مقالات متنوعة

أب قجيجة


لا بد من شرح العنوان للجيل الحالي.. (القجيجة).. هي تصغير لكلمة (القجة).. وهي الشعر المرتفع في جزء من الرأس.. مقدمته أو منتصفه.. إن أتى متاخراً.. فتلك (كعكة).. وقديماً غنت الفتيات لذلك الشاب صاحب هذا النوع من التسريحات وقلن (أب قجيجة.. الرسول تتم الريدة.. حبة حبة).. ولا يزال هناك ثوب سوداني بذات الإسم.. لم يفقد رونقه ولم تبطل موضته.

ثارت.. ثائرة الفسباكة على المذيع صاحب تسريحة الشعر الغريبة.. وتم (ردمه) من قبل كل الاتجاهات ولم تترك له فرصة حتى للتبرير لاختياره تلك التسريحة.. وطالب بعضهم بايقافه الفوري عن العمل متعللين بأنهم يخشون أن يتخذه الأطفال (قدوة) فيقلدونه فيما ذهب اليه.. والشيء الغريب إن أطفال السودان يحلقون شعرهم على طريقة رونالدينو.. ونيمار.. ولا يرى أحد عيب في ذلك.. ولم يخف أحد من الأفكار المستوردة.. والمهم.. لم يضع أحدهم نفسه في مكان الآخر الذي نحكم عليه بمظهره ولا نترك له مساحة حرية كما نمنجها لأنفسنا.

ذات مرة من المراير.. أصر جاري (الخواجة) في الطائرة على تغيير مقعده من جواري.. بعد أن نظر إلي بهلع وكان مركزاً على الحجاب الذي يغطي رأسي و يلف رقبتي.. في الحال قرأت تفكيره.. فقد تم تصنيفي كأرهابية.. خاصة إنني كنت أحمل حقيبة ظهر متمسكة بها بقوة (داخلها اللاب توب.. وكل أبحاثي وشقاء عمري وسنيني ).. كان قلقاً.. وهو ينظر إلي بطرف خفي.. متوقعاً هجومي في أي لحظة وكنت أنا في شغل عنه بترتيب ما أحمل من أشياء.. والمضيفة تحاول أن تبحث له عن مقعد خال بعيداً عن هذه الارهابية (اللي هي أنا).. وابتسمت داخلي.. فقد استبد به القلق عندما سمعني أتمتم بدعاء السفر الذي يبدأ بعبارة (الله أكبر)..في النهاية تنفس الصعداء.. فقد أتت المضيفة وأخذته الى مكان قصي بعيداً عني.. أما أنا فقد وجدت مكاناً مريحاً لأنام طوال الرحلة.. لكني كنت حزينة.. ذلك الرجل قد حكم علي بمظهري.. ولم يترك لي فرصة لأشرح له.. أن هذا غطاء للشعر فقط.. وأن تحت هذا القماش عقل مستعد للنقاش وشرح خياراته في الحياة.. وقبل كل شيء مستعد لتقبل الآخر وتفهم الاختلاف.

.. الذين أقاموا الدنيا على الشاب المسكين.. هل خطر لهم بأن هذا العمل هو مصدر رزقه؟؟ وأن قطعه بهذه الطريقة مناف لأبسط الحقوق الإنسانية..؟؟ عني أنا.. لا تعجبني نوع الحلاقة التي ظهر بها.. ولا أظنها جميلة.. وربما لو أتيحت لي الفرصة لسألته عما يعجبه فيها.. لكن في المقابل لو كان الأمر بيدي.. لن أوقفه عن العمل بسببها.. فما يهمني منه هو البرنامج الذي يقدمه والأفكار التي يبثها.. ربما لأنني ذقت مرارة التصنيف بناء على المظهر.. والتي لا يزال البعض يمارسها.. على الحجاب أو عدمه.. على تربية الشعر أو حلاقته.. وفي خضم هذا الانشغال بالمظاهر.. ننسى الأهم.. وهي القلوب التي في الصدور.. والعقول التي في الرؤوس.. رمضان كريم.

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة