تحقيقات وتقارير

طالته انتقادات بالبرلمان قانون النظام العام .. هل يُنقَض بـ (فيتو) أمريكي؟


من جديد، أطل الجدل برأسه حول قانون النظام العام. الجديد في الأمر أن الجدل لم يكن بين حكوميين ومعارضين، وإنما صدر عن نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، متوكل محمود التجاني الذي أقر في تصريحات صحفية بوجود انتهاكات ضد حقوق الإنسان، وشدد على ضرورة هيكلة ملف حقوق الإنسان ووضعه في يد جهة واحدة.
وفي اعترافات نادرة، قال متوكل بعد أن توكل على الله، إن انتهاك حقوق الإنسان لا يقتصر على أعتقال المعارضين أو توقيف الصحف بل يطال حتى الاعتداءات بـ (الكشات) في إشارة منه لقانون النظام العام الذي قال إن لجنة برلمانية تنظر في شكاوى مقدمة جراء تطبيق القانون.
وبرأ التجاني القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان من تهم الانتهاكات لكنه حمل القائمين على تنفيذها مسؤولية ما يقع من ممارسات جراء عدم إلمامهم بحقوق الإنسان الناتجة من توزيع الملف بين أكثر من جهة في الدولة.
أخطاء الممارسة
اعترض عضو البرلمان رئيس الدائرة العدلية السابق بالمؤتمر الوطني، الفاضل حاج سليمان، توزع القانون بين عدة جهات، وقال لـ (الصيحة) الثابت أن قانون النظام العام قانون ولائي تنفذه المحليات وهو ليس ملزماً لكل ولاية مسؤولة عن وضع قانونها، ونبه إلى أن بعض الولايات لا يوجد فيها قانون للنظام العام وفي نفس الوقت كل ولاية مسؤولة عن الحفاظ عن النظام العام.
أما كيفية المحافظة على القانون فمتروك حسب الفاضل للولاية التي قد لا تحتاج أن تسن قانون، ويمكن أن تقوم عبر طرق أخرى بالتوعية والنصح والإرشاد والتنظيم، وقال (النظام العام ليس أن تكش الناس وتهجم عليهم في مواقعهم) مضيفاً (العيب في التنفيذ وليس القانون).
القانون ذاته
شدد الخبير القانوني نبيل أديب في حديثه إلى (الصيحة) بأن العيب في القانون، كونه أعطى الجهات المطبقة سلطة تقديرية أكثر مما يجب عبر المواد الغامضة وغير المحددة وسمح للجهات المنفذة أن تكون مفسرة لها مثل ما يتصل بالحديث عن الأغاني الهابطة والمظهر الفاضح دون تحديد معايير لذلك.
والمشهور أن تشريع قانون النظام سن في العام 1984 مع إعلان قوانين الشريعة الإسلامية وعُرِفت وقتها لدى أهل القانون بمحاكم العدالة الناجزة وبعد مجئ الانقاذ شرعت قانون النظام العام، الذي يطبق في كل ولايات السودان ولكن ولاية الخرطوم هي الأكثر تمسكاً به.
ويحتوي القانون على عدة مواد تتعلق بالمظهر العام. ويرى منتقدوه أنه يصادر أبسط الحقوق من المواطنين خاصة المادة 152 تنتهك خصوصية المرأة ومن أبرز الأحداث المرتبطة بهذا القانون هي قضية الصحفية لبني أحمد حسين الشهيرة بقضية البنطال والناشطة اميرة عثمان بسبب غطاء الرأس (الطرحة).
تمييز سلبي
ويرجع نبيل أديب أسباب التركيز على قانون النظام العام رغم وجود كثير من المآخذ على حقوق الإنسان لأخذ موقف متحيز ضد النساء وأغلب المحاكمات تتم بصورة إيجازية لا تسمح للسلطة الاستئنافية تبين الجرم ولا تمنح المتهم فرصة لاحضار دفاع وتم وضعه بلغة فضفاضة وغير مفهومة مع عقوبات رادعة تصل للسجن ست سنوات او الغرامة والجلد معاً.
صناعة (سيستم)
يؤكد الفاضل إن قانون النظام العام القصد منه خلق نظام وليس خلق فوضى بيد أنه قال إن قانون النظام العام في ولاية الخرطوم يمس جانباً من حقوق الإنسان في التنفيذ لعدم إلمام القائمين عليه بحقوق الإنسان وضرب مثلاً بـ (الكشات) التي تستهدف بائعات الشاي، مع أن القانون لا يسمح أن تجرى الكشات بالصورة العشوائية وتكسير معداتهن، منبهاً الى إن هذا النوع من التنفيذ يمكن أن يطال جانب من حقوق الإنسان.
إلغاء
طالب أديب بإلغاء القانون أو إعادة إصداره على أن يقتصر على المسائل المتعقلة بإزعاج الآخرين دون التدخل في المسائل التي لا تخص الدولة لكن الفاضل لا يرى ضرورة لإلغاء القانون لكن بالضرورة أن يراجع لجهة أن أي قانون يكون حوله جدل يجب أن يراجع خاصة إن كان متعلقاً بحقوق الإنسان.
بواعث
دعا نبيل أديب- المحامي-إلى التفريق بين التحريم والتجريم، مبيناً أن التحريم مسأـلة دينية وأخلاقية، وعلى الشخص الامتناع عن الإتيان بأفعال معينة وأن يراقب الله، مذكراً بأن الدولة لديها فقط مهام معينة متى ما وصل السلوك لمرحلة تعريض الآخرين للأذى.
أما الفاضل فيرى أن المقصود بالقانون ضبط الشارع، وقال إن التشريع مربوط بالدين الذي يأمر بألا يكون الشارع منفلتاً ومشجعاً لارتكاب الرذيلة لذلك جاءت الشريعة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتبصير الناس بالنظام العام للشارع لكنه دعا إلى عدم تحول قانون النظام لأداة لانتهاك لحقوق الإنسان أو لمحاربة الناس في رزقهم المشروع دون إيجاد بدائل.
مراجعات
قال رئيس هيئة شؤون الأنصار د.عبد المحمود أبو، في حديثه إلى (الصيحة)، إن التجربة والممارسة تؤكدان أن قانون النظام العام مضاره أكثر من محاسنه لأن الإسلام حدد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب كمفاهيم شرعية لمعالجة الظواهر السالبة في المجتمع وهي مفاهيم قائمة على الإرشاد والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة. وأشار أبو إلى أن العقوبات في الشريعة محددة إما عقوبات أو تعازير ومحددة بضوابط شرعية تحدث عنها الفقهاء كثيراً لكن في حالة قانون النظام العام والملاحقات والعقوبات التي تتم عبره لا تتماشى مع روح الشريعة الإسلامية وينبغى أن تلغى لأن توجيه المجتمع لا يتم بالعقوبات والملاحقات والتجسس وإنما بالنصح والأمر وبالمعروف واللين موضحاً أن مايحدث الآن أدى إلى ضرر كبير داعياً لأن يتم الاكتفاء بالعقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.
مواقيت
حول توقيت إثارة القضية بالتزامن مع إثارة الولايات المتحدة لقضية حقوق الإنسان كشرط لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، يقول نبيل أديب الواقعية تستلزم أن تكون الخرطوم جزءاً من المجتمع الدولي، وتعمل على حذف كل التشوهات في قوانينها، وقال إنه ليس من داع لتشريع قوانين غير مقبولة.
من جانبه قال الفاضل إن قضية حقوق الإنسان أصبحت من القضايا المنصوص عليها في المواثيق الدولية الموقع عليها السودان ، متهماً دولاً – لم يسمها- بالعمل على استثمار الأوضاع لفرض وصايتها على الخرطوم، بتضخيم ما يجري في الشارع العام.

الخرطوم : الطيب محمد خير
الصيحة