامهم على تنفيذ الانقلاب الذي يعني فشله المقاصل، بينما ظل الإسلاميون أكثر حرصاً على تأكيد امتلاكهم شهادة البحث الخاصة بالإنقاذ لأدوارهم تخطيطاً وتنفيذاً، وذلك قول نسمعه في كل مناسبة بأنهم العنصر الفاعل في انقلاب الثلاثين من يوينو 1989م.

مما يقوله الإسلاميون أن الإنقاذ نفذها طلاب الحركة الإسلامية في الجامعات ضمن قرارات لمجلس شورى الحركة الإسلامية، وهذا ما يدعم حديث البعض أن الضباط المنتمين للتنظيم لم يكونوا على معرفة أو اتصال ببعضهم البعض.

ويتصاعد الجدل حول ملكية الإنقاذ برفض العسكريين لرواية الإسلاميين واتهامهم لهم باختطاف الإنقاذ في العام 1993 عندما أُجبر مجلس قيادة الثورة على التنحي، ولحظتها ظهر العسكريون كأداة تنفيذ ليتسلم الإسلاميون دفة القيادة وعندها عاد غالبية مجلس قيادة ثورة الإنقاذ العسكري إلى ثكناتهم ولم يتبق منهم إلا الرئيس في قمة السلطة وبعد الرحيل المفاجئ للنائب الأول المشير الزبير محمد صالح أصبحت الساحة حول الرئيس خالية من أي مشهد عسكري عدا الفريق أول ركن بكري حسن صالح و الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين وكانا أبعد مايكون من خوض غمار المنافسة التي اشتدت وقتها على منصب النائب الأول بين عدد من كبار الاسلامين. وهنا برزت شخصية على عثمان طه في منصب الرجل الثاني في الدولة وبرزت تبعًا لذلك الكثير من الشخصيات من الإسلاميين مقابل تراجع الشخصيات العسكرية حول الرئيس. ووقتها انبرى عضو مجلس قيادة الإنقاذ اللواء إبراهيم نايل إيدام ليقول على لسان العسكريين (الماشي ده ماحقنا، الإنقاذ حدها وقف سنة 93).

مرحلة الإسلاميين
احتدم التنافس حول خلافة البشير بين مجموعة منهم شخصيات عسكرية وأخرى مدنية لكن التعديلات التى جرت أطاحت بشخصيات من الإسلاميين لها وزنها ثقيل العيار وكانت مفاجأة خروج على عثمان أبرز القيادات الإسلامية الذي صعد بدلاً عنه الفريق أول بكري حسن صالح- أبرز قيادات الإنقاذ العسكرية- وفسر الجميع هذا الخروج والإحلال والإبدال المفاجئ بمثابة خروج للحركة الإسلامية من السلطة رغم مسارعة الشخصيات المترجلة لتبرير خروجها بأنه خطوة الهدف منها تجديد الدماء في الساحة السياسية والدفع بإضافات جديدة.

شكوى
أعاد القيادي الإسلامي، عضو حركة الاصلاح الآن د. أسامة توفيق، جدلية الممسك بزمام الحكم بين تياري الحركة الإسلامية والعسكريين بالقول إن (ادارة الدولة قد خرجت من يد الحركة الإسلامية وتسلمتها المؤسسة العسكرية منذ ثلاث سنوات).

ومن فترة لأخرى يظهر أن طرفاً قد أقصى الآخر كما حدث من قبل الحركة الإسلامية التي تخلصت من العسكريين الذي انتزعوا السلطة باسمها وتخلصت في ذات التوقيت من بعض قادتها الكبار عند عتبة التمكين وودعتهم فيما عرف باحتفال المصاحف. وبعدها دخلت الحركة الإسلامية في لجة السلطة بمفاهيم ورؤىً وحتى قيادات لم تكن معروفة وقادت كما يحلو لمنشديها (سفينة الانقاذ) بقيادة البشير الذي كان كافة طاقم السفينة حوله من الإسلاميين وليس بينهم من أهل المؤسسة العسكرية سوى صاحبيه بكري وعبد الرحيم.لكن حديث أسامة هذا بمثابة خروج للحركة الإسلامية من السلطة و واضح أنه ربط هذا الخروج بالتغيير المفاجئ الذي أطاح بقيادة (كبيرة) في صفوف الحركة الاسلامية وهذا يظهر في إشارة أسامة الى أن هذا التغيير منذ ثلاث سنوات وهي ذات الفترة التي أطيح فيها بقيادات كبيرة.

تراجع
يقول المحلل السياسي بروفيسور الطيب زين العابدين إن الحديث عن وجود عسكريين في السلطة مقصود به أصحاب المواقع التنفيذية (الرئيس ونائبه الفريق أول ركن بكري والفريق أول ركن مهندس عبدالرحيم محمد حسين)، وهؤلاء ظلا مع الرئيس منذ مجئ الإنقاذ لأنهما أكثر معرفة به وهما العسكريان اللذان بأيديهما السلطة. مشيراً في حديثه مع (الصيحة) إلى أن الرئيس -ولفترة طويلة- ظل يتقوى بالحركة الإسلامية والحزب لكنه الآن أصبح يتقوى بصورة أساسية بالقوات النظامية ، وهنا أخذ يخفف من الاعتماد على المؤتمر الوطني ويتقوى بالقوات النظامية. أما الحركة الإسلامية فلم يكن لها أي دور منذ أن قام الترابي بحلها. مضيفاً نستطيع القول الآن بأن القرار أصبح في يد الرئيس المتقدم على حزبه، حد أن قرار التشكيل الوزاري الأخير اعتمد فيه على اللجنة التنسيقية العليا، وليس على حزب المؤتمر الوطني.ويشرح زين العابدين أن أسامة توفيق قصد بحديثه أن أغلب الذين كانوا في السلطة وخرجوا هم بخلفيات إسلامية كأفراد ، وزاد زين العابدين بأن حالة التربص بين الطرفين زادت من وتيرة الإحلال والإبدال.

الخرطوم الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة