الهندي عز الدين

(4) رمضان.. المفاصلة التي هزت عرش الإسلاميين (10 – 10)


ظلت عقدة (المفاصلة) تسيطر على قادة المؤتمر الوطني لسنوات عديدة بعد المفاصلة التي انتهت بانتقال الشيخ “الترابي” من مقاعد الحكم في رئاسة البرلمان وأمانة الحزب إلى صفوف المعارضة وغياهب السجون.
{ كان الهاجس الأساسي أن يقوم على الناس (ترابي آخر)، فيعيد كرة الخلاف مع رئيس الحزب رئيس الجمهورية ويتكرر تنازع الرأسين.
{ وقد حرص غالب قادة المؤتمر الوطني وحلفائهم العسكريين، أيما حرص على عدم ظهور (شيخ) جديد من بعد ذهاب “الترابي” عن سدة الحكم، وقد أدت تلك الحالة المرضية التي تلبست الجميع، إلى زيادة درجات (الحذر) الموجود أصلاً بكثافة في دواخل نائب الرئيس الأول “علي عثمان محمد طه”.

{ في جلستي مع النائب الأول “علي عثمان” في مكتبه بمجلس الوزراء، بعيد المفاصلة مباشرة، قلت له: لماذا لا تدعو الناس لبيتك، وتفتح دارك وصالونك كما كان يفعل شيخ “حسن”؟!
{ قال لي إنه لا يريد أن يظن البعض أنه يؤسس لتيار ثالث ويتحلق الناس حوله.

{ هذا الحذر الزائد من “علي عثمان” وغيره من قيادات (الوطني) أدى إلى تراجع سيطرة الحزب ونفوذ الحركة الإسلامية في الدولة، ورغم ذلك ظل الرئيس “البشير” يضع كامل ثقته في نائبه الأول إلى ما بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير من العام 2005م.

{ لكن مقتل زعيم الحركة التاريخي العقيد الدكتور “جون قرنق دي مبيور” في 30 يوليو من العام 2005م، بعد ثلاثة أسابيع فقط من تسلّمه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في حادث تحطم مروحية بجنوب السودان، في رحلة العودة ليلاً من اجتماع غامض مع الرئيس الأوغندي “يوري موسفيني”، أربك حسابات نائب الرئيس الثاني وشريك الاتفاقية “علي عثمان”، كما أربك كل الساحة السياسية، وتسبب صعود خليفته “سلفا كير ميارديت” وزمرة (الانفصاليين الجنوبيين) على منصة قيادة الحركة والجيش الشعبي، مع نيلهم (ثلث) مقاعد الحكومة الاتحادية والبرلمان فضلاً عن منصب النائب الأول للرئيس مع جميع السلطات في جنوب السودان، تسبب في اختلالات متلاحقة واهتزازات كبيرة لاتفاقية السلام وللشراكة السياسية والتنفيذية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وأدت جملة تلك التصدعات إلى بروز تيار داخل الحزب الحاكم يلقي باللائمة على الأستاذ “علي عثمان” وحده ويحمّله كامل المسؤولية عن تبعات (نيفاشا)، رغم أنه كان عندهم إلى وقت قريب بعيد الاتفاقية (بطل السلام) الذي طالبوا بمنحه مع “قرنق” جائزة نوبل للسلام.

{ غياب “علي عثمان” الطويل مستغرقاً في مفاوضات (نيفاشا) لستة عشر شهراً من العام 2003 إلى العام 2005م، جعل قيادات من تحته في التنظيم، خاصة في (الأمانة الخاصة) المعنية بالملفات الأمنية والعسكرية تتواصل مباشرة وباستمرار مع الرئيس، وهو ما كان متعذراً في وجود شيخ “علي”، فلمعت أسماء مثل “أسامة عبد الله” والمرحوم “عبد الوهاب محمد عثمان” و”صلاح قوش” و”الزبير أحمد الحسن” و”الزبير بشير طه”. وفي ظل وجود الفريقين المقربين للرئيس “بكري حسن صالح” و”عبد الرحيم محمد حسين” وتراجع عسكريين كانوا مؤثرين إلى ما بعد المفاصلة بقليل مثل اللواء طبيب “الطيب إبراهيم محمد خير” ومدير جهاز الأمن الأسبق وزير الداخلية اللواء “الهادي عبد الله”، عاد “علي عثمان” ليجد أن الواقع داخل كابينة القيادة قد تبدل، وأن ملفات عديدة بدأت تنسحب من بين يديه.

{ وتفجرت الخلافات المكتومة في إطار موجة تحميل النائب الأول أوزار تنامي غلواء التيار (الانفصالي) في جنوب السودان، وارتفعت وتيرة الخلاف الداخلي في أعقاب الجدل حول قرار الأمم المتحدة بإرسال قوات دولية إلى دارفور، فغادر النائب الأول في صيف العام 2006م البلاد إلى تركيا، وحاولت السلطة تبرير رحلة المغاضبة بأنها (رحلة استجمام)، وأن النائب سيعود قريباً لمباشرة مهامه في القصر، وقد بدا غريباً أن الذي صرح بذلك هو الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” الذي لم يتعود أن يصرح في مثل هذه القضايا السياسية الشائكة، ولكن ربما كان القصد أن يطلق التطمينات أحد أقرب المقربين من الرئيس.
{ بعد عودته من تركيا، بدا واضحاً أن نفوذ شيخ “علي” قد تقلص بصورة واضحة، فيما صعد الدكتور “نافع علي نافع” إلى واجهة الأحداث، مقابل تمدد مساحات حركة مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق “صلاح قوش” واقتراب وزير الري “أسامة عبد الله” من الرئيس بوتيرة متنامية، ومن المؤكد أنه لم تكن هناك أجندة ولوبيات (قبلية) في تلك الفترة، وإلا لما تراجع “علي عثمان” ليقترب “أسامة عبد الله”، وكلاهما من قبيلة واحدة في الشمالية.

{ هاجس المفاصلة وعدم انفتاح شيخ “علي” على الآخرين، وانقطاعه عن أحبابه ومناصريه- يتحمل مكتبه الكثير من الوزر عن ذلك الإغلاق- ساهم في إضعاف نفوذ شيخ “علي” شيئاً فشيئاً، ثم تحرك البعض في الفراغات فبثوا مزاعم وشبهات حول خطط الرجل بعد (نيفاشا)، وطموحاته السياسية، مع أن دوره الأساسي في قيام (الإنقاذ) نفسها، ودوره المفصلي في استقرار الدولة بعد (4 رمضان) يمنحه حق الطموح الشرعي، ويشجع الآخرين على أن يحفظوا له ذلك التاريخ الوضيء، والولاء المطلق للدولة وللرئيس، فقد كان صدقه ناصعاً.. غير قابل للطعون.

{ ومن عجبٍ أن الأستاذ “علي عثمان” استدعاني إلى منزله بعد تقاعده من رئاسة الجمهورية قبل ثلاثة أعوام فقط، مع بدايات دعوة الرئيس للحوار الوطني، وطلب مني في لقاء جمعنا الاثنين ولا ثالث لنا، رتبه مدير مكتبه اللواء “إبراهيم الخواض” ولم يحضره، طلب أن نبشر الناس بالحوار الوطني. ووسط دهشتي أخذ “علي عثمان” يمدح الرئيس “البشير” والفريق “عبد الرحيم”!! وزاد وكانت انتخابات 2015م على الأبواب: (ما لم تتوقف الحرب في السودان.. لا يمكن أن يحكم البلاد رئيس غير عسكري)!!
{ لم أنشر ما قاله النائب الأول السابق واحتفظت به لنفسي ثلاث سنوات، مثلما احتفظت ببعض التفاصيل والمعلومات لأكثر من (17) عاماً، وأظن أنها فترة كافية لإطلاق بعض المعلومات.

الهندي عزالدين – شهادتي لله
صحيفة المجهر السياسي