رأي ومقالات

مشرد في عصر العولمة !


قبل نصف ساعة، وقبل أذان الفجر بقليل، فجر الثاني من عيد شوال ! وجدت هذا الطفل المشرد الجميل يتسكع في الشارع وحيدا، دون حذاء، وكساؤه الزيتي يدل على أنه لم يغسله لعدة أسابيع، وكان في كامل وعيه، لا يبدو عليه أنه من متعاطي أي شئ كان !

جالسته لأعرف قصته، فوجدته مدمنا، ولكن مدمن انترنت !! ومدمن التسفار في مدن الأحلام.

هو حمزة، مسمى على أسد الله الضاري ابن عبدالمطلب… ولكن في الطفل رقة طباع لم تروضها قسوة الحياة ولم تخدشها أنياب العولمة،
ولا تشبه طباعُه بطحاءَ مكة في شئ !

هذا الطفل المشرد، لا يخاف الشارع، يحس بالأمان مثله مثل كل سائر في ليل الخرطوم، وأهله من منطقة الصالحة غرب العاصمة… قال إن وقته يقضيه في محل انترنت في السوق العربي، يلعب ألعاب النت ثم يخبرني أن هناك updates جديدة لألعاب 2017 !! كما يتابع أفلام الرعب عبر الyoutube التي يسميها اليوتيو.

ألم تكفه مناظر رعب الحياة وهو يمشي وحيدا بعد منتصف الليل دون رفيق ؟
يبدو أن بداخله إحساسا عميقا بالأمان، يجعله يبحث عن الارتواء من مشاهد الرعب في عالم افتراضي !!

أراه أمامي يمشي الآن في شارع افريقيا أمام الساحة الخضراء، ينتظر من يوصله للسوق العربي كي يواصل رحلته لدار أهله… ولكن من ذا الذي سيتوقف له وهو بهذه الملابس الرثة ؟
يبدو أن قدميه ستواصلان السير دون واقٍ لفترة من الزمان.

الغريب أنه لم يطلب غذاء ولا حذاء ولا دواء ..
كل ما كان يبغيه هو الوصول إلى المنزل، وجهاز موبايل كي يدخل به على الانترنت !
ويحسدني علنا على امتلاكي لجهازين، فتتناوشني ذكرى آية الله: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون…
فيصعقني بطلبه لأحد الجهازين بغرض الدخول على عالم الأسافير بدل سفره المرهق لمحل الانترنت كافيه !

أي زمان هذا الذي يتغذى فيه الجياع على طعام إسفيري للنفس و ربما للجسد ؟
هل صار الكفاف ليس مما تنبته الأرض، ومما يأكل من نبات الأرض ؟!

يشتكي لي الآن فجأة من أن محلات مشويات أم درمان لا يضعون الملح في طعامهم ! وكأنه يقرأ ببصيرته ما أكتبه في جهازي الآن…

أيها الفتى، إن أحلامك ستبنيها على مدن الملح، وستأتيها الموجة على شاطئ أحلامك، لتخلط الرمل بالملح، حين تظن أن بناءك قد اكتمل..

الآن غادرت طائرة القطرية مطار الخرطوم مارةً فوقنا، فأخبرني أنه يتمنى أن يلتقط صورة له بداخل الطائرة ليباهي بها الأمم من أصدقائه في الحي،
وأنه يريد السفر لاستراليا، ليشاهد الحيوانات التي يراها في الانترنت على طبيعتها !
أي حيوانات يا حمزة أكثر من البشر الذين لا يبالون بحالك وبأمنياتك ؟؟

اذهب عني الآن فلن تذهب عني ذكرى رفقتك، فلقد “مسختَ” لي عيدنا هذا..

امضِ في طريقك المالح، فيبدو لي أن بداخلك طمأنينة لا ترى من معالم في الطريق سوى حلاوة ً لا نفهمها نحن معشر البشر، أو قل الحيوانات إن شئت.

وكل عام وأنت بألف ألف خير ..

بقلم
أبي عز الدين


تعليق واحد

  1. قل لهذا الطفل عفوا المسؤولين ليس فاضين الان ؛ يشوفوا حل مشاكل قطر مع السعودية.