رأي ومقالات

بعض أفراد أسرتي على قناعةٍ راسخةٍ بأن ما يُروَّج عن ظاهرة الاختطاف بغرض سرقة الأعضاء حقيقة لا تقبل الجدال


غاز الشائعات
-1- إلى هذه اللحظة التي أكتبُ فيها هذا العمود، لا يزال الكثيرون – منهم بعض أفراد أسرتي – على قناعةٍ راسخةٍ بأن ما يُروَّج عن ظاهرة الاختطاف بغرض سرقة الأعضاء حقيقة لا تقبل الجدال.
رغم بيانات الشرطة وتصريحات مسؤوليها، التي اعتلت مينشتات الصحف لأيام، لا تزال شائعات الاختطاف وسرقة الأعضاء تُسيطر على شبكات التواصل الاجتماعي.
قصصٌ وصورٌ مجهولةُ المصدر، وأرقام تلفونات لا تستجيب، تُحاول أن تُحصِّن الشائعات من النفي والتكذيب.

-2-
لا أُؤمن بنظرية المؤامرة في تفسير مثل هذه الظواهر. سوء استغلال وسائط التواصل الاجتماعي خطرٌ يُهدِّدُ الجميع.
أرسلْ رسالة تحوي ما هو مثير؛ شتائم لشخص أو سيرة مُزيَّفة أو شائعات مُحكمة الصياغة.

أرسلها إلى شخص خارج الحدود أو داخلها، أو ضعها خلسةً على قروب واتساب، واكتب عليها (منقول)، ستسري سريعاً على الشبكة العنكبوتية لتصل إليك!
-3-

الواتساب أصبح دائرة مغلقة بإحكام.
إذا كانت السكة الحديد في زمانٍ بعيدٍ قد قرَّبت المسافات، على قول المُفكِّر العظيم عبد الله علي إبراهيم، فإن الواتساب قد ألغى المسافات، وأزال الحواجز، وجعلنا جميعاً في زجاجة واحدة.
في رسائل الواتساب نقطة النهاية هي ذاتها نقطة البداية، والمُرسِل هو ذاته المُستقبِل.
-4-
المعلومات المغلوطة أو الشائعات المُختلقة أو المُحوَّرة جينيَّاً، تكتسب قوة وصلابة مع مرور الزمن وكثرة التكرار واعتيادية الترديد، حتى تصبح أقوى من الحقائق، بل قادرة على هزيمة الحقائق في لحظات المواجهة.
المعلومات الناقصة وغير المُتماسكة، والتي بها ثغرات، تُمثِّل خطورة أكبر من الشائعات؛ بل إنها من الممكن أن تُعطي الشائعات قوةً، وتزيد من رواجها، ولا يُجدي بعد ذلك تصويبٌ أو توضيح.
-5-
الشائعات تتمدَّدُ في مساحات الصمت الرسمي، والأرقام تتضخَّم في غياب المعلومات أو إبراز أنصاف الحقائق وأرباعها.
السلوك الإعلامي للحكومات، هو الذي يُوفِّر مناخاً صالحاً لظاهرة الأشباح الإسفيرية ولتجار الشائعات.
سلوك دسِّ الرؤوس في الرمال والإنكار المُطلق وفرض الرَّقابة والتحكُّم في النشر وتغييب المعلومات؛ كل ذلك يجعل الصحف هزيلة المستوى وضعيفة المصداقية وقليلة التأثير، وتصبح وسائل التواصل الاجتماعي سيدة الموقف.

ظللتُ أقول وأُكرِّر كتابةً وشفاهةً لأهل المهنة الصحفية:
نقل الأخبار والتأكد من صحتها ونسبتها، هو عماد ومرتكز العمل الصحفي، بعد إعمال أدوات مهنية لفحص النص وقياس مصداقية المصادر.
-6-
قواعد مهنة الصحافة تُشابه وتقارب علم الجرح والتعديل في علم مصطلح الحديث؛ من حيث صحة السند وضبط المتن:

من صَحَّ عليه الكذب استَحَقَّ الترك.

لا تُقبل رواية الوَضَّاع وإن تاب.
-أخيراً-
كصحفيين علينا مسؤولية النقل حتى في قروبات الواتساب وصفحات الفيسبوك، ولا ينفع هنا (ناقل الكذب ليس بكاذب)، وعلى الجهات المسؤولة مُحاربة الشائعات في طورها الأوَّليِّ بسرعةٍ وحسم.
الشائعات عندما تتحوَّل من الحالة الغازية إلى حالة الصلابة، تُصبح أقوى وأرسخ من الحقائق التي تأتي بها البيانات الرسمية.

ضياء الدين بلال


تعليق واحد

  1. لسلوك الإعلامي للحكومة، هو الذي يُوفِّر مناخاً صالحاً لظاهرة الأشباح الإسفيرية ولتجار الشائعات.